قال مستشار البنك المركزي العراقي د. مظهر محمد صالح: ان الاحتياطي الالزامي ( القانوني ) الذي يفرضه البنك المركزي العراقي كنسبة من الودائع التي تودع لدى المصارف العراقية المختلفة واحد من وسائل السياسة النقدية التي يستعملها البنك المركزي باتجاهين الاول حماية ودائع الجمهور من مخاطر السيولة التي قد تتعرض اليها المصارف ، والثاني ، كونهِ وسيلة سيطرة على جانب مهم من جوانب السيولة النقدية التي تنشئها المصارف عن طريق التوسع في اقراض تلك الودائع وعبر مضاعف الاقتراض ما يعظم من الكتلة النقدية ويزيد من سرعة تداول النقود وماتولده الاخيرة من ضغوط طلب قوية على السلع والخدمات تدفع بالظاهرة التضخمية صعوداَ ، وهو شأن يتقاطع واهداف السياسة النقدية الاساسية التي في مقدمتها تحقيق الاستقرار في المستوى العام للأسعار عن طريق خفض نسب التضخم.
د. مظهر اكد أن ادارة الاحتياطي الالزامي (القانوني) بالشكل الامثل وكذلك إدارة الاحتياطي من العملة الاجنبية بالصورة التي تنسجم مع الاحتياطيات المحلية كافة ، هما دلالتان متلازمتان وتمثلان قوة الميزانية العمومية للبنك المركزي في إشاعة الاستقرار النقدي والسيطرة على تدفقات السيولة ومواجهة الصدمات الداخلية والخارجية المؤثرة في الاستقرار الكلي للبلاد. وبين انه على الرغم مما تقدم ، وتقديرا من السلطة النقدية للظروف القاسية والاستثنائية التي عانى منها قطاع الطاقة الكهربائية ولاسيما مواجهة مأزق تمويلي لمشروعاتهِ الملحة ، استطاع البنك المركزي قبول إصدارية خاصة امدها عام واحد وبفائدة 2% من حوالات الخزينة التي ابتاعها مصرف الرافدين من وزارة المالية ، وإحلال تلك الحوالات بنسبة 50% تقريباً من الاحتياطي الالزامي (القانوني ) للمصرف المذكور وبمبلغ 2.7 تريليون دينار يتم تحويلها بالعملة الاجنبية من احتياطيات البنك المركزي العراقي الخارجية .
وإن قبول حوالات الخزينة كجزء من الاحتياطي القانوني عُد إجراءً استثنائياً تتولاه عمليات السوق الثانوية المفتوحة التي تنسجم وتنفيذ مهام السياسة النقدية ، و انها تعد من السياسات التشغيلية المقبولة بشكل محدود استثناءً ، على الرغم من انها غير مثالية ولايمكن التوسع بها . وعلى هذا الاساس تم قبول هذه الممارسة لمرة واحدة حصرياً وعلى وفق حسابات تحافظ على الاستقرار النقدي عند نقطة حرجة لايمكن تعديها . لذا فان التوسع في الآلية المذكورة انفاً المتمثلة بقبول المزيد من حــوالات الخـزينة واحلالها مـحل الاحتـياطي الالزامي (القانوني ) لتمويل سلسلة من مشاريع وزارات قطاعية اخرى كالنقل او امانة بغداد او غيرهما على سبيل المثال وعلى وفق اصدارات انهالت بالمدة الاخيرة على البنك المركزي العراقي كوسيلة تمويلية سهلة ، سيحول البنك المركزي الى مؤسسة تمويل مشروعات تحل محل الموزانة الاستثمارية، ما سيلغي دور السلطة النقدية ووظائفها الاساسية وتوجيه البنك المركزي وواجباته الى خارج الاهداف المنصوص عليها في قانون البنك المركزي العراقي.
ونوه إن الظروف التضخمية الراهنة التي بدأت مؤشراتها بالتزايد ، حيث سجل الرقم القياسي السنوي الاساس لأسعار المستهلك وفق بيانات شهر آب 2009 ارتفاعاً ملموساً بلغ 10.8% . وفي ظل محدودية احتياطيات البنك المركزي العراقي من النقد الاجنبي التي لم تشهد اي تطور بأتجاه الزيادة طوال الاشهر العشرة الماضية عن معدلاتها الثابتة الراهنة . وازاء محدودية تلك الاحتياطيات من النقد الاجنبي التي لا توفر الحماية الكافية للأستقرار الاقتصادي عبر تبني سياسات نقدية سهلة شديدة الافراط، كالسماح بقبول حوالات خزينة واحلالها محل الاحتياطي الالزامي القانوني ، وعد ذلك اسلوباً سهلاً لتمويل المشاريع الواسعة امام تعثر تمويل الموازنة الاستثمارية لبرامجها بما في ذلك الموازنة التكميلية ، فان استقرار البلاد سينحدر لامحال الى مستويات شديدة الخطورة والتدهور، بما في ذلك مخاطر تدهور سعر الصرف والانحدار نحو التضخم مجددا وضياع الاستقرار الاقتصادي الكلي.
وكشف عن ممارسة الحكومة ضغوطها التمويلية بصورة مستمرة على البنك المركزي العراقي عبر التوسع باصدار حوالات الخزينة واحلالها محل الاحتياطيات الالزامية للمصارف لتمويل مصروفاتها , سيفقد السياسة النقدية قدراتها في استخدام ادواتها لبلوغ اهداف الاستقرار ومواجهة التضخم الذي بدأت تعاني منه البلاد في الآونة الاخيرة وما يرتبط به من اختلالات اقتصادية واسعة تعرض مفاصل الانتاج ومستوى المعيشة الى خطر التدهور , وعندها سيتحمل البنك المركزي العراقي اللائمة في ضياع فرص التوازن الاقتصادي وهدر الاستقرار الكلي للبلاد بسبب استمرار التدخل الحكومي وتأثيراته السالبة على اداء السياسة النقدية.
واختتم حديثه من ان البنك المركزي العراقي هو كيان مستقل استناداً الى قانونهِ رقم 56 لسنة 2004 وانه غير ملزم في تنفيذ سياسات توسعية بالأنابة عن ضعف إداء الموازنة الاستثمارية ،والتضحية بأهداف الاستقرار والتوازن الاقتصادي الكلي لمصلحة تمويل نفقات عامة هي من خارج مهام السلطة النقدية ولصيقة بمهام واهداف الموازنة العامة للدولة.
https://telegram.me/buratha