نعيم الهاشمي الخفاجي ||
بغض النظر عن ارتفاع الأسعار الحالي في أسعار البترول والغاز بسبب الأزمة الأوكرانية، أن ارتفاع الأسعار مرحلي، بل الحقيقة الملموسة على أرض الواقع بأن البترول والغاز باتا في القريب العاجل يصبحان خارج المعادلة السياسية الدولية، في ظل تسارع دول العالم الكبرى في عدد النفوس مثل الصين والهند واللذان يشكلان أكبر مستهلك للبترول العربي والشرق أوسطي نحو استخدام الطاقة المستدامة، مضاف لذلك دول أوروبا اتجهت اتجاه متسارع نحو الطاقة البديلة، عندنا على سبيل المثال في الدنمارك أصبحت إضاءة الشوارع العامة ومداخل العمارات السكنية تعتمد على الطاقة الشمسية، رغم عدم وجود شمس حارقة مثل شمس الشرق الاوسط، لكن عقليات علماء الغرب اعتمدت على الضوء فقط.
مخاطر الحرب في أوكرانيا مبالغ بها وهي تصب في مجال محاصرة روسيا والضغط عليها لعدم عودة روسيا كقطب عالمي مؤثر تقاسم الغرب بقيادة العالم.
التصعيد السياسي والعسكري والاقتصادي بين الغرب وروسيا مفتعل، والقول أن موسكو اختارت للأزمة فصل الشتاء لتفعيل سلاح الغاز، للضغط على الأوروبيين بعدم التدخل، كلام غير صحيح ودقيق، الروس قبل غيرهم يعلمون علم اليقين أن البترول وصل إلى نهايته في استخدامه كمصدر أول للطاقة بعد الاكتشاف العلمي التكنولوجي في استخدام الطاقة الشمسية، شيء طبيعي اذا تقع حرب بالوقت الحالي وهو مستبعد فشيء طبيعي توقف روسيا صادراتها الغازية إلى القارة الأوروبية التي لازالت اليوم تعتمد على الغاز الروسي، لكن بالمستقبل القريب، في السنوات القريبة القادمة، يتم إكمال نصب محطات توليد الكهرباء على الطاقة الشمسية في كل القارة الأوروبية، عندها يصبح البترول والغاز خارج التأثير، رغم ان الغاز والبترول يبقون كمصادر للطاقة مثل بقاء الفحم الحجري والذي كان المصدر الأول للطاقة بالعالم قبل اكتشاف البترول.
الولايات المتحدة الأمريكية أكثر الدول التي استفادت من زيادة ارتفاع اسعار البترول والغاز بعد اكتفاء حاجتها من الطاقة، وأصبحت تصدر يوميا ١٣ مليون برميل، لذلك لم تعد أمريكا ترى أهمية لبترول الخليج والشرق الاوسط، ربما تكون هناك بواخر نفط تأخذ بترول سعودي إلى أمريكا لكن شحنات البترول تذهب بشكل مجاني إلى شركات ترامب وغيره من ساسة أمريكا رغم أنف أنظمة الخليج.
رغم سقوط السوفيت وصاحبه انخفاض مستوى توترات بعد الحرب الباردة، لكن في الحقيقة الصراع الغربي مع روسيا والصين باقي، صراع وجود في تقاسم العالم، أزمة أوكرانيا الغاية الضغط على روسيا، الإعلام العربي الخليجي البدوي لازال يعتقد أن البترول والغاز مهم، دول الخليج يستطيعون إمداد أوروبا بالغاز ……...الخ.
بعد فرض أوروبا عقوبات اقتصادية على روسيا عام ٢٠١٤ هذه العقوبات شملت عدم تصدير منتجات زراعية والبيض ولحوم الدجاج، الرد الروسي بوتين اجتمع مع الحكومة ودعم الصناعات الزراعية وأصبحت روسيا مكتفية من إنتاج البيض ولحوم الدجاج وأصبحت مصدرة للعالم، العقوبات الغربية ضد روسيا والصين جعلت روسيا والصين يتعاونون في المجال الاقتصادي، ووقعت اتفاقيات صينية روسية بعد زيارة بوتين الى الصين الأخيرة في تزويد الصين بالبترول والغاز الروسي، أكبر الخاسرين هم العرب، خسروا الصين التي كانت تستورد تسعين بالمائة من بترول الخليج ودول الشرق الأوسط.
الإعلام البدوي الخليجي يقول أوروبا بدون تأمين بدائل للغاز الروسي، ستصمت في حال غزت موسكو أوكرانيا، والحقيقة حتى لو كانت هناك بدائل للغاز الروسي لدى الأوروبيين ايضا يصمتون في حال غزت روسيا أوكرانيا لأنهم لا يدخلون حرب عالمية ثالثة ووجود سلاح نووي، هؤلاء ليسوا حمقى ومتهورين مثل صدام الجرذ أو معمر القذافي.
نعم كان البترول مهم في حرب عام 1973 عندما استخدم سلاحاً، في الواقع، سلاح البترول لم يكن واقعي في الحرب مع إسرائيل، لأن أنظمة الخليج نصبها الاستعمار وتربطهم علاقات مع إسرائيل، لكن استخدام سلاح البترول كان الغاية منه إعلاميا فقط، والنتيجة الحرب تم ايقافها سريعا.
صراع أمريكا مع روسيا حول حرمان روسيا من بيع البترول والغاز إلى أوروبا لسيت جديدة، المخابرات الأميركية سبق أن نشرت دراسة تحذر منه في عام 1981 عنوانها «الاتحاد السوفياتي وأوروبا الغربية: تبعات خط الغاز من سيبيريا إلى أوروبا».
سبق إلى ترامب طلب من المستشارة الألمانية أنجيلا في شراء البترول والغاز الأمريكي عوضا عن الغاز والبترول الروسي، من مصلحة أمريكا حرمان روسيا من بيع الغاز والبترول إلى أوروبا، من باب حرمان روسيا من مصدر اقتصادي مهم.
قلصت روسيا إمداداتها من الغاز إلى أوروبا ما أدى إلى رفع الأسعار بشكل جنوني من 300 إلى 800 دولار لكل ألف متر مكعب، شيء طبيعي لازالت أوروبا تستخدم الغاز بمجال الطاقة اكيد الروس يضغطون في عدم تصدير الغاز أو تقليل الكميات المصدرة، في الوقت الحالي ليس بمقدور الدول الصناعية، مثل ألمانيا، عدم استخدام الوقود البترول والغاز
والاعتماد بشكل كامل المصادر البديلة، مثل الشمس والرياح لا تستطيع سد النقص بالوقت الحاضر، الكهرباء تحتاج إلى الغاز، لكن في السنوات العشر القادمة اكيد دول أوروبا تكون قد تحولت على الاعتماد على الطاقة المستدامة ويصبح الغاز والبترول لا قيمة له.
الرئيس فلاديمير بوتين فإن عدم ضم أوكرانيا الى الناتو هدف استراتيجي لبلاده في ابعاد الناتو من حدوده أهم من الغاز وخط نورد ستريم 2 وخاصة بعد أن كسب سوق الصين والهند والبالغ نفوس الصين والهند أكثر من مليارين انسان، خط الغاز الروسي الى أوروبا عرضة للخطط الأمريكية في إغلاقه، رغم ان العالم يعيش الفترة القليلة الباقية الزمنية من استخدام الغاز والبترول في الطاقة، العالم اتجه نحو استخدام الطاقة المستدامة الرخيصة الثمن وصديقة البيئة، الأحداث الأخيرة رفعت اسعار البترول والغاز في العالم، رفع الأسعار البترول والغاز لاتعني ان أهمية الطاقة قد عادت إلى الواجهة في العالم، الارتفاع الحاصل شيء طبيعي بظل عدم اكتمال نصب المحطات للطاقة المستدامة لكن خلال العشر سنوات القادمة بالتأكيد تصبح أهمية البترول والغاز شبه منتهية بظل إكمال نصب محطات توليد الطاقة المستدامة في دول اوروبا، لربما اهل منطقة الخليج اصابتهم النشوة بسبب ارتفاع اسعارالبترول، هذا الارتفاع وقتي، انتفت أهمية بترول الخليجوالشرق الأوسط عموماً، والتي كانت سابقا تعتبر الخزان الأكبر للطاقة، كانت دول الخليج والعراق وإيران والجزائر وليبيا يمثلون أكثر من تسعين بالمائة من طاقة العالم في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وللأسف لعبت دول الخليج بتلك الحقبة دور قذر في اغراق الأسواق العالمية للبترول لأجل خفض سعر البترول، لكن بعد اكتشاف البترول والغاز في أمريكا وأصبحت أمريكا تصدر يوميا ١٣ مليون برميل، حاولت السعودية تخفيض اسعار البترول في حكومة عادل عبدالمهدي ضد العراق وإيران وروسيا تضررت شركات إنتاج النفط الأمريكي لذلك اتصل ترامب في ولي العهد السعودي بن سلمان وأمره في عدم اغراق الأسواق العالمية في البترول لأنها تسببت في إفلاس وخسارة كبيرة للشركات النفطية الامريكية، دول الخليج وإيران والعراق والجزائر وليبيا يبيعون أكثر من تسعين بالمائة من بترولهم إلى الصين والهند، والصين والهند اتجهوا نحو روسيا وإيران، السنوات القادمة تكون كارثية على دول الخليج بظل انتهاء أهمية البترول، ودخول الطاقة البديلة، لذلك أحداث أوكرانيا وقتية والارتفاع الحاصل في اسعار البترول والغاز أزمة وقتية، وبظل دخول الطاقة المستدامة لإنتاج الطاقة بالعالم، خلال العشر سنوات القادمة يصبح وجود للبترول مثل وجود الفحم الذي كان مصدر اول لإنتاج الطاقة قبل اكتشاف البترول، لذلك الارتفاع الحالي بالأسعار لايجعل دول الخليج التي تمتلك احتياطي بترولي كبير أن تكون محطة النزاع المقبلة بين الدول الكبرى على الجغرافيا والموارد بظل توجه العالم نحو الطاقة الشمسية المستدامة.
نعيم عاتي الهاشمي الخفاجي
كاتب وصحفي عراقي مستقل.
16/2/2022