إنتصار حميد ||
نتناول هنا جملة من المفاهيم الخاطئة المنتشرة حول مفهوم الشراكة بين القطاعين العام و الخاص، ، والتي تؤثّر بشكلٍ أو بآخر سلبًا على اعتمادها من قبل الحكومات حول العالم.
أ - تمويل المشروع من قبل الدولة هو أقل كلفة:
هذا أمر غير صحيح، إذ إنّ كلفة المشروع هي نفسها في كل الحالات، آخذين بعين الاعتبار المخاطر والكلفة الإضافية التي سيتحمّلها القطاع العام نتيجة زيادة حجم الديون السيادية، بالإضافة إلى منافسة القطاع العام للقطاع الخاص على الطلب على موضوع القروض.
ب- الشراكة ستؤدي إلى فقدان وظائف موظفي القطاع العام:
إنّ هذا المفهوم خاطئ أيضًا، إذ إنّ القطاع العام سيبقى له حق تقديم الخدمات، وبالتالي هناك إمكانية استحداث وظائف جديدة بفعل بناء إنشاءات جديدة.
ج - الشراكة هي خصخصة مقنّعة:
في الخصخصة يُعطى القطاع الخاص الحرية في وضع مواصفات الإنتاج وكذلك الأسعار، بينما في عقود الشراكة تحدّد المواصفات و الأسعار مسبقًا ضمن استدراج العروض. كذلك تبقى في الشراكة مسؤولية تقديم الخدمة على عاتق القطاع العام بعكس الخصخصة.
د - الشريك الخاص يبغي تحقيق الأرباح على حساب الدولة:
إنّ مفهوم الشراكة الناجحة يقضي باستفادة الأطراف المتشاركة، ممّا يتيح للقطاع الخاص تحقيق العائد المطلوب الناتج عن مشاركته و يتيح أيضًا للقطاع العام في حال نجاح الشراكة، تحقيق أعلى إفادة ممكنة.
ه - الشراكة هي الملكية المختلطة لشركة المشروع:
إنّ القطاع الخاص يؤسس شركة المشروع ويموّله ويديره ويملكه للفترة المتعاقد عليها فقط. إذا أراد القطاع العام الإسهام في التمويل، تكون له حصّة في الشركة وتكون عندها شركة المشروع شركة مختلطة.
و - الدولة تفقد السيطرة على الكلفة والجودة:
إنّ مسؤولية القطاع العام في عقود الشراكة هي تقديم الخدمة، وهو بالتالي يضع مواصفات الإنتاج التي على أساسها يتمّ اختيار الشريك.
يتّضح مما سبق أنّه لتحقيق الشراكات الناجحة مع القطاع الخاص في مجال البنية الأساسية، لا بدّ وأن يتمّ ذلك مرحليًا وبعد دراسة واعية للأهداف المطلوب تحقيقها من خلال هذه الشراكة.
نقترح في ختام هذا المقال جملة من التوصيات التي من شأنها أن تسهم في إنجاح عملية الشراكة مع القطاع الخاص:
- وضع الخطوط العريضة والأهداف التنموية المرجوة من عملية الشراكة مع القطاع الخاص، ليس فقط على المستوى الاقتصادي أو تحسين أداء الخدمات العامة، ولكن من حيث مردود ذلك على التنمية بشكل عام، وعلاقة تلك الشراكة بتحسين الظروف العمرانية الملائمة للسكان.
- وضع الأطر العامة التي تحدّد دور كل شريك في التنمية بما يضمن كفاءة التنسيق والتكامل بين الأطراف جميعًا.
- حصر التجارب الناجحة التي خاضتها الدول الأخرى عند الشراكة مع القطاع الخاص وتقويمها والاستفادة من إيجابيتها، وتلافي السلبيات الناجمة عنها.
- الاعتماد على المكاتب الوطنية للمحاماة ذات الخبرات الدولية لصياغة العقود، وليس فقط على المكاتب الدولية.
- تحرير الأسواق المالية وتطويرها وتهيئتها لجذب المدّخرات الوطنية والأجنبية، وتوظيفها في مجالات الاستثمار في مشروعات الخدمات.
- عدم الانتقال من القطاع العام إلى القطاع الخاص إلّا بعد إعداد الأطر التشريعية والمؤسسية اللازمة لإنجاح هذه الشراكة، كذلك إنشاء الأجهزة اللازمة لتنفيذ القواعد والالتزامات الواردة في تلك الأطر بقدرٍ عالٍ من الكفاءة والنزاهة، كالمجلس الأعلى للخصخصة والشراكة مثلًا.
- وضع اللوائح والقوانين التي تهدف إلى حماية المستهلك من احتكار تقديم الخدمة المقدمة من القطاع الخاص.
- توفير منظومة رقابية مكوّنة من بعض الأجهزة الحكومية والمجتمع المدني تضمن الالتزام بالاتفاقات المعقودة بين الدولة والقطاع الخاص من جهة، وتضمن وصول الخدمة للمواطنين بالمستوى والسعر المطلوبين من جهة أخرى.
٩- ضمان تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال التوزيع العادل للخدمات من حيث الكمّ والكيف وذلك بدعم الفئات غير القادرة في المجتمع.
- توفير قاعدة بيانات عن الخدمات المطلوب الشراكة بها، ووضع برامج زمنية لها تتوافق مع الخطط التنموية الاقتصادية والاجتماعية للدولة.
- التنظيم الزمني والمكاني لعملية الشراكة، بحيث تتوافق مع تطوّر معدّلات الطلب على الخدمة المقدمة بالمعدّل الذي يفي بالزيادة المتوقّعة للسكان وبتوزيعهم المكاني.
- وجوب فهم طبيعة الشراكة وتحليلها، من خلال التحديد والتحليل الدقيق لمصالح وتوجّهات الأطراف المعنية كافةً وطريقة تعبيرها عن هذه المصالح، وخصوصًا في ما يتعلّق بالدولة، والتي غالبًا ما تملك من دون غيرها زمام المبادرة، و تتحكم إلى حدّ كبير بشكل تلك الشراكة وطبيعتها ونتائجها.
- أهميّة التركيز على تمكين المجتمع المحلي كطرف محوري وأساسي في الشراكة من أجل التنمية، وذلك من خلال التركيز على رفع درجة الوعي والإدراك لدور القطاع الخاص كشريك في التنمية.
ــــــــ
https://telegram.me/buratha