عبدالزهرة محمد الهنداوي
ليس من مهام الحكومة (اي حكومة) توفير الخدمات للناس وحسب، انما ينبغي عليها التأكد من توفر هذه الخدمات بالمستوى اللائق الذي من شأنه تحقيق الحياة الكريمة للناس، ولمّا كان تحقيق هذه المهمة ليس بالامر السهل، ما قد يُعرض جهود الحكومة الى الاخفاق، او الفشل، وبالتالي حدوث حالة من الاستياء التي قد تتطور الى احتجاجات، تؤدي الى ارباك المشهد برمته، فاحتمال التحول الى الفوضى سيكون واردا، في ضوء مثل هذه التداعيات.
ولكي لايحدث مثل هذا الامر، فان الحكومات تحرص كثيرا على وضع الخطط والاستراتيجيات التي من شأنها رسم المسارات، وصولا لتحقيق المستوى اللائق من الخدمات، وعندما نتحدث عن مثل هذه الاستراتيجيات، فإن الامر ينسحب الى مفاصل وقطاعات التنمية كافة، اذ ان الخدمات لا تقتصر على الماء والكهرباء مثلا ، وان كانت هاتان الخدمتان تمثلان مرتكزا تنمويا مهما، انما الحديث ينسحب الى قطاعات كثيرة ومتعددة، منها -على سبيل المثال لا الحصر-، السكن والنقل والصحة والتعليم، والزراعة والصناعة، وجميع هذه القطاعات ربما تنحصر في ثلاث انشطة اساسية هي التي تسهم بمساحة واسعة في تكوين الناتج المحلي الاجمالي، هي الانشطة السلعية والتوزيعية والخدمية، وحديث مثل هذا يقودنا الى الاشارة نحو واقع حال الاستراتيجيات والخطط التي جرى اعدادها خلال السنوات الماضية، في مختلف المجالات، وما هي النتائج التي تمخضت عنها، وهل اسهمت في تغيير الواقع؟ وفي مورد الاجابة تجدر الاشارة الى ان الهدف الاساس من تلكم الاستراتيجيات هو تحسين مستوى حياة الانسان، عبر تلبية متطلبات العيش التي اشرنا اليها، وهذا يستدعي بناء اقتصاد متين من خلال التنوع والقدرة على المنافسة، وان يكون القطاع العام من القوة ، قادرا على ادارة وقيادة المركبة، بدعم ومساعدة من نظيره والمساند القوي له "القطاع الخاص"، ومن المؤكد ونحن نتحدث عن استراتيجيات بعيدة المدى، فان واقع الحال يقتضى الاخذ بنظر الاعتبار شرائح المجتمع كافة، ومن الشرائح ذات الحاجة الى الرعاية بنحو مباشر او غير مباشر، مع التأكيد على أنْ لا تكرس اي واحدة من هذه الاستراتيجيات حالة الاتكالية المفرطة لدى الفرد، لان امرا مثلا هذا سيحول الدولة الى دولة ريعية بالكامل، تجعل كل امكاناتها موجهة نحو دعم الافراد، من دون ان تكون لهم مساهمات في عملية التنمية، وهذا سينعكس سلبا على الجانب الاخر، حيث لن تكون الحكومة قادرة على توجيه الدعم الى القطاعات الاخرى ما يؤدي الى حدوث خلل واضح في مستوى الخدمات المقدمة للناس، ومثل هذه الصورة قد نلمسها في واقعنا العراقي، فعلى الرغم من الايرادات غير القليلة التي تأتي الى خزينة الدولة من مبيعات النفط، الا ان حال التنمية في البلاد مازال دون مستوى الطموح، نتيجة توجيه المساحة الاعظم من هذه الايرادات نحو الاستهلاك، ولم تحظ التنمية الا بالنزر اليسير من التخصيصات المالية، في حين كان ينبغي ان يكون العكس، لذلك نجد الشكوى والتبرم كبيرة من قبل الناس حول تردي الخدمات.
----
https://telegram.me/buratha