ضياء المحسن ||
باحث في الشأن المالي والإقتصادي
تعد عمليات الإستيراد واحدة من الوسائل المهمة في الاقتصاد الوطني، كونها عملية تقوم بتأمين إحتياجات الاقتصاد نتيجة عدم قدرة الإنتاج المحلي على تغطية كامل تلك الإحتياجات، وهي عمليات تستنزف قدراً من الإحتياطيات الأجنبية كلاً بقدر، بحسب ضخامة أو ضآلة هذه الإستيرادات والمناشئ التي يتم الإستيراد منها.
لكن في جميع النظم الاقتصادية فإن هذه العمليات محكومة بأنظمة وقوانين تحكمها المصارف المركزية في هذه البلدان، من حيث عمليات التحويل المالي وتعهد الجهة التي تُصدر السلع بوصولها في وقتها المحدد لمنع عمليات التلاعب بالأسواق المحلية وإحتكار المواد من قبل ذوي النفوس الضعيفة.
يتم تنظيم هذه العمليات المالية من قبل دائرة متخصصة، تتعامل مع مصارف خارجية، يُطلق عليها (البنوك المراسلة) مهمتها إدارة عمليات التحويل المالي بعد تلقيها إشعار من المستورد بأنه استلم بضاعته، وكان البنك المركزي العراقي يتولى هذه المهمة من خلال دائرة التحويل الخارجي قبل عام 2003، لكن هذه المهمة انتقلت الى المصارف التجارية الخاصة بعد عام 2003 على أمل أن تقوم بمراعاة متطلبات الاقتصاد العراقي ومصلحته في ذات الوقت، لكن الذي حصل عكس ذلك تماماً، حيث العشوائية في الإستيرادات، والمبالغة في التحويلات المالية، بحيث باتت أغلب تلك التحويلات عبارة عن عمليات تهريب للعملة الأجنبية وغسيل أموال للفاسدين والسُراق.
الملاحظة الغريبة بالنسبة لكثير من المختصين هي إغراق السوق المحلية بكثير من البضائع من مناشئ غير رصينة، بالإضافة الى المغالاة في أسعار هذه السلع عند تقديم الكشوفات الخاصة بتلك البضائع الى المصارف التجارية لتغطية تلك المشتريات بالعملة الأجنبية وتسوية تلك المشتريات، بما يمنح الفرصة للمتصيدين في الماء العكر لإستغلال هذا الموضوع وتوظيفه لتهريب الأموال خارج البلد وتبييض الأموال لكثير من الفاسدين، هذا عدا عن كون هذه السلع لا تضيف شيئاً الى عملية التنمية كونها سلع إستهلاكية هذا من جهة، ومن جهة أخرى فهي تؤثر تأثيراً كبيراً على الصناعات المحلية، بسبب الإعفاءات الضريبية لهذه السلع وبالتالي فهي رخيصة الثمن قياساً الى السلع العراقية التي تخضع المواد الأولية الداخلة في إنتاجها لضوابط معقدة فيما يتعلق بالضريبة، الأغرب من هذا فإننا لاحظنا أن بعض الإستيرادات كمياتها لا تتوافق مع متطلبات السوق، فهذه الكميات تحتاج الى عقود ليتم إستهلاكها في بلد مثل العراق.
مما تقدم فإن تنظيم عمليات الإستيراد التي تستنزف الإحتياطيات النقدية، والتي لا تقدم أية إضافة لعملية التنمية الاقتصادية أصبح ضرورة ملحة في هذا الوقت، خاصة مع وجود برنامج حكومي يؤكد على تنشيط الاقتصاد الوطني من خلال تفعيل القطاعات الاقتصادية المنتجة، والتي جرى إهمالها طيلة الأعوام الماضية، لغرض توفير سلع ومنتجات محلية الصنع، بالإضافة الى إيقاف الهدر الكبير في الإحتياطيات النقدية والتي من الممكن توظيفها في مجالات إستثمارية أخرى تعيد النشاط لمصانع متوقفة عن العمل.
ــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha