انضمت مصر إلى مجموعة دول عربية، من ضمنها العراق والسعودية والإمارات، تدرس تخفيف الاعتماد على الدولار في تعاملاتها التجارية الدولية، لاسيما استيراد السلع الغذائية والمواد الأولية من الصين والهند وروسيا.
أكبر مستورد للقمح في العالم يولي خيار اليوان والروبية والروبل اهتماماً كبيراً؛ فبحسب وزير التموين المصري علي مصيلحي: "نحن نفكر جدياً بالاستيراد من دول باعتماد عملاتها المحلية والجنيه المصري، وقطعنا جزءاً كبيراً من هذه السكة الطويلة مع الصين والهند وروسيا". لكنه أوضح، في تصريحات صحفية، أنه لم يتم تنفيذ أي صفقة بغير العملة الخضراء حتى اللحظة.
تواجه مصر أزمة نقص في العملات الأجنبية هي الأسوأ منذ سنوات، والتي اشتدت بداية العام الماضي مع رفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لسعر الفائدة، ونشوب الحرب الروسية الأوكرانية، ما أدى لتخارج أكثر من 22 مليار دولار من الأموال الساخنة. ولم يفلح توصلها لاتفاق مع صندوق النقد الدولي، في ديسمبر، يتيح الحصول على تمويلات مباشرة بقيمة 3 مليارات دولار، ضمن تسهيلات ائتمانية تفوق 9 مليارات دولار، في إعادة الاستثمارات الأجنبية إلى أسواق الأوراق المالية في البلاد حتى الآن.
وزير التموين كان يتحدث، بشكلٍ أساسي، عن استيراد السلع الغذائية، حيث لدى مصر احتياطي استراتيجي من القمح كافٍ لمدة 2.6 شهر، ومن الزيوت النباتية 4.3 شهر، والسكر 4 شهور، والأرز 3.7 شهر، ومن اللحوم لمدة 1.7 شهر.
التوجه المصري المزمع بالنأي عن استخدام الدولارات الشحيحة أصلاً، سبقته خطوات عملية اتخذتها دول إقليمية مثل الإمارات العربية المتحدة، حيث أجرت أبو ظبي خلال شهر أبريل الماضي، أول تسوية لصادرات الغاز الطبيعي إلى الصين مقوّمة باليوان.
كما تدرس الإمارات والهند، التي تمثل أحد شركائها الرئيسيين، سبل زيادة التجارة البينية غير النفطية بعملاتهما المحلية. وكان وزير الدولة الإماراتي للتجارة الخارجية ثاني الزيودي، أوضح في مقابلة مع تلفزيون بلومبرغ، في ديسمبر، أن بلاده في مرحلة مبكرة من المناقشات مع الهند بشأن استخدام الدرهم والروبية في تبادلهما التجاري، الذي "سيقتصر فقط على التجارة غير النفطية".
*الإمارات والهند تناقشان تسوية التجارة غير النفطية بالروبية
من جانبها، أبلغت الرياض بكين، بداية العام الحالي، بأنها منفتحة على المناقشات حول التبادل التجاري بين السعودية والصين باعتماد عملاتٍ غير الدولار. وسبق ذلك، خلال ديسمبر، تصريح وزير المالية السعودي محمد الجدعان أن المملكة "منفتحة على المناقشات بشأن التجارة بعملات بجانب الدولار الأميركي".
*أسواق ناشئة تبدي اهتماماً بالروبية الهندية
مطلع شهر أبريل الماضي، أعلن وزير التجارة الهندي سونيل بارثوال أن بلاده تعرض عملتها الروبية بديلاً في التعاملات التجارية على الدول التي تواجه نقصاً في الدولار. في حين نقلت بلومبرغ عن مسؤول حكومي، طلب عدم الكشف عن هويته، أن دول مصر وسريلانكا وبنغلاديش، التي تعاني شحّاً في الدولار، أبدت اهتماماً بالتداول بالعملة الهندية.
*العراق يعتمد اليوان في الاستيراد من الصين دفاعاً عن الدينار
بدوره، يعتزم العراق، ثاني أكبر دولة منتجة للنفط في منظمة "أوبك"، سداد قيمة واردات القطاع الخاص من الصين بعملة اليوان، وضخ العملة الأجنبية في النظام المالي للمساعدة في تخفيف الضغط على الدينار.
ووفقاً لبيان صادر عنه مؤخراً، أعلن البنك المركزي العراقي أنه سيوفر اليوان لجهات الإقراض المحلية للتعامل مع نظرائها في الصين. كما سيؤمن العملة الصينية إلى المستفيدين النهائيين أيضاً عبر بعض حسابات البنك المركزي الخاصة.
وأوضح مظهر صالح، المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء، حينها أن "هذا الإجراء لن يمتد تطبيقه إلى تجارة العراق النفطية، إذ يغطي فقط واردات القطاع الخاص".
*التخلي عن الدولرة لعبة طويلة الأمد
تتوقع "لومن كابيتال إنفسترز" (Lumen Capital Investors) أن تستفيد عملات الأسواق الناشئة من التشظي التدريجي لهيمنة الدولار، إذ أنشأت عشرات الاقتصادات نماذج معاملات مالية وتجارية تتجنب العملة الخضراء. لكن لورنت لوكو، رئيس إدارة المحافظ في "لومن كابيتال" في سنغافورة، رأى في مقابلة مع "راديو بلومبرغ" أن "التخلي عن الدولرة لعبة طويلة الأمد.. أما على المدى القصير، فأعتقد أن الدولار سيستمر في الهيمنة على التجارة العالمية".
*الدولار "الملك" لم يسقط عن عرشه بعد لكنه لم يعد خياراً وحيداً
تُعد مصر أحد الأسواق الناشئة الأكثر تأثراً بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، باعتبارها مستورداً صافياً للمواد الغذائية من كِلا البلدين. وأدرجت موسكو هذا العام الجنيه المصري على قائمة العملات الأجنبية التي يحدّد بنك روسيا المركزي سعر الصرف الرسمي لها مقابل الروبل، لكن عدداً من التجار المصريين أفادوا وكالة "رويترز" بأنهم لم يبدأوا بعد في إجراء معاملات بغير الدولار.
بنظر وكالة "ستاندرد آند بورز" (S&P) "قد لا تغطي مصادر التمويل المصرية متطلبات التمويل الخارجي المرتفعة" للسنتين الماليتين الحالية والمقبلة، والتي تُقدَّر بنحو 37 مليار دولار بشكلٍ تراكمي.
ورغم توقعها، في تقرير صادر مؤخراً، تدفقات داخلة كافية لتغطية عجز الحساب الجاري في مصر حتى السنة المالية 2026، تُقدِّر وكالة التصنيف الائتماني بلوغ متوسط احتياطيات البنك المركزي الإجمالية حوالي 32 مليار دولار خلال تلك الفترة، بما يناهز نصف المستوى الذي يراه صندوق النقد.
https://telegram.me/buratha