عاد التساؤل حول هل يجب أن يكون التلقيح ضد فيروس كورونا إجباريا أم اختياريا؟ إلى الواجهة بقوة من جديد، خلال الأيام الماضية مع خروج عشرات الآلاف، من المناهضين لقيود كورونا، وإجبارية التلقيح إلى الشوارع، في عدة مدن أوربية، في حركة احتجاج تحول بعضها إلى مواجهات بين المحتجين ورجال الأمن.
وكان يوم أمس السبت، قد شهد أكبر تحرك شعبي في فرنسا، ضد الشهادة الصحية ، والتلقيح ضد كوفيد-19، إذ شارك 105 آلاف ومئتي شخص في التظاهرات المناهضة للإجراءات الحكومية.
وأشارت الداخلية الفرنسية إلى خروج ثلاث تظاهرات في باريس، ضمت 18 ألف شخص، إضافة إلى 87 ألفا ومئتين آخرين، خرجوا في سائر أنحاء فرنسا، مضيفة أن التظاهرات، شهدت إصابة عشرة شرطيين كما تم اعتقال 34 شخصا.
وجاءت التظاهرات الضخمة وفقا لعدة تقارير، ردا على تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، استهدف فيها غير الراغبين في الحصول على اللقاح من الفرنسيين، وقال ماكرون بحسب صحيفة "لو باريزيان"، "أريد حقا أن أنغص على غير الملقحين حياتهم. وبالتالي، سنواصل القيام بذلك حتى النهاية. هذه هي الاستراتيجية".
وأضاف "لن أضعهم في السجن، ولن أقوم بتلقيحهم بالقوة. وبالتالي يجب أن نقول لهم: اعتباراً من 15 كانون الثاني، لن تتمكنوا من الذهاب إلى مطعم، ولن تتمكنوا من تناول قهوة في مقهى، أو الذهاب إلى المسرح أو السينما".
أما في النمسا، التي أعلنت أنها ستجعل التلقيح إجباريا، اعتبارا من شباط المقبل، فقد خرج مايقدر بأربعين ألف متظاهر إلى شوارع العاصمة النمساوية فيينا، رافعين لافتات كتب عليها "لا للتطعيم الإجباري"، و"ارفعوا القيود"، و"انتخابات مبكرة". منددين بخطط الحكومة لفرض تلقي لقاحات كورونا .
ولا تعد ظاهرة رفض التلقيح بلقاحات كورونا، مقتصرة على أوروبا وحدها، إذ لايخلو أي بلد عربي، من مجموعات الرافضين للتلقيح، وكان لافتا خلال الأيام الماضية، تظاهر مئات العمال اللبنانيين وسط بيروت، رفضا لقرار "إلزامية التلقيح" ضد فيروس كورونا، في وقت قال فيه مارون الخولي، رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال بلبنان، إن قرار الحكومة بإلزامية التلقيح ، للعاملين في القطاع العام، وفي القطاعات الأخرى يشكل انتهاكا صارخا للدستور اللبناني ولكافة الشرائع الدولية.
أما في الأردن فقد عبر كثيرون، من رافضي إلزامية التلقيح بلقاحات كورونا عن رفضهم على تويتر، وهو الأمر الذي دخل حيز التنفيذ مع بداية العام الحالي، و لايسمح لموظفي القطاع العام أو العاملين في منشآت القطاع الخاص، بالالتحاق بالعمل إلا إذا تلقوا جرعتي لقاح مضاد لكوفيد-19، كما يمنع أي شخص تجاوز 18 عاما، من مراجعة أي من الوزارات، أو الدوائر الحكومية، أو المؤسسات الرسمية أو المؤسسات العامة، أو الدخول إلى أي من منشآت القطاع الخاص، إلا في حال تلقيه جرعتين من اللقاح.
ويبدو الجدل محتدما بين السلطات، ورافضي التلقيح، في معظم الدول حتى الآن، ففي الوقت الذي ترى فيه السلطات، أن التلقيح يحقق مصلحة عامة، وأنه سيخفف من عدد الإصابات، ومن ثم سيقلل الضغط على مرافقها الصحية، فإن رافضي التلقيح، يعتبرون أن الإجبار على تلقيه ليس قانونيا ولا دستوريا، وأنه يتعارض مع حقوق الإنسان، خاصة في الدول الأوربية التي لديها مواثيق بهذا الشأن.
وكانت رئيسة المفوضية الأوربية، أورسولا فون دير لايين، قد دعت مع بداية كانون الأول2021، وبعد حديث أكثر من دولة أوربية، عن فرض لقاح إلزامي على عدة قطاعات، إلى فتح نقاش بشأن الموضوع، في وقت حذرت فيه منظمة الصحة العالمية في نفس الشهر، من أن اللقاحات الإجبارية، في حال أقرتها الدول، يجب أن تكون الحل الأخير الذي تلجأ إليه الحكومات، بعد استنفاد جميع الحلول الأخرى.
أما مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ميشال باشليه فقد دعت في معرض تعليقها على الجدل، بشأن سعي دول أوربية لجعل التطعيم ضد فيروس كورونا إلزاميا تلك الدول، إلى ضمان احترام حقوق الإنسان، مشددة على أن فرض اللقاحات لم يكن يوما مقبولا، ومنبهة لوجود اعتبارات حقوقية مهمة، لا بد من أخذها في الحسبان قبل جعل التطعيم إجباريا.
وكان 13 عضواً من أصل 24 ، يؤلفون ما يعرف بمجلس الأخلاقيات الألماني قد صوتوا، لصالح فرض تطعيم إجباري، على كل من تخطى سنه 18 عاماً. ردا على طلب من مسؤولين ألمان بالمشورة، بينما كان المستشار أولاف شولتس قد أعلن في وقت سابق، أن حكومته ستقدم مقترحا لجعل لقاحات كوفيد-19 إلزامية.
ويعد الجدل بشأن الاختيار والإجبار فى مجال اللقاحات، قديما جدا، وقد بدأ مع تطوير أول لقاح، وهو اللقاح المضاد للجدري، ففي أواخر القرن التاسع عشر، خرج عشرات الآلاف إلى الشوارع في بريطانيا، احتجاجا على فرض لقاحات ضد المرض.
وقد قوبلت تلك الاحتجاجات ساعتها، باعتقالات وغرامات وأحكام بالسجن، وحمل المحتجون في ذلك الوقت، لافتات تدعو لرفض اللقاحات كونها "لعنة تحل بالأمة"، وتقول إن "السجن أفضل من طفل مسموم". وأُحرقت نسخ من القوانين التي تُلزم باللقاحات في الشوارع.
ويبدو أن ظهور كورونا كوباء عالمي، أحيا ذلك الجدل القديم حول اللقاحات، كما أعاد إلى الواجهة، وجهة نظر ذلك القطاع الرافض تاريخيا لتلقي اللقاحات، ولا أحد يعرف إلى أين سينتهي السجال الحالي، بين السلطات الصحية التي لها مبرراتها القوية، بضرورة خفض عدد المصابين، وحماية مؤسساتها الصحية من الإنهيار، وهؤلاء الرافضين الذين يرون أن إجبارهم على تلقي اللقاح، يمثل انتهاكا لحقوق الإنسان.
https://telegram.me/buratha