خالد الثرواني ||
ترتفع الأصوات وتتراكم الآراء كلما لاحت أزمة مالية على العراق بضرورة دعم الزراعة واحياء الصناعة وتنشيط السياحة، وكأن الداعين إلى ما سبق يريدون ان يمنحوا قبلة الحياة للاقتصاد العراقي المحتضر بيوم وليلة، ويضعون كل عوامل الزمن وتداخلات السياسة والطاقة والمياه، بملف الاقتصاد خلف ظهورهم!
فهل تكون الزراعة منقذا للموازنة العراقية الخاوية والاقتصاد الوطني غير المتوازن؟ لو نظرنا بعمق لكل المحددات التي تواجه التنمية الزراعية، نجد ان مساحة البلاد لا يمكن استزراع محاصيل استراتيجية فيها بالصورة التي تكفي احتياجات الشعب وتصدير الفائض ليكون رافدا اقتصادياً، فالعراق ليس روسيا او كندا او استراليا من حيث المساحة، لذا هو غير مستوفٍ لا أرضاً ولا مناخا لمحاصيل اقتصادية منعشة للخزينة. أما المحدد الآخر فهو المياه التي تشحُ صيفاً ولا تكفي حتى للشرب، بعد بناء تركيا العديد من السدود على نهري دجلة والفرات، ما أدى إلى قلة الواصل من المياه الى الاراضي الزراعية. كذلك لا تزال الزراعة في العراق تعتمد طرق بدائية ودخول التكنولوجيا الحديثة بطيئاً جداً ما ينتج قلّة في المحاصيل على حساب المساحة، وبالتالي لا يكفي المنتج للحاجة المحلية فضلا عن التصدير. وهناك محددات أخرى تجعل الاعتماد على الزراعة كجزء من الدخل القومي غير ممكناً نظرياً منها تكاليف الانتاج الزراعي، وسيطرة المافيات الاقتصادية وخصوبة الارض التي سادها التصحر والتصبخ وغيرها الكثير.
بالنسبة للجانب الصناعي نصطدم بمشاكل أكثر، فالبنية التحتية للصناعة العراقية لم يحدث أغلبها منذ سبعينات القرن الماضي وهي تعتمد على خطط حكومة عبد الكريم قاسم حتى الحرب الصدامية على ايران التي دمرت كل شيء، وعانت الآلات والمكائن من إندثار وتخريب وتعطيل خلال الفترة من 2003 وحتى الآن، بالاضافة إلى ذلك يعاني العراق من أزمة طاقة مستمرة منذ ثلاثة عقود، فالكهرباء المنتجة لا تكفي الاستعمال المنزلي فضلا عن الصناعي. كذلك لا تتوفر المواد الأولية اللازمة لبدء تحريك عجلة الانتاج ولا اليد العاملة القادرة على بدء الصناعة بالصورة التي يمكنها انقاذ البلاد بالسرعة التي يتصورها أصحاب الأمنيات، خصوصا في ظل تناسب صرفيات الانتاج مع اسعار المستورد.
وبتسائل آخر، ما الذي نصنعه، وما هو سعره، وما سعر المواد الأولية اللازمة لصناعته، وما تكلفة اليد العاملة عليه؟ مثلا صناعة كيلوغرام واحد من المعجون تحتاج ثمان كيلوات من الطماطم، بالاضافة إلى التغليف والصناعة والطاقة والعمال والنقل، فبكم تصل إلى المستهلك بالمقارنة مع نظيره المستورد الذي يصل إلى المواطن بألف دينار فقط!
أما الجانب السياحي فهو ضائع بين فنادق القطاع الخاص وبيروقراطية الدولة والفساد الحكومي والإرث التدميري الممنهج للنظام البعثي الساقط. فلا نجد موقعا أثريا إلا ووضع رأس النظام المقبور يده فيه وخربه وعبث بتاريخه، لذا هي غير مؤهلة بعد لاستثمارها، أما السياحة الدينية فهي لا يمكن الاعتماد عليها بالدرجة التي نتصور بسبب السياسات الادارية الخاطئة وموسمية نشاطها، فدخل الدولة منها يكاد ينعدم لأسباب منها نظام الضرائب الذي يشوبه الفساد في ظل سيطرة للقطاع الخاص خصوصا بجانبي النقل والفندقة. واقعا لا يمكن تطوير القطاعات المدرة للدخل القومي والرافدة للموازنة دون ايجاد هوية للنظام الاقتصادي في البلاد ووضع خطط ذات نظرية مستقبلية للتطوير والتنمية بعيدا عن النفط.
اللجوء إلى الاقتراض الخارجي او الضغط على رواتب الموظفين ما هو الا تفكير قاصر لأصحاب القرار، لان العراق يعاني من خلل في البناء كدولة ونظام اقتصادي وقصور بالتخطيط لسنوات طويلة اتضحت مشاكلها الآن، فتعيين مئات الآلاف سنويا انتج بطالة مقنعة وصار الموظف العراقي "يقدم (17) دقيقة من العمل الفعلي في اليوم"، بحسب مسؤول حكومي كبي. كذلك الفوارق المهولة في الرواتب والامتيازات وسوء التوزيع للثروة خصوصا فيما يخص حصة اقليم كردستان التي تستهلك ربع موازنة العراق دون تسليم فلسا واحدا للخزينة الاتحادية.
العراق مقبل على أيام عصيبة بعد هبوط اسعار النفط الذي يعتمد عليه بصورة شبه كاملة، وتفشي وباء كورونا والحروب السابقة، وهذا ينبغي ان يلفت نظر المسؤول العراقي إلى وضع الخطط والبرامج اللازمة للخروج من الأزمة بأقل الخسائر ورسم خارطة طريق مستقبلية للنهوض بالاقتصاد العراقي من خلال السيطرة على العملة وتداولها وتخفيض الوظائف الحكومية، وخصخصة القطاعات الخدمية والاتجاه إلى نظام اقتصادي بعيدا عن بيروقراطية الاشتراكية او ظلم الرأسمالية، أي بتفعيل القطاع المشترك وتكون للدولة سيطرة على المشاريع بنسبة النصف لغرض حفظ كرامة العاملين من الاستغلال.
كذلك من الحلول المطروحة والتي من الممكن ان تعود بالنفع على القطاع الصناعي هو تخفيض سعر العملة مقابل الدولار وايقاف مزاد بيع الدولار لما فيه من تهريب للعملة الصعبة وغسيل أموال ضخم تمارس بعض الجهات السياسية باستيرادات لا حاجة لها. فيما ينبغي ان تقوم هيئة النزاهة بالاشتراك مع ديوان الرقابة المالية ووزارة الخارجية بملاحقة الفاسدين في الخارج ومصادرة أموالهم في الخارج فضلا عن وضع اليد عليها في الداخل.
اذا أردت أن تبني دولة يا سيادة المسؤول "لا تكن لينا فتعصر ولا يابسا فتكسر". ففي ظل هذه الأزمة البلاد بحاجة إلى قرارات جريئة تنقذ المواطن الفقير من رحى الجوع.
فتطهير المنافذ الحدودية والجمركية والموانئ من مافيات الفساد وسيطرة اللجان الاقتصادية، خصوصا وإن "تسعين في المئة من عائدات الجمارك العراقية تذهب إلى الفاسدين بدلاً من الوصول إلى خزائن الدولة"، بحسب تصريح لعضو في اللجنة المالية النيابية، وكذلك شركات الاتصالات والانترنت التي تدر المليارات بعيدا عن الرقابة الحكومية الضريبية. هنا نجد ان الحكومات يمكنها ايجاد الحلول بعيداً عن الضغط على المواطن وقوته.
https://telegram.me/buratha