مانع الزاملي ||
على الرغم من حصول الاستقلال السياسي للدول النامية بعدالحرب العالمية الثانية ، الا انها لازالت تعاني من التبعية الاقتصادية بمختلف مظاهرها ، حيث لاتزال تلجأ الى الدول المتقدمة في تلبية احتياجاتها، ويمكن القول ان التبعية الاقتصادية لم تكن وليدة الصدفة، بل هنالك عوامل ساهمت في ايجادها من الطرفين (الدول المتقدمة- الدول النامية) ، وبما ان الدول النامية كانت تحت السيطرة من قبل الدول الاستعمارية المتقدمة وهناك ترابط وثيق بين النظام السياسي والاقتصادي ، لذا لايمكن تبرئة الدول المتقدمة من مساهمتها في ايجاد التبعية الاقتصادية، واما الطرف الثاني والذي هو الدول النامية لم تعمل بالشكل الذي يضمن لها الانعتاق من التخلف والتبعية الاقتصادية للدول الاستعمارية المتقدمة ، حيث يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي ( ما استعمروك الا وجدوك قابلا للاستعمار ) وهذا يعني ان الدول النامية كانت بيئة طيعة وسهلة ويمكن السيطرة عليها والتحكم بمواردها من خلال حكام عملاء او متواطئون وتبقى التبعية حتى بعد الاستقلال السياسي احيانا ،
فالدول النامية تخصصت في انتاج المواد الاولية وتصديرها للدول المتقدمة وبأسعار منخفضة وتستورد بدلها سلعا ومنتجات بأسعار عالية الكلفة ،مما يتسبب في استنزاف الموارد الطبيعية واستمرار حالة التخلف واحيانا المديونية لتلك الدول !
ولهذه المسألة جذور تاريخية وتحديدا بعد الثورة الصناعية التي وفرت انتاجيات صناعية فاقت قدرتها الاستيعابية مما جعلها تفكر بالبحث عن سوق تصريف منتجاتها ومن هنا نشأت الفكرة لغزو البلدان واستعمارها مقابل ان تستفيد من المواد الاولية الموجودة في تلك الدول،وابقائها كمصدر رخيص للمواد الاولية ،وايضا سوق للمنتجات المصنعه ،وحتى المنتجات الزراعية التي توفرت في البلدان النامية فقدت اهميتها في التجارة الدولية بحكم التطور التقني الباحث عن البدائل المنافسة لها ، فالتطور التقني واستمراره ساهم في زيادة وتعميق التبعية مادام التخلف في البلدان النامية لم تتم معالجته واقتلاعه من جذوره .
ومادامت الدول النامية احادية الانتاج والمورد فهي ستبقى تابعة للدول المتطورة وبالتالي لايتحقق الاستقلال السياسي قطعا ، وان حصل سيكون فارغ المحتوى !
اذ لايمكن تحقيق الاستقلال الاقتصادي للدول النامية التي تستورد البضائع الاستهلاكية وغيرها ، واذا شاءالاجنبي الضغط على هذه الدول قام بقطع وعدم اعطاء قطع الغيار التي تساهم في التطور الصناعي ،عندها كما حاصل الان في العراق وفي كثير من دول المنطقة ، اذن الاعتماد على التمويل الخارجي في تلبية احتياجات الاقتصاد الاحادي ستزيد من الاثار السلبية ويتبقى تابعة في قراراتها السياسية وفق مقدار حاجتها التي تؤدي للمراوحة وعدم النمو.
وهذا يجعلني افسر الاصرار الامريكي في عدم تعامل العراق مع الصين او غيرها من الدول الصناعية المتطورة هو نهج احتكاري ظالم فرضته حالة التبعية السياسية التي حصلت بعد انهيار النظام السابق ، فلايمكن تصور استقلال سياسي وقرار مصيري يتخذ بوجود استعمار اقتصادي مدعوما بالقوة العسكرية الموجودة رغم الادعاء بمغادرتها البلد ، وما تحركات السفيرة الامريكية الاخيرة في بغداد وزيارتها لرئيس مجلس الوزراء مرتين خلال اسبوع وقبل سفره للعربية السعودية لحضور مؤتمر الصين مع قادة الدول العربية خير شاهد على تلكؤ القرار السياسي العراقي في اتخاذ موقف حاسم وخلفه تظاهرات مصطنعة لعرقلة الاتفاقيات ان كانت هنالك اتفاقيات محتملة ومن خلال التظاهر الخشن والحرق والاعتداء على القوات الامنية في ذي قار رسائل تشعر المستثمرين ان البلاد غير آمنة وحكومة في طريقها لمصير مشابه لمصير حكومة السيد عبدالمهدي ، مالم تتخذ الحكومة الاجراءات القوية لدحر الانفلات الامني الذي يلقي بظلاله على الاستقرار السياسي والاقتصادي تباعا .
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha