بهاء الخزعلي||
من الواضح للمراقبين أن صندوق النقد الدولي هو مؤسسة ربحية وليست خيرية، وتعتمد تلك المؤسسة على نسبة الرسوم المستقطعة من الدول المقترضه لضمان دخلها، ويعتمد صندوق النقد الدولي على ثلاثة محاور أساسية في برنامجه للتثبيت الأقتصادي وهي...
* تخفيض العجز في ميزان المدفوعات من خلال تخفيض قيمة العملة المحلية للدول المقترضة وإلغاء الرقابة على سعر الصرف الأجنبي.
* مكافحة التضخم من خلال رفع سعر الفائدة من خلال زيادة الضرائب.
* تشجيع الأستثمار الخاص بمنح مزايا ضريبية لرأس المال الأجنبي وتشجيع آليات الخصخصة.
وأمتثالا لشروط صندوق النقد الدولي تتخذ الدول المقترضة عدت أجرائات أجبارية منها...
* تعويم العملة المحلية أمام الدولار.
*تقليص الدعم على المواد البترولية.
*رفع أسعار الكهرباء وماء الشرب.
*العمل على تقليل عدد الموظفين في القطاع العام.
وكثيرة هي الأمثلة على ما آلت اليه الدول التي ذهبت للأقتراض من صندوق النهب الدولي، مثل البرازيل التي أقترضت في بداية الثمانينيات وسرحت ملايين العمال، وأستمرت أزمتها ١٢ عام حتى تمكنت من سداد ديونها، وكذلك اليونان التي بعدما غادرت عملتها (الدراخما) وذهبت الى منطقة اليورو، عندما مرت بأزمة أقتصادية أصبح اليورو عبئا عليها وتسبب لها بغلق الكثير من المصانع.
لكن ما يثير أهتمامنا بسياسات صندوق النقد الدولي، هو توجه حكومة الكاظمي للأقتراض الغير مبرر بمبالغ عالية من ذلك الصندوق أسوة بالسيسي، وكمقارنة بين مصر والعراق يتضح لنا جليا التشابه بالسياسات والآليات بالأقتراض والمشاريع....
بعد زيارة الكاظمي لواشنطن ومن ثم عقد القمة الثلاثية ما بين مصر والعراق والأردن، عاد الكاظمي بمشاريع جديدة تفلس الخزانة العراقية، وأنا حقيقة لا أعرف لماذا تسمى قمة بين ثلاثة بلدان تخبطاتها السياسية سمتها الأبرز..!
فريدرك ديكنتال رئيس تحرير مجلة وورلد بوليتكس يقول (السيسي على خطى مبارك وهو مهووس بالمشاريع الإنشائية الفاشلة، التي يصفق لها صندوق النقد الدولي) ....
وما بين السيسي والكاظمي خطوات متشابهة....
* حيث يتغنى السيسي بمشروع أكبر شبكة أنفاق في العالم أو أكبر مسجد في العالم، في حين هذه المشاريع هي ليست أنتاجية ما هي نسبة عائداتها المالية الربحية لمصر، في حين يتغنى الكاظمي بإعادة إعمار مطار الموصل ومترو بغداد، وأنا شخصيا أرى أن مشروع مطار الموصل لن يتم على المدى القريب لأن ذلك سيؤثر على مطار أربيل وذلك ما لا يسمح به الكاظمي، لذلك لجأ الى الشركات الفرنسية الأقل جودة وغادر فكرة الشركات التركية الأكثر جودة في ذلك المجال.
*تعويم العملة في مصر حيث أصبح سعر الصرف للدولار 16جنيه مصري بعدما كان 8 جنيهات أي أنخفاظ الجنيه امام الدولار بنسبة 100% ، كذلك سعر الصرف للدولار في العراق أصبح 1450 دينار للدولار الواحد.
*أرتفاع تكاليف المعيشة في مصر الى 30% ، كذلك أرتفاع تكاليف المعيشة في العراق بنسبة 20% .
*وصول نسبة الفقر في مصر الى 35% اي 20 مليون مصري تحت خط الفقر، كذلك نرى في العراق نسبة الفقر بتزايد نسبي.
*الاجرائات التقشفية بخفض الأجور وخفض دعم الطاقة وخفض سلع التموين وزيادة الضرائب في مصر، يقابلها زيادة الضرائب وخفض الأجور بل وشبه إلغاء للبطاقة التموينية في العراق.
بذلك يتضح لنا جليا كيف سيثقل كاهل المواطن العراقي بسبب القروض الغير مبررة، نأخذ بعين الأعتبار أمور عدة منها...
* عندما تقلل مصر سعر الصرف للدولار فهي بلد لديها أنتاج وتصدير وسياحة في حين العراق عندما يرفع سعر الصرف للدولار، فهو بلد مستورد أكثر منه مصدر وفي مجال السياحة تستفيد حكومة الأقليم من ذلك، فالوسط والجنوب تقتصر السياحة فيها على المناسبات الدينية المحددة، ناهيك عن أمتناع حكومة الأقليم عن الوفاء بألتزاماتها بأتجاه الحكومة المركزية.
* ان زيادة الضرائب لا يقابلها بالمقابل زيادة في دخل الفرد مما يؤدي إلى غلاء المعيشة للمواطن وما كان يصرفه في شهر قد يصرفه في 15 يوما فقط.
* تقليص الدعم للمواد البترولية كيف يتعايش العراق مع ذلك ونحن بلد ريعي يعتمد على صادرات النفط بشكل أساسي في أقتصاده.
* خفض دعم الطاقة ورفع أسعار الكهرباء، وهذا بحد ذاته سيدخلنا بدوامة كبيرة حيث أن الدولة الى الان لم توفر محطات كهرباء تزود بها الكهرباء للمواطن بصورة كاملة، بل تعتمد سياسة المولدات الحكومية والغير حكومية مع عدم تحديد سعر الأمبير بشكل رسمي، مما جعلها مصدر نهب جديد لراتب المواطن حيث يعتمد العراقيين بنسبة 75% على المولدات للحصول على الكهرباء، وبزيادة أسعار الكهرباء الوطنية وزيادة سعر الوقود للمولدات الذي سيؤدي الى زيادة سعر الأمبير للمولد، أصبح على المواطن أن يدفع ضريبتين للحصول على الكهرباء واحدة للحكومة و واحدة لصاحب المولدة.
وبما أن الوصفات التي يقدمها صندوق النقد الدولي للدول المقترضة لا تخضع لتحليل الحساسية (sensitivity analysis) أي أن مثلا رفع الضرائب على سبيل المثال لأي حد قد يعطي النتيجة العكسية، للتوضيح لو رفع البلد المقترض سعر تذاكر الطيران الى 50% قد يلجأ المواطن الى الذهاب في الباص ،مما يؤدي إلى فشل ذلك المشروع الذي قدمه صندوق النقد الدولي للدولة المقترضة، أذن الرهان على أمكانية سداد الديون سيكون غير مضمون، وبالتالي يجب على الدولة المقترضة هي من تقدم مشروع الإصلاح الأقتصادي لصندوق النقد الدولي، والأخير يدرس المشروع ويعطي الملاحظات.
لأن فشل دولة مثل العراق بسداد الديون مع نظام المحاصصة المقيتة، قد ينزلق بنا الوضع الى أنقسام لأقاليم بدافع أقتصادي وليس عرقي، وقد يؤدي ذلك لاحقا ألى أندلاع حرب داخلية و أقتتال من أجل الموارد، وقد يؤدي ذلك الأنقسام الى أتخاذ قرارات أحادية الجانب، ونرى جزءا من العراق يذهب للتطبيع تباعا لدول الخليج أو خضوعا للأرادة الأميركية، ومن سيسي مصر قد نجد خمسة سيسي في العراق.
https://telegram.me/buratha