عبدالحسين الهنين ||
رغم غرابة اختيار يوم 1 نيسان 2023 موعدا للافتتاح ألأخير لمصفى كربلاء , لكنه قطعا خطوة مهمة لبناء ألأمل في مستقبل النظام السياسي الحالي . حاولت تجنب الخوض في هذا الموضوع لكي لا أظهر بمظهر المعترض لأن توقيع عقد المصفى آنذاك كان أمرا رائعا وان العراق لازال بحاجة لعدد من المصافي المماثلة لكن تفاصيله التعاقدية فنيا وماليا تبقى محط نظر و اعتراض . كان ألأخير هو الافتتاح الثالث للمصفى خلال سنة ونصف حيث سبق ان تم افتتاحه مرتين , وربما سيكون هناك افتتاح رابع وخامس والله اعلم لاسيما ان المصفى لم يعمل وفق العقد و لا بما يناسب المبالغ الضخمة التي انفقت من اجله , هذه المرة تم تشغيل المصفى جزئيا وبشكل متقطع و لم يتم تشغيل وحدات ( البنزين , الهدرجة , معالجة الغاز والغاز السائل ) بينما كان التشغيل الفعلي لوحدة التقطير الجوية ( Atmosphere Distillation ) بنصف الطاقة التصميمية ( 80 الف من اصل الطاقة التصميمية للمصفى البالغة 140 الف برميل يومياً من النفط الخام ) التي يتحول نصفها تقريبا الى نفط اسود خفيف .
تم توقيع العقد في 22/2/2014 بحضور رئيس الوزراء ألأسبق السيد نوري المالكي باحتفال مهيب في موقع المشروع , و كان هدف المشروع الاساسي انتاج 10 عشرة ملايين لتر يومياً بنزين عالي الاوكتان (95 و 92 ) بالإضافة الى باقي المنتجات النفطية ألأخرى بهدف ايقاف الاستيراد للمنتجات وخصوصاً البنزين , وقد كانت قيمة العقد آنذاك ( 6.040.000.000 دولار) ارتفعت الى 6.641.000.000 (ستة مليارات وستمائة وواحد واربعون مليون دولار ) بعد اقرار التعويضات واوامر التغيير ( Variation orders) و يتوقع ان يبلغ الرقم النهائي للأنفاق على هذا المشروع ثمانية مليارات دولار لكي يرى النور , وهو رقم مضاعف لمثيلاته في دول أخرى .
لا يبرر لهذه الأرقام الكبيرة ان المشروع صديق للبيئة وفق المواصفة البيئية الاوربية وهو ما يطلق عليه بالإصدار الخامس( Euro 5 ) , أي ان الانبعاثات الحرارية قليلة جداً عند التشغيل الذي لا يسمح سوى بنسبة واطئة جداً من انبعاثات اكاسيد الكبريت واكاسيد النتروجين وبنسب كبريت قليلة جداً في المنتوجات النفطية , فهذه المواصفات اصبحت شائعة و كلفها معروفة للمختصين واننا لم نأتي بجديد لكي يتم مضاعفة كلفة الأنشاء .
كانت مدة العقد الاصلي 54 شهر انتهت في 28/11/2018 ( اربعة سنوات ونصف ) وهذا يعني ان شهادات الضمان لمعدات المشروع الاساسية قد انتهت في 28/11/2019 ولم يتم تجديدها من قبل المجهزين اليابانيين والاوربيين رغم توقيع ملحق عقد جديد في ايلول 2022 في كوريا الجنوبية , حيث كان تأخير تشغيل المشروع بمثابة مشكلة جدية ومخاطرة كبيرة بسلامة الكوادر وصلاحية معدات المشروع التي يبلغ عددها 1500 بين مضخة وكابسة تم تجهيزها من مناشيء اجنبية مختلفة بعدما انتهت صلاحية شهادة الضمان للمعدات ( warranty ) الصادرة من المصنّعين الاجانب منذ 28/11/2019 , ولا اعتقد ان تقديم ضمانات جديدة من الائتلاف الكوري ستكون نافعة للجانب العراقي لأن الضمانات الجديدة قدمت دون حجز امانات مالية مقابلها ومثال على ذلك لا يمكن قبول شهادات ضمان من الائتلاف الكوري لمعدات من مناشيء ليست كورية (المانية وامريكية ويابانية واوربية ) لأن هذه المعدات مصنعة منذ عام 2015 و 2016 و قد تم تنصيبها في مواقعها منذ عام 2017 و 2018 ولم يتم تدويرها , وربما سيكون هذا الـتأخير وانتهاء فترة الضمان مخرجا للأتلاف الكوري للتهرب من مسؤوليته من الضرر الناتج عن سوء اختيار تراكيب مواد المعدات ( Materials selection ) الذي لم يكن وفق معايير هندسية عالية بحيث تقاوم الظروف الكيمياوية والحرارية التي تتعرض لها في حالة التشغيل أو التوقف والدليل ظهور مشاكل خطيرة في المشروع منها التآكل الشديد ( severe corrosion) لحوالي 319 مبادل حراري ( Heat Exchanger) رغم انها لم تدخل الخدمة الفعلية , و تشكل نسبة الـتآكل بين 12% الى 37% من سمك هذه المبادلات الحرارية بينما لم يدخل المصفى للخدمة بالإضافة الى مشاكل كثيرة في المعدات وفي منظومة السيطرة وهذه العيوب موثقة بتقارير الفحص للشركة الاستشارية تكنب ( Technip ) لاسيما تقريرها الأخير المؤرخ في 23/1/2023 علما ان هذه الشركة قد استملت مبلغ 235 مليون دولار بعقد منفصل عن عقد المصفى الرئيس فضلا عن وجود عيوب ميكانيكية واضحة ليس اوحدها تخسفات في بعض الخزانات نتيجة خلل تصميمي وعدم توافق بين اقطار انابيب التنفيس ( Venting Tube ) وضغوط المضخات .
بقي امر خطير آخر هو ان الشركة الكورية تنصلت أخيرا من الالتزام بالنسب المذكورة في العقد لمنتجات المصفى ( Products Yield ) بحجة ان مواصفات النفط المجهز ( Crude Oil Assay ) لم تكن بنفس ما مذكور في العقد المبرم و اعتقد ان الجانب العراقي سيقف عاجزا أمام هذا التبرير .
ما انصح به هو :
1- استقدام شركة مختصة لتقييم حالة المصفى فنياً و تصميمياً وأجراء الفحوصات الدقيقة لجميع معدات المصفى .
3- تقييم المخاطر لاسيما فحص واختبار فرق الإطفاء والتأكد من توفر عناصر بخبرة عالية في اطفاء الحرائق النفطية ولهم تجارب سابقة في هذا المجال .
4- التعاقد مع شركة متخصصة في تشغيل المصافي و قد يكون الائتلاف الكوري المنفذ للمشروع غير مناسب لهذا الدور الا اذا اجبرته وزارة النفط على تحمل اخطائه بشكل موثق غير قابل للتأويل أو التلاعب .
5- تدقيق أمكانية تجهيز النفط الخام بنفس المواصفات التي تم التعاقد حولها مع الشركة المنفذة .
6- استبعاد أي جهة ذات مصلحة في هذا الملف , فقد تكون متورطة بقصد او نتيجة قلة الخبرة في هذه الإخفاقات خشية ان يتم تقديم تقارير مضللة للجهات العليا مثلما جرت العادة في احداث سابقة .
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha