أكد الباحث مصطفى السعيد في حديث لـRT وجود مؤشرات جدية على رغبة الدول بتحجيم دور الدولار، "ليكون اليوان الصيني مرشحا كعملة بديلة في عالم متعدد الأقطاب".
ولفت السعيد إلى أنّ الحديث يجري في سياق عالم متعدد الأقطاب، وظهور عملة دولية منافسة للدولار، وعادة يكون اليوان الصيني هو المرشح، وذلك استنادا لحجم الإنتاج الصيني ونصيبها المتزايد من التجارة العالمية، وعلى اعتبار أنّها أكبر صانع وأكبرمستثمر وأكبر دولة مصدّرة للسلع وأكبر شريك تجاري لكل من الولايات المتحدة وأوروبا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية.
وفي السياق ذاته، تطرق الباحث السعيد إلى أن هناك دولا كثيرة تضرّرت من هيمنة الدولار، وتعرضت إما لعقوبات اقتصادية مباشرة أثرت على عوائدها وعلى قيمة عملتها الوطنية لأسباب لا تبدو مفهومة لكثيرين. وأضاف: "كيف لعملة وطنية أن تفقد ثلث أو نصف قيمتها في غمضة عين، لمجرد أن تعلن الولايات المتحدة عن وضع تلك الدولة أو قطاعات فيها على قائمة العقوبات، ولماذا تحول الدولار من عملة لتخزين القيمة إلى سلاح اقتصادي أشد فتكا من الأسلحة العسكرية؟ ولماذا تراجع الإنتاج الأمريكي للسلع، وهبط معه حجم معاملاتها التجارية ومع ذلك ظل الدولار العملة الرئيسية في التجارة الدولية".
مجموعة من العوامل المتداخلة
وأوضح أن هناك مجموعة من العوامل المتداخلة تحكم التجارة العالمية، وعلى رأسها المؤسسات المالية من بنوك مركزية وتجارية، ونظم التداول، والاحتياطيات النقدية، وأسواق الأسهم والسندات، حتى أن بعض المتخصصين يشعرون بالدوار عندما لا يتمكنوا من الإمساك بالخيوط الحاكمة للتجارة العالمية وأسعار العملات.
وقال: "لكن ذلك لا يعني أن الدولار لا يمكن إزاحته عن مكانه، ومثال ذلك أنه عندما تقرّر مجموعة من الناس مقاطعة سلعة محدّدة، فينبغي أولا أن نعرف عدة أشياء، أولها هل هذه المجموعة من الناس تمثل نسبة كبيرة من المشترين لتلك السلعة؟ وهل هم موحدون أم متفرقون، وهل لديهم بديل لتلك السلعة؟ وعادة تفشل المقاطعة، لأن المستهلكين مفككين، أو لا يؤثرون كثيرا على السوق، وليس لديهم بدائل محددة ومناسبة، فتنهار المقاطعة أو لا تصبح شيئا ذو قيمة أو تأثير، ويدب اليأس، وتنصاع إلى قوانين السوق، وهي قوانين لا تعترف إلا بالأقوياء، ولا تكفي القوة وحدها، بل تحتاج إلى أدوات بديلة لمنظومة مالية معقدة، مثلما تحتاج إلى تجمعات ذات مصلحة في تحمل تكلفة إنشاء منظومة بديلة، تكتسب الثقة، وبالتالي تكون مؤثرة".
العولمة فككت إرادات الدول
ولفت السعيد النظر إلى أن العولمة كانت بنظامها الحالي أداة تفكيك لإرادات الدول، فأي دولة لا تعتمد على ما تنتجه لسد إحتياجاتها، وأصبحت الدول تتخصص في أنواع محددة من السلع أو المواد الخام، وفككت العولمة اعتماد أي دولة على سد إحتياجاتها، وكان للتخصص في إنتاج عدد محدود من السلع فوائد أكبر، لأن كل دولة لها مزايا نسبية في إنتاج تلك السلع التي تتخصص في إنتاجها.
وضرب في هذا الجانب مثال السعودية التي تتفوق في تصدير البترول بأن مناخها ومواردها المائية لا تساعدها على إنتاج حاجتها من القمح، وإذا فعلت ذلك ستكون تكلفة الإنتاج أكبر من السعر العالمي، وبالتالي تنصاع لمقتضيات السوق العالمي، لكنها لا تكون بمنأى عن هزات لا تستطيع تجنبها، ويمكن أن يتضاعف سعر القمح، أو يتراجع سعر البترول، ولا تستطيع أن تتحكم حتى في سعر منتجاتها، ولا تحدّد العملة التي تبيع بها. وأكمل القول: "هذا التفكك والاعتماد المتبادل، واتساع التجارة الدولية زاد من القدرة على تحكم دولة مهيمنة من التأثير على أسعار منتجات الدول الأخرى، فالتجارة الدولية تعتمد على الدولار كعملة مرجعية، ومنظومة التداول والتحويلات المعروفة باسم سويفت، وتستخدم الدولار كعملة تداول يمكن أن تعرقل تصدير واستيراد سلع دول أخرى، وبحكم تلك السيطرة كانت الولايات المتحدة تستخدم قدراتها في تحديد أسعار منتجات دول أخرى".
وختم بالقول "نعم ظهرت مؤشرات قوية على تغيير تلك المنظومة المهدّدة بشكل حقيقي لأول مرة بالإزاحة عن موقعها المهيمن، ولهذا نجد كل تلك الإضطرابات والتأهب للمعارك، وليست حرب أوكرانيا وأزمة تايوان وغيرها إلا جزءا من المعركة الكبرى على عرش الهيمنة الأمريكية، والدولار الذي يعد عمود خيمتها".
https://telegram.me/buratha