علي الازيرجاوي ||
مما لا شك فيه ان التنافس الدولي على طرق التجارة عبر منطقة غرب آسيا الذي يربط شرق القارة المنتجة بأوروبا المستهلكة يبلغ ذروته خلال هذه الفترة.
وقد طرحت الصين مشروع إعادة إحياء طريق الحرير بمسمى ( الحزام والطريق ) وبمسارات جديدة متنوعة بحرية وبرية، فإنها إختارت مينار جوادر في باكستان المطل على بحر العرب كأهم المسارات وعينها على ميناء الفاو الواعد لربط الشرق بالغرب بأقصر الطرق وأنفعها للتجارة، بيد أنها لم تغلق الباب على المسارات الأخرى ولكنها تركته مفتوحاً للتنافس في دول آسيا الوسطى والقوقاز وفي شبه القارة الهندية ودول المحيط الخليجي من أجل تشابك المصالح مع جميع الدول الواقعة على طريقها.
لذلك نلاحظ أن دول المنطقة قد دخلت في تنافس حقيقي على الظفر بالطريق الجديد من خلال بناء موانئ وإنشاء طرق سريعة وفتح خطوط للتجارة استباقاً للحدث المهم ومنها ميناء مبارك شمال الكويت المطل على عنق خور عبد الله المتاخم للجنوب العراقي.
وقد دخل العراق بموقعه الاستراتيجي المميز والمرغوب وبطريقة ذكية على خط التجارة الدولي بإعلان طريق التنمية الذي يمر عبر ميناء الفاو الجامع لكل طموحات المنطقة ورغباتها التجارية بالتنسيق مع تركيا الطموحة الحالمة والخائفة في ذات الوقت؛ خائفة من مواقف الدول المتاخمة لها ذات الأيديولوجية المختلفة والتي تستخدم بعض الدول ومنها جزيرة قبرص كممر آمن لخطوطها.
وأهم حدث في مجال طريق التجارة الموعود أُعلن في قمة دول العشرين الأخيرة المنعقدة في الهند التي أعلنت أيضا عن إعادة تسمية دولتها إلى ( بهارات ) القديمة، بما للتسمية من دلالات تتعلق بالتجارة القديمة التي كانت دولة بهارت ( الهند ) على رأسها، وإعلان امريكا عن طريق جديد للتجارة من الهند عبر الإمارات والسعودية والكيان المحتل لفلسطين، الذي كان يوماً ما يعتبر من المحرمات المستحيل ذكره، فهي أرادت في الإعلانين (البهارات والطريق ) إعطاء الأهمية لحليفها الهند المنافس القوي للصين في إنشاء هذا الطريق الذي كانت تحلم به كبديل لحركة التجارة في الخليج؛ ولا يخلوا من جنبة سياسية مبطنة لإعادة رسم المنطقة، وقد مهدت له من خلال الترويج للديانة الإبراهيمية في المنطقة والتطبيع مع الكيان الغاصب وتفجير مرفأ بيروت!
معتقدةً أنها توجه ضربة للصراع الدائر في الخليج وتحييد مضيق هرمز، وإثبات الوجود بعد ما شهدت المنطقة حرب الناقلات والاحتكاكات البحرية والجوية خلال الفترة المنصرمة التي أظهرت سطوة إيرانية واضحة وهيمنة على كامل مياه الخليج، ما أحرج امريكا وأخرجها من دائرة حسابات القوة في الخليج والمنطقة، وجعلها عاجزة عن تأمين حركة سفن الكيان الصهيوني ولو كانت تحت مسميات وأعلام دول أخرى.
ان إنشاء طريق ( فجيرة حيفا )(*) لا يعني هيمنته على حركة التجارة العالمية إطلاقاً، بل سيكون طريقاً للتجارة بين الهند والمنطقة الخليجية وأوروبا فقط؛ بينما طريق الصين الذي سيمر عبر الفاو لا محالة وقسم منه عبر الأراضي الايرانية براً بطبيعة الحال والجغرافية، سيكون له الشأن الأكبر في ربط الشرق بالغرب وأفريقيا، ولا يهمل مشروع طريق جنوب شمال الذي يربط الهند بآسيا الوسطى عبر إيران.
كما ان تجارة بهارات نفسها سترى فرق الكلفة والوقت من ناحية طول المساحة البرية في صحراء جزيرة العرب وشمالها المعقد على حساب المساحة البحرية قليلة التكلفة، إضافة إلى تفرعات مسار الفاو إلى عدة قنوات تركية وسورية ولبنانية إن تطلب الأمر.
إن العراق في هذه المرحلة التي تشهد تحسن في العلاقات الدولية يستطيع لعب دور الريادة وسحب البساط من تحت امريكا التي تسعى للجم جماح الصين وتحييد إيران بإنشاء خط الهند أوروبا والذي سيشعل المنافسة بين باكستان والهند ، وذلك بأن يقوم العراق بتهيئة متطلبات طريق التنمية من سكك للقطارات وطرق سريعة وبنى تحتية متكاملة، عند ذاك ستأتي بهارات ومن وراءها امريكا، وباكستان ومن وراءها الصين إلى طريق التنمية لتختصر فيه المسافة وتفتح لها مساراً آخر إلى شرق أوروبا عن طريق التنمية إن شاء الله تعالى.
والحمد لله أولا وأخيرا
===========
(*) وان كان المعلن عن طريق الممر الاقتصادي يمر عبر ميناء جبل علي في دبي على الخليج، إلا ان الواقع والهدف هو ميناء الفجيرة الذي يقع على خليج عمان خارج مضيق هرمز.
12-9-2023
ميسان
https://telegram.me/buratha