عبد الحسين الهنين ||
تمر مرور الكرام كلمة المناخ التي ترد في بيانات وزارة الخارجية الأمريكية والسفارة ألأمريكية في بغداد و كان آخرها بيان الخارجية بعد اتصال الوزير انطوني بلينكن بالسيد رئيس الوزراء في 3 تشرين اول 2022 (نقل الوزير حرص الولايات المتحدة على العمل مع حكومة وشعب العراق لتعزيز احترام حقوق الإنسان وزيادة الفرص الاقتصادية وتعزيز استقلال العراق في مجال الطاقة ومعالجة أزمة المناخ. ) .
ما يتردد بكثرة عن المناخ في البيانات الرسمية ألأمريكية له اسبابه المنطقية , فوفقاً لتقديرات منظمة الصحة العالمية فان 99% من سكان العالم يتنفسون هواءا بجودة منخفضة حيث تزيد فيه نسبة التلوث عن الحدود العليا المسموح بها ألأمر الذي يهدد صحة الأنسان والحيوان على حد سواء ألأمر الذي جعل سبب وفاة أكثر من 13 مليون انسان سنويا يعود إلى أسباب بيئية يمكن تجنبها .
اسباب الاهتمام الواضحة مرده الدمار الذي يسببه تغير المناخ الذي يشكل إنذار خطير لمستقبل البشرية. من جانبها تقدم الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) الحائزة على جائز نوبل للسلام عام 2007 والتي التي تاسست عام 1988 مشاركة مع السيد ( آل غور) نائب الرئيس الأمريكي الأسبق تقدم تقاريرها الدورية لتقييم حالة الكوكب ومخاطر التغير المناخي وتشمل تقديرات شاملة لحالة الفهم العلمي والفني والاجتماعي والاقتصادي لتغير المناخ وأسبابه وتأثيراته المحتملة واستراتيجيات التصدي لهذا التغير بينما وضعت هدفا لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 43 % بحلول عام 2030 بهدف خفض درجات الحرارة بمعدل 1,5 درجة مئوية لتجنب وقوع كارثة حقيقية تهدد مستقبل الحياة على الكوكب .
تعود اسباب التلوث المشار اليه بشكل اساسي الى حرق الوقود الأحفوري ( Fossil Fuel) حيث يتصدر النفط قائمة هذا التصنيف من الوقود و تقدر التكاليف الصحية لتلوث الهواء الناتجة عن حرق الوقود ب 2.9 تريليون دولار سنويا أي حوالي 8 مليارات دولار في اليوم مما يعني ان التحول الى الطاقة النظيفة مثل الرياح والطاقة الشمسية، لا يساعد في معالجة تغير المناخ فحسب بل يساعد بتوفير مبالغ طائلة تساهم في الحد من الفقر و توفير فرص العمل وزيادة معدلات التنمية .
يشكل تغير المناخ حالة طوارئ عالمية تتجاوز الحدود الوطنية و تتطلب تنسيقا وتعاوناً دولياً لبناء اقتصاد منخفض الكربون , و عمليا تبنت 197 دولة في اتفاق باريس 2015 حلولا والتزامات دخلت حيز التنفيذ بعد أقل من عام تهدف إلى الحد بشكلٍ كبير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والحد من زيادة درجة الحرارة في هذا القرن إلى درجتين مئويتين و يوفر الاتفاق طريقاً للدول المتقدمة لمساعدة الدول النامية في جهود التخفيف من حدة المناخ والتكيف معها مع إنشاء إطارٍ للرصد والإبلاغ الشفافَين عن الأهداف المناخية للدول وهو باعتقادي ما تؤكد عليه البيانات الرسمية ألأمريكية بعد كل اتصال رسمي بين مسؤول امريكي وعراقي . فالولايات المتحدة دولة متقدمة وهي تقود هذا الجهد العالمي ونحن دولة نامية يمكن لنا ان نستفيد من علاقتها معنا والحاحها في الحث على العمل بهذا الاتجاه .
في العراق ليس هناك أكثر من الحديث العام عن الطاقة المتجددة وبالأخص الطاقة الشمسية باعتبارها بوابة المستقبل. يدور هذا الحديث في كل مكان ومنصّة حتى صار جزءًا من التمظهر بمظهر الإيمان بالعلم وكون الحلول المستقبلية تعتمد عليه كليّا. وحكومياً، جرى تغيير اسم وزارة الكهرباء الى وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة بالتوازي مع توقيع عقود استثمارية ضخمة لم يتحقق منها شيء على ارض الواقع لعدم واقعيتها بل غلب عليها الطابع الدعائي الذي لم ينظر الى امكانية تعشيق هذه المشاريع مع شبكة الكهرباء الوطنية من الناحية الفنية فضلا عن الجوانب المالية و غيرها , وقد شجعت وزارة النفط هذا المسار رغم أنه يناقض الوظيفة الأساسية التي وجدت من أجلها. هذه الوزارة هي مظلة الإنتاج والتطوير لقطاع النفط، ومن أهدافها الحتمية زيادة الحصة التصديرية وتعظيم الإيراد المالي، وهي مسؤولة أيضاً عن الالتزامات التعاقدية السابقة التي كان هدفها المعلن رغم عدم واقعيته في 2009 هو إنتاج 12 مليون برميل يوميًا، ضمن عقود جولات التراخيص (1 ) .
الطبيعي فأن النفط سينتهي دوره يوماً ما كمصدر أوّل للطاقة لأسباب اهمها هو مساهمته العالية في تلوث الكوكب لكن ذلك سيحصل بشكل تدريجي و سيبقى أحد المصادر المهمة . ألأمر يشبه ما حدث مع الفحم الحجري حينما جرى التحوّل الى عصر النفط، لم ينفد الفحم من العالم، وبقيت استخداماته ولم يغادر سوق الطاقة تماماً. كذلك لن نشهد توقفاً مفاجئاً لاستخدام البترول وكأن الأمر فيه زرّ كهربائي(On/Off)، إلّا أن كل هذا لا يمنع من السعي للاستثمار في الطاقة المتجددة، لأنها أصبحت واقعاً في حياة وسياسات الدول المستهلكة رغم أن العالم يهرول نحو بناء مزيج متنوّع في استخدام الطاقة لاسيما بعد اثار الحرب الروسية ألأوكرانية و ازمة الغاز الروسي التي جعلت من الأوربيين يتراجعون عمليا عن كثير من الشعارات المعلنة في مسالة التحول الى طاقة نظيفة .
في مسالة التحول الى طاقة نظيفة يأتي التحدي الأبرز من التكنولوجيا نفسها، وهو أمر يرتبط بتقليل التكاليف والتأثيرات البيئية لنواتج هذا الاستخدام، وكذلك بالدعم المالي الذي توفره الدول لهذا النوع من الطاقة، ونوع السياسات الضريبية التي تفرض على انتاج او استهلاك الوقود الأحفوري , لكن ما يجري لدينا في العراق هو تقاطع في الأهداف وتضارب الأدوار و ربما يغلب الحديث الإنشائي عنها وكأنه نوع الترف الفكري الذي يتسابق الكثيرون في محاولة اظهار شطارتهم فيه وكأننا في صف مدرسي تنتهي جذوة الحديث بانتهاء حصة الدرس ، وهو ما يشير الى غياب خطط محددة للطاقة عبر سياسة راشدة توازن بين سلعتنا اليتيمة في سوق الطاقة (النفط) وبين إسهامنا في استخدام الطاقة المتجددة. سياسة تؤدي الى تحقيق أعلى عائد وسعر للنفط الخام، بينما نحوّل جزءاً مهماً من هذه العوائد لصالح التنمية في المجالات كافة ومنها تنمية الطاقة النظيفة و تأسيساً واسعاً للبنى التحتية .هنا تبرز الحاجة الى تأسيس وزارة للطاقة التي تجتمع فيها كل مؤسسات الطاقة التي يجب ان تضم مركز معلومات الطاقة ومركز ابحاث الطاقة لمنع التقاطع والصراع ووضع سياسة موحدة للبلاد في مجال الطاقة التي هي بحق قاطرة التنمية وتحديد الآثار البيئية الناتجة عن هذه التحول فالتقارير العلمية تؤكد إن تصنيع الألواح الشمسية يتطلب استخدام مواد كيميائية و ماء وكهرباء مما يعني إطلاق غازات مسببة للاحتباس الحراري فضلا عن تكوّن النفايات الناتجة من تلك الاستخدامات وامكانية اعادة تدويرها .
(1). في عقود جولات التراخيص تم وضع هدف بعيد عن الواقعية المرتبطة بشروط السوق وتنافس الدول على حصصها .
ــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha