تواجه وزارات الدولة منذ أسابيع ضغوطاً مالية واضحة مع اقتراب نهاية السنة المالية، وسط ارتفاع متطلبات الإنفاق التشغيلي وتعدد الالتزامات الحكومية، الأمر الذي انعكس على تمويل عدد من الملفات، وفي مقدمتها مستحقات الشركات والمقاولين. وتشير البيانات الرسمية إلى أن حجم التخصيصات المتوفر فعلياً لا يغطي جميع المبالغ المطلوبة دفعة واحدة، ما أدى إلى بطء شديد في إطلاق التمويلات.
هذه الأزمة لم تعد محصورة بحسابات الوزارات أو الجداول المالية، بل بدأت تلامس قطاعات الخدمات والمشاريع، فيما يترقب المقاولون حلولاً عاجلة بعد تراكم الديون عليهم للمصارف والمجهزين والعمال، وتحول التأخير إلى سبب مباشر في تعثر مئات المشاريع في المحافظات.
اتحاد المقاولين: وصلنا إلى مرحلة خطيرة والتظاهرة في موعدها
وقال عضو اتحاد مقاولي العراق إسماعيل الربيعي في حديثه لـ"بغداد اليوم" إن “القطاع الخاص وصل إلى مرحلة حرجة بسبب تأخر المستحقات، وإن التظاهرة السلمية المقرر تنظيمها يوم 15 كانون الأول ماضية كما خُطط لها، بعد وصول أعداد المشاركين إلى آلاف المقاولين”.
وأضاف الربيعي أن “إجمالي كلف المشاريع التي تنفذها الشركات يبلغ نحو 200 ترليون دينار، بينما تصل مستحقات المقاولين لدى الحكومة إلى 30 ترليون دينار”، مبيناً أن “رئيس الوزراء وجّه بصرف 5 ترليونات، لكن وزارة المالية لم تُطلق سوى 2 ترليون فقط، وهو مبلغ لا يعالج الأزمة، ولذلك رفضنا استلامه”.
وأشار إلى أن “نسبة واسعة من المقاولين باتت على حافة الإفلاس، فيما تُلاحق العشرات دعاوى قضائية أو أوامر قبض بسبب الديون المتراكمة، واضطر آخرون إلى رهن منازلهم بانتظار حل نهائي”.
وأكد أن “توقف المشاريع سيكون الخطوة التالية في حال عدم صرف المستحقات، خصوصاً مشاريع الماء والكهرباء والخدمات، التي تعتمد بشكل مباشر على العقود الجارية”.
وزارة المالية تفنّد الاتهامات وتعرض تفاصيل الصرف
وفي المقابل، أصدرت وزارة المالية بياناً موسعاً فنّدت فيه ما ورد على لسان رئيس اتحاد المقاولين خلال لقاء متلفز، مؤكدة أن “الادعاء بشأن إرسال إحدى السيدات النائبات للتفاوض مع الوزيرة طيف سامي حول المستحقات غير صحيح تماماً، وأن الوزارة لم تستقبل أي نائبة لهذا الغرض”.
وقالت المالية في بيان إن “الوزارة سلّمت ممثل الاتحاد رسمياً بقراري مجلس الوزراء (435 و721 لسنة 2025)، اللذين تضمنا تخصيص مبلغ (2) تريليون دينار، إضافة إلى جداول التخصيص التي تبلغ 25% من المستحقات”.
وأضافت أن “إجراءات التمويل شملت صرف (1,371,451,904,190) ترليون دينار للوزارات، و(1,000,000,000,000) ترليون دينار للمحافظات، وأن العمل جارٍ بناءً على الطلبات الواردة من وزارة التخطيط”، مؤكدة أن “ممثل الاتحاد كان حاضراً لجميع الاجتماعات ومطلعاً على محتواها”.
وشددت الوزارة على أنها “تحتفظ بحقها القانوني في مساءلة القنوات والإعلاميين الذين يروّجون معلومات مضللة بشأن هذا الملف”.
ملف المستحقات يتحول إلى اختبار مالي وإداري
وتُظهر تفاعلات الأيام الماضية أن ملف مستحقات المقاولين أصبح جزءاً مركزياً من الضغوط التي تواجه المالية، خصوصاً مع تعدد الالتزامات التي تتطلب تمويلاً فورياً، مقابل قيود واضحة على السيولة المتوفرة حالياً.
وتشير قراءة البيانات الرسمية الصادرة عن المالية إلى أن الوزارة تتحرك ضمن حدود التخصيصات المعتمدة، ولا تستطيع صرف كامل المستحقات قبل استكمال طلبات وزارة التخطيط، ما يجعل الجدولة هي الخيار الوحيد في الوقت الحالي.
في المقابل، يرى المقاولون أن التأخير أدى إلى تراكم خسائر كبيرة على الشركات، وأن الاستمرار بالوتيرة نفسها سيؤدي إلى توقف مشاريع خدمية أساسية، وهو ما يزيد الضغوط على الدولة قبيل تظاهرة 15 كانون الأول.
ورغم استمرار المباحثات بين الجانبين، إلا أن حجم الفجوة بين ما يطالب به اتحاد المقاولين وما تستطيع المالية إطلاقه حالياً يجعل هذا الملف أحد أبرز تحديات الحكومة في الأسابيع المقبلة.
https://telegram.me/buratha

