ضياء المحسن||
لا يكاد يمر يوم إلا ويعاني فيه العراقيون من أزمة تختلف عن الأزمة التي سبقتها، قد يكون محكوم على هذا الشعب أن يعيش أزمات لا دخل له بها، أو قد يكون هذا الشعب هو المسبب الأول في الأزمات التي حصلت وتحصل له.
قد تكون الأزمة المالية الأخيرة هي أخطر الأزمات التي مرت بهذا البلد طيلة سبعة عشر عاما مضت ما بعد التغيير عام 2003، فالأزمة لامست حائط الصد الأخير بالنسبة للعوائل العراقية والمتمثل في رواتب الموظفين، والتي يقارب العدد الذي يعتمد على هذا الراتب أكثر من ثلاثة ملايين عائلة، وبمعدل ستة أفراد للعائلة الواحدة، وهذا يعني أن ثمانية عشر مليون مواطن ظلت أفواههم مفتوحة للسماء، بسبب عدم صرف رواتبهم من قبل وزارة المالية، هذه الوزارة التي من ضمن مهامها الأساسية هو توفير رواتب الموظفين.
قد يسأل سائل لماذا حصلت الأزمة، وما هي الحلول الناجحة للخروج من هذه الأزمة، وعدم تكرارها مرة أخرى؟ وهي أسئلة نسمعها من خلال تجوالنا في الشارع.
أسباب حصول الأزمة المالية لا يرتبط بهذا الوقت بالتحديد، ذلك لأن هناك تراكمات حصلت أدت الى تفاقم الأزمة على هذا النحو الخطير، واقعا أنه لا توجد دولة مهما عظمت مواردها المالية، لن يكون بمقدورها تعيين كل الموطنين في الجهاز الحكومي، فهناك سقف لا يمكن تجاوزه في هذا الأمر، يعلم الجميع أن عدد الموظفين قبل عام 2003 لا يتجاوز ال750 ألف موظف، لكن وبعد ذلك العام أخذ الرقم يتصاعد حتى وصل الى رقم مخيف (3250000) موظف، معدل عمل الموظف منهم لا يتجاوز التسعة دقائق في اليوم الواحد، ما ولد بطالة مقنعة كان المسبب الأول فيها هو الأحزاب والكتل السياسية المتصدية للمشهد السياسي، من خلال إغراء الناخين بالوظيفة الحكومية في حال منحهم أصواتهم لهذه الكتلة أو ذاك الحزب.
السبب الأخر في حدوث الأزمة المالية هو عدم وجود تخطيط للموازنات، فالعراق لغاية اللحظة التي نحن فيها الأن يعتمد على موازنة البنود في إصدار موازناته، هذا النوع من الموازنات عفى عليها الزمن، وغادرتها الدول، بحيث أننا نشهد بعض البلدان تقوم بعمل موازنات ليوم واحد، كما أنه هناك موازنات البرامج والخطط، والتي تعتمد على تقديم الأهم ثم المهم من المشاريع التي تقدم خدمة للمواطن، بالإضافة الى تحقيق مردود إقتصادي يرفد الموازنة في أعوام قادمة.
هناك سبب أخطر من كل ما تقدم، ويتمثل في نفقات ومصروفات الرئاسات الثلاث وأعضاء مجلس النواب والوزراء، فليس من المعقول أن يكون راتب رئيس الجمهورية 80 مليون دينار عدا المخصصات، ورئيس الوزراء 50 مليون دينار عدا المخصصات، ومثله رئيس البرلمان، في حين نجد أن راتب عضو مجلس النواب يساوي راتب الوزير، وهو بحسب القانون ستة مليون دينار عدا المخصصات، وإذا ما تم حساب هذه الأرقام نجد أنها أرقام مهولة، ثم هناك مخصصات الخطورة التي تمنح للعاملين في المنطقة الخضراء، والتي تصل للبعض الى 600% من راتبه.
الأخطر من كل ما قلناه هو عدم تفعيل القطاعات الحقيقية في الإقتصاد العراقي، ونقصد بها القطاع الزراعي والصناعي وقطاع الخدمات، هذه القطاعات يمكن أن تقدم للإقتصاد العراقي خدمة كبيرة، وقد شهدنا خلال جائحة كورونا وانقطاع العراق عن العالم بسبب الحجر الصحي الإجباري، كيف أن المنتجات الزراعية المحلية قد غطت السوق العراقي، ناهيك عن انخفاض أسعار هذه المنتجات، حتى أنها حققت أرباح للمزارعين أكثر من الفترة التي سبقت الحجر الصحي.
إذا ما العمل للخروج من كل ما تقدم؟
الحلول للخروج من الأزمة وعدم العودة إليها في وقت لاحق، تحتاج الى إرادة للحل، وليس الى مجرد تمني أن تحل هذه الأزمة، وهذا يعني يجب أن يكون هناك مشرط لإجراء عملية جراحية للإقتصاد العراقي، يبدء أولا بتخفيض رواتب ومخصصات وحمايات الرئاسات الثلاث وأعضاء مجلس النواب والوزراء، بالإضافة الى إلغاء مخصصات الخطورة للعاملين في المنطقة الخضراء.
أيضا يجب العمل على تفعيل النشاط في القطاع الخاص، هذا القطاع الذي يعاني من الإهمال، بسبب ضعف التشريعات القانونية، وكذلك محاولة البعض فرض الأتاوات على من يريد العمل في هذا القطاع، لأن هناك فئة من الطفيليين الذين لديهم تعاملات مع دول الجوار لا يرغبون بأن ينهض هذا القطاع كونهم مستفيدين منه، لأنه يعمل في هذه الدولة أو تلك.
كذلك يجب العمل على تأهيل العدد الأكبر من المعامل والمصانع الحكومية والتي كانت تابعة للتصنيع العسكري، هذه المصانع تضم أكثر من 600 ألف عامل (مهندسين ومهنيين) ولو التفت الحكومة لهذا العدد من المصانع لكان المنتج العراقي يغطي السوق وبكفاءة لا تقل عن المنتج الأجنبي.