عبدالزهرة محمد الهنداوي ||
تشهد الساحة العراقية، اليوم، جدلا واسعا، بشأن الشركات العامة، المملوكة للدولة، وقد انقسم المتجادلون الى فريقين، الاول يتبنى موقف خصخصة وتصفية هذه الشركات، والفريق الاخر، يرفض ذلك، ويدعو الى تأهيلها، واعادة نشاطها.
ولكلا الفريقين، اسبابه ومبرراته، وقد تميل الكفة الى صالح الطرف الاول الذي ينادي بالخصخصة، ويبدو ان معطيات الواقع بدأت هي الاخرى تسير بهذا الاتجاه، فقد نشأت الشركات العامة، في ظل ظروف، مختلفة تماما عن الظروف الراهنة، فبداية نشأتها كانت في ظل اقتصاد اشتراكي، ريعي، تتولى فيه الحكومة، توفير كل شيء من الابرة الى القاطرة، ويوم ذاك لم يكن مبدأ المنافسة معروفا في العراق، لا سيما في اعقاب حركات التأميم، وهيمنة القطاع العام على جميع المفاصل، ولذلك فان مَن يتحدث عن ان الشركات العامة بكونها كانت رابحة، فان ذلك قد يبدو صحيحا في ظل غياب المنافس، اذ لم يكن امام المستهلك، اي خيارات متاحة، فهو مضطر لاقتناء منتج هذه الشركات، سواء أكان هذا المنتج محليا او "مستوردا"، وعندما اضع "مستوردا" بين قوسين، فأنني اعني ان الكثير من الشركات كانت تقوم باستيراد المنتجات الصناعية، وتبيعها للمستهلكين، وفق اليات معروفة، مثل المواد الانشائية والسيارات وغيرها، اما قضية الربح والخسارة فلم تكن ضمن اولويات تلك الشركات، على الرغم من ان قانون الشركات العامة رقم ٢٢ لسنة ١٩٩٧، اشار في احدى فقراته، الى انه في حال خسارة الشركة نسبة ٥٠٪ من رأسمالها الاساس، فإن للوزارة المعنية النظر في امر هذه الشركة، اما ان تغلقها او تستمر في حال وجود معطيات تشير الى انها قادرة على تعويض هذه الخسائر.
اما الان فالامر لم يعد كما كان، وبدأت الشركات العامة تشكل عبئا على الاقتصاد، لانها غير قادرة على المنافسة، وبدلا من ان تحقق الشركات العامة ارباحا تسد متطلباتها كرواتب ونفقات تشغيلية وحوافز وارباح، ورفد الموازنة العامة بنسبة من تلك الارباح، اصبحت الحكومة مضطرة للاقتراض من خزينة الدولة لسد نفقات الشركات العامة، وهي ليست
مضطرة للاستمرار في سياسة الاقتراض هذه التي ترهق الموازنة، وليس من مهام الحكومة ان تبقى تتولى كل شيء، في الوقت الذي ينادي الجميع بدعم وتطوير القطاع الخاص، ومنحه المساحة الكاملة لتحقيق الشراكة مع نظيره القطاع العام.
وعلى هذا الاساس، فإننا بحاجة ماسة الى وقفة جادة وحقيقية لاعادة دراسة واقع الشركات العامة، ووضع حلول ومعالجات مناسبة، تأخذ بنظر الاهتمام، اعتبارات عدة، اهمها كيفية التعامل مع العاملين في هذه الشركات وهم يشكلون اعدادا ليست قليلة، فهؤلاء يحتاجون الى ضمان حقوقهم الحالية والمستقبلية، والامر الاخر، يرتبط بالاصول الكبيرة التي تمتلكها الشركات العامة، واليات معالجتها، بنحو يضمن عدم تكبّد اي خسائر، ومحاولة تحويلها الى قيمة اقتصادية مضاف