عبدالزهرة محمد الهنداوي ||
النفط، سلعة معرضة للكساد في اي لحظة، بلحاظ ماشهدته السوق العالمية، من انهيارات سعرية شديدة، خلال فترات، غير متباعدة، في عام ٢٠٠٨ و ٢٠١٤، و ٢٠٢٠، كما انه قابل للنضوب، او الاستغناء عنه عندما يكتشف العالم مصادر للطاقة، اقل كلفة واكثر كفاءة، وقد بدأت مثل هذه البوادر تلوح في الافق بقوة، وفي ظل هذه التداعيات النفطية، تبدو حياة الاجيال القادمة في البلدان النفطية، مهددة بالخطر ، لان الاجيال الحالية ستقضم جميع الثروات المتاحة، فوق الارض وما تحتها، ومن هنا تأتي اهمية ووجوب وضع ضوابط تضمن حقوق اللاحقين، وهذا الامر يقع على عاتق الحكومات الحالية، والتي قبلها ومن يأتي بعدها، وعلى هذا الاساس جاءت فكرة انشاء صندوق الاجيال في العراق، صحيح، ان الخطوة جاءت متأخرة جدا، اذ كان من المفترض ان يؤسس مثل هذا الصندوق منذ السنوات الاولى لظهور النفط، ولكن ان تأتي متأخرا، خير من ان لا تأتي ابدا، بعد ان سبقتنا الكثير من البلدان في تأسيس صناديق سيادية فاعلة، من بينها الكويت التي تعد اول دولة في العالم في هذا المجال، وهناك الامارات والسعودية وقطر، ودول اخرى كثيرة، وتشير التقديرات الى ان حجم الاموال المستثمرة في الصناديق السيادية الموجودة حول العالم تصل الى (٣) ترليونات دولار، معضمها من فوائض النفط.
لذلك اعتقد ان العقود الثلاثة المقبلة المتبقية من عمر النفط، كسادا او نضوبا، قد تكون مناسبة، لتمويل صندوق الاجيال الذي اعلنت عنه الحكومة مؤخرا، من خلال ما يتوفر من فوائض مالية، بالاستفادة من الفارق السعري بين الموازنة، وسعر البيع الحقيقي، شريطة ان يتم تقليص حجم العجز المالي في الموازنة الى ادنى مستوياته، والا في حال بقاء العجز بهذا المستوى فان الحديث عن تمويل الصندوق يبقى عبارة عن حلم، وتقليص العجز ، مرتبط هو الاخر، بوجوب خفض سقوف النفقات التشغيلية والاستهلاكية الهائلة التي تستحوذ على ثلاثة ارباع الانفاق العام للدولة، وفي حال عدم القدرة على تقليص حجم الانفاق التشغيلي، بسبب التضخم الهائل في الجسد الوظيفي للدولة، ووجود ابواب واسعة لايمكن ايقاف الصرف فيها، فان الامر يتطلب اللجوء الى تفعيل قطاعات تنموية اخرى بهدف تقليل الاعتماد على النفط، وبالتالي امكانية، تحويل جزء من الايرادات النفطية الى صندوق الاجيال، الذي يجب ان يكون له دور فاعل في العملية التنموية، عبر مساهمته القوية، في الاستثمار بمختلف المجالات، وهنا سنحقق امرين اثنين، الاول تحقيق التنمية المنشودة، وما يرتبط بها من تحسين مستوى حياة الاجيال الحالية، وتوفير فرص العمل، والامر الثاني، تعظيم ايرادات الصندوق، لضمان حقوق الاجيال القادمة، وبهذا تتحقق العدالة الاجتماعية، ومثل هذه التوجهات من الاهمية بمكان ان يتضمنها قانون انشاء صندوق الاجيال، مع التأكيد على شفافية عمل الصندوق، ومعرفة مآلات ومسارات، مدخلاته ومخرجاته.
(زرعوا فأكلنا، ونزرع ليأكلون)..
ــــــ
https://telegram.me/buratha