بهاء الخزعلي||
●مقدمة عن قوة الدولار:
عام 1971 أتخذ الرئيس الأمريكي نكسون قرار بفصل الدولار عن الذهب لمعرفته أن الولايات المتحدة، لا تمتلك ذهبا يغطي كمية الدولار الموجود في أرجاء العالم كله، حينها مرت الولايات المتحدة بأزمة تضخم بنسبة 15% والبطالة 9% أما الناتج المحلي هبط إلى 3، 2 من 10، وابتدأت دول كثيرة تفقد رغبتها بالدولار، حتى عام 1973 حين قام هنري كسينجر بترتيب لقاء لنيكسون مع الملك فيصل ملك السعودية، لعقد اتفاق مفاده أن الولايات المتحدة تأمن حماية للسعودية مقابل شرطين هما، ألا تقبل السعودية بيع نفطها لأي دولة إلى بعملة الدولار، أما الشرط الثاني أن تستثمر السعودية فوائد مدخراتها في أوراق السندات الأمريكية، وكذلك عندما حذت منظمة الأوبك حذو السعودية بالتعامل بالدولار في بيع البترول أعطى ذلك قيمة عالمية للدولار الأميركي، وسمي هذا الدولار (بالبترودولار).
●كيف ستطيح الصين بالدولار الأمريكي؟...
أخذت الصين بعين الاعتبار فشل الاتحاد الأوروبي بمنافسة الدولار، من خلال طرح اليورو كعملة لتعامل دول ذلك الاتحاد، وبما أن الولايات المتحدة لا تستطيع طبع مبالغ كبيرة من الدولار بسبب سياسة العرض والطلب، ذلك سيحد من إمكانية الولايات المتحدة بتغطية ديونها بطبع الدولار في حال تضررت اقتصاديا، فعمدت الصين إلى خطة بديلة، وتتلخص تلك الخطة بعدت إجراءات بجدول زمني محدد ومن أهم تلك الإجراءات.....
*اعتمدت الصين منذ عام 2004 سياسة اكتناز الدولار حيث يبلغ قيمة ما تملكه من دولار أكثر من (3) ترليون دولار وبذلك تصبح أكثر الدول لديها احتياط للدولار.
*بالرغم من أن الصين تعرف أن قيمة الدولار هو الورق المطبوع فقط، إلى أنها قامت بمحاربة الدولار من خلال تقويته من عام 2008 حتى عام 2018 وليس بأضعافه، لتجعل من المنتجات الأمريكية أقل تنافسية من المنتجات الصينية، لأن المنتج الأمريكية تكون تكلفته بالدولار، لكن المنتج الصيني تكون تكلفته أقل لأنه باليوان، وذلك يوفر إمكانية بيع منتجاتها بأسعار رخيصة لضرب الاقتصاد الأميركي.
*بعد الأزمة المالية العالمية لعام 2008، أقبلت البنوك المركزية في أوربا والشرق الأوسط، لتكثيف عمليات شراء الذهب مما يعطي مؤشر للصين بأن العالم أصبح لا يثق بالدولار ثقة عالية، حيث عمدت الصين بعد ذلك لشراء كميات من الذهب، ومنذ عام 2018 إلى يومنا هذا عمدت الصين بالتنازل عن احتياطها من الدولار مقابل رفع احتياطها من الذهب، وعقد اتفاقات غير خاضعة للتعامل بالدولار، لضرب سياسة العرض والطلب للدولار، خصوصا بعدما أعلنت الولايات المتحدة طبع أكثر من 8 ترليون دولار منذ مدة وجيزة.
*طرح مشروع خارطة الحزام والطريق، الذي يقضي بعقد مشاريع اقتصادية تمول بصيغة الاقتراض من الصين، مما أدى لوصول قروض الصين العالمية 103 ترليون دولار لدول عدة، وقد تصبح تلك الدول مجبرة على مقاطعة الدولار الأميركي، في حال طلبت الصين السداد بعملة أخرى غير الدولار أو قيمة القروض بالذهب أو عن طريق السداد بالموارد الطبيعية كالنفط والغاز.
*مصاحبة الخطة الاقتصادية الصينية بخطة الانتشار العسكري الإستراتيجي، بإيجاد طرق تجارية بديلة غير خاضعة للسيطرة الأميركية، وتوفير حماية لتلك الطرق من قبل القوات الصينية.
*استغلال الخصومات الأميركية ورغبة بعض الدول بالتخلص من هيمنة الدولار، بعقد اتفاقات اقتصادية وإستراتيجية مع تلك الدول المتخاصمة مع الولايات المتحدة، كروسيا وإيران حيث عقدت الصين اتفاق مع روسيا عام 2012 باستثمار قيمته 400 مليار دولار لكن التعامل بالعملة المحلية الروبل الروسي واليوان الصيني، وكذلك عقدت ذات الاتفاق مع إيران عام 2021 والتعامل سيكون بنفس الطريقة والتسديد بالنفط، كذلك الاستثمار مع السعودية بنفس الطريقة، أضف لذلك استثمار أكثر من 100مليار في أفريقيا بنفس الطريقة، وذلك يؤثر على قيمة الدولار بمعدل قيمة الاستثمار الصيني.
*تجاوز الدين العام العالمي 350 ترليون دولار، وأصبحت كل دول العالم مدانة بما فيهم الولايات المتحدة الأميركية، والدولة الوحيدة الغير مدانة هي الصين، وبما أن الصين مستمرة بسياسة الإستثمار ومنح القروض، سيزيد ذلك من زيادة قيمة القروض وحاجة الدول للتعامل مع الصين لتسديد ديونها، مما يأهلها مستقبليا للوصول إلى الريادة الاقتصادية العالمية.
* الصين بدأت ترى قدرتها على تحمل لعب دور القائد الأقتصادي، وإمكانية طرح عملة جديدة من خلال ربط عملتها بعدت عملات غير الدولار، وتسمى تلك الطريقة (سلة العملات) وهي عملية ربط العملة المحلية بعدت عملات عالمية أخرى لتسهيل التجارة دون حاجة الدولار.
●الخلاصة:
في حال استمرت الصين بذلك التوسع الاقتصادي الحتمي، والانتشار العسكري المصاحب لذلك التوسع، وطرح المنتجات الصينية بأرخص الأسعار، والنمو الاقتصادي الملحوظ للصين، وكذلك رغبة المستثمرين بالأطمأنان على استثماراتهم بالتوجه للصين، مع زيادة احتياطي الذهب الصيني، ورغبة بعض الدول للخلاص من هيمنة الدولار وسياسة العقوبات الاقتصادية الأميركية، وزيادة عقد الاتفاقات مع دول مؤثرة كروسيا وإيران وكوريا الشمالية والهند وباكستان ودول أفريقيا والتعامل بعملاتهم المحلية، كل ذلك قد يجعل من الصين قوة عالمية صاعدة إلى الريادة العالمية، وفي حال تمكنت الصين خلال السنوات العشر المقبلة من ذلك مع تراجع الدولار المستمر، وفي حال فرضت الصين قرارها على الدول المتعاونة معها التعامل بالعملة المحلية أو اليوان الصيني، سيولد ذلك خلل في سياسة العرض والطلب للدولار الأميركي، وقد يصبح الدولار الأمريكي عملة محلية تكون قيمته من قيمة الإنتاج الأمريكي بدل من عملة عالمية.
ــــــــــــ
https://telegram.me/buratha