خلال 17 عاما مضت بعد تأسيس جمهورية كوسوفو، تحولت البلاد التي كانت تمتاز بتسامحها الديني إلى منبع للتطرف ومصنع لتجنيد المتشددين الإرهابيين.
تشير صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في مقالة للكاتبة كارلوتا غال نشرتها على نسختها الإلكترونية، السبت 21 مايو/أيار، إلى أن هذا التحول الجذري جاء نتيجة لنفوذ وأموال عربية في كوسوفو بالإضافة إلى تواطؤ من قبل السلطات الأمريكية.
وتقول المقالة: "تجد كوسوفا حاليا، مثل أوروبا بأسرها، نفسها في مواجهة التهديد الذي يمثله المتطرفون، ومنذ عامين حددت شرطة البلاد هوية 314 مواطنا كوسوفيا، ومنهم انتحاريان قاما بتفجير نفسيهما، و44 امرأة و28 طفلا، تركوا البلاد للانضمام إلى صفوف تنظيم داعش، ويعد هذا الرقم الأكبر في أوروبا من حيث نسبته إلى عدد السكان".
ويصر المحققون الكوسوفيون على أن هؤلاء الأشخاص تم تحويلهم إلى متطرفين وتجنيدهم من قبل مجموعة رجال دين متشددين ومؤسسات سرية تمولها بلدان أشارت المقالة من بينها للسعودية في منطقة الخليج العربي، باستخدام شبكة غامضة ومعقدة للتبرعات من الجمعيات الخيرية ورجال الأعمال من القطاع الخاص والوزارات الحكومية.
وقامت شرطة كوسوفو بعد عامين من التحقيقات بتوجيه اتهامات رسمية لـ67 شخصا، واعتقال 14 إماما وإغلاق 19 مؤسسة ومنظمة إسلامية على أنشطة ضد الدستور وبث الكراهية وتجنيد الإرهابيين.
ونقلت الصحيفة عن فاتوس ماكولي، مدير شرطة مكافحة الإرهاب في كوسوفو، قوله: "ليس هناك دلائل تشير إلى أن أي مؤسسة قدمت مالا بشكل مباشر للناس من أجل جعلهم يغادرون إلى سوريا... يكمن الوضع في أن المؤسسات دعمت المفكرين الذين يروجون للعنف في سبيل حماية الإسلام".
وفي السياق، تحتضن كوسوفو في الوقت الراهن أكثر من 800 مسجد ومصلى، ومنها حوالي 240 تم بناؤها خلال فترة ما بعد الحرب في المنطقة، ويتهمها الأئمة المعتدلون والمسؤولون الرسميون بتربية أجيال جديدة من المتطرفين.
ولفتت "نيويورك تايمز" في هذا السياق إلى أن البرقيات الدبلوماسية السعودية، التي نشرها موقع ويكيليكس في العام 2015، وما كشفه عن وجود تنظيم في السعودية لتمويل المساجد والمراكز الإسلامية ورجال الدين يعم بلدان في آسيا وإفريقيا وأوروبا.
وبلغ نفوذ رجال الدين المتشددين في كوسوفو ذروته بعد نشوب الحرب في سوريا، عندما بدأوا يحثون الشباب المحلي على التوجه إلى سوريا عبر خطاباتهم وعبر برامج الإذاعة والتلفزيون.
ووصل الأمر إلى أن بعض هؤلاء الناس، مثل الإمام السابق زكريا كاظمي، الذي أصدرت المحكمة، الجمعة 20 مايو/أيار، حكما بسجنه لمدة 10 سنوات، تمكنوا من تنظيم معسكرات صيفية لأتباعهم.
وتضخ كل من هذه الدول، وفقا للمسؤولين الكوسوفيين، حوالي مليون يورو سنويا من أجل تعزيز مواقع المتطرفين في البلاد.
والسؤال الأهم، الذي ينتهي إليه أخذ جميع التطورات المذكورة أعلاه بعين الاعتبار، هو: لماذا لا تتخذ الولايات المتحدة، وهي البلاد التي كانت قوة رئيسة أسهمت في تأسيس جمهورية كوسوفو، أي خطوات من أجل عرقلة تحول الأخيرة إلى معقل للمتطرفين في أوروبا؟
المصدر: نيويورك تايمز
https://telegram.me/buratha