نعيم الهاشمي الخفاجي ||
تم نقل الأحداث التي عصفت في العاصمة السريلانكية وقد عرضت وسائل الإعلام بمختلف أنواعها ومواقع التواصل الاجتماعي لثورة جماهير غاضبة دخلت الى القصر الرئاسي السريلانكي، وعبرت الجماهير الغاضبة وكل حسب طريقته الخاصة للاحتفال في فتح الفتوح، تجد ناس يسبحون في مسبح الرئيس، آخرين نائمين على سرير السيد الرئيس، عشاق الشاي والقهوة يستعملون مطبخ السيد الرئيس لإعداد القهوة السيلانية الأصيلة، تم أخذ أثاث وملابس عائلة السيد الرئيس ليس من باب السرقة وإنما من باب التبرك بآثار السيد الرئيس حفظه الله ورعاه، شيء طبيعي تكون هذه المناظر العفوية الشعبية تثير الضحك والفكاهة والسعادة لدى الكثير من الناس، بل الكثير من العبيد من الدول الدكتاتورية وخاصة دول البداوة العربية يعتبرون هذه المناظر خيالية كيف تجرأ الجماهير دخول بيت السيد الرئيس حفظه الله وتحتفل كل حسب طريقته الخاصة، بحيث استبدل الشعب السيلاني السرقة إلى أخذ اثاث الرئيس تحت باب الاحتفاظ في آثار السيد الرئيس للتبرك، نعم كل شيء جائز ولا إرادة أمام إرادة الشعوب الحرة الرافضة للذل والعبودية.
سيريلانكا ليست الدولة المتخلفة وإنما من أفضل الدول في جنوب آسيا في النواحي الاقتصادية وحصول المواطنين على هامش كبير من الحرية وبلا شك يتمتع المواطن السريلانكي بحريات دينية افضل مليون مرة من وضع المواطن العربي المسلم في دول الخليج وبقية الدول العربية، أرض سيريلانكا خصبة وتمتاز في زراعة الشاي الفاخر والذي يصدر لكافة دول العالم.
وما يحدث في سيرلانكا اليوم هو نتاج طبيعي في وجود صراعات نفوذ مابين دول كبرى من خلال أدوات محلية سيريلانكية، بسبب وجود صراع مابين الحكومة والتاميل، جزيرة سيريلانكا يزيد سكانها على 22 مليون، موقعها موقع مهم للصين وروسيا والهند وامريكا والغرب، الحكومة السيريلانكية حاولت دعم القطاع الصناعي الحكومي من خلال الشركات الصينية، القوى الغربية لديها أدوات كثيرة مؤثرة من خلال منظمات مجتمعية مدنية، سري لانكا تضررت بسبب جائحة كورونا وهي تعتمد على السياحة، أيضا تم دفع عناصر وهابية تكفيرية إلى عمل عمليات إرهابية في العاصمة خلفت اعداد كبيرة من الضحايا تسببت في ضرب شريان السياحة بالصميم، شيء طبيعي الحكومة في سيرلانكا، تصل الى مرحلة عجز مادي واضح بحيث وصلت الحالة المدارس أغلقت لعدم قدرة الحكومة على توفير الورق والأحبار، وأن المستشفيات ألغت الكثير من العمليات لعدم توفر خيوط الجراحة، البلد يعاني أيضا من أزمة وقود حادة بحيث أصبح الحصول على الوقود يحتاج الوقوف في الطوابير لمدة لا تقل عن ثلاثة أيام، لكي يصل إلى محطة تعبئة الوقود ليملىء خزان عجلته بالوقود، بحيث ذكرت تقارير خبرية أن 13 شخصاً توفوا وهم في هذه الطوابير الطويلة أمام محطات تعبئة الوقود، عندما تفتقد الوقود أيضا يتم شل قطاع المواصلات بشكل شبه كامل، عندما تقف حركة العجلات والقطارات ينعكس ذلك سلبا ويتسبب في زيادة معانات المواطنين في الحصول على المواد الغذائية، وكذلك نقص المواد والمستلزمات الطبية…..الخ هذه الأمور تسبب في اضطرابات عنيفة، وبلا شك الرئيس يعلن استقالته وبروح رياضية وبدون مقاومة وتشبث بالكرسي المتهالك.
سيريلانكا عانت من حرب أهلية مدمرة مع التاميل، ويوجد عشرات آلاف التاميل اللاجئين في أوروبا، الرئيس الحالي وصل الى الحكم منذ عام 2005 حتى اليوم، الرئيس (جوتابايا راجاباكسا) أحد أبطال الحرب، وقاد القوات الأمنية بنفسه في مواجهة التاميل واستطاع ان ينهي الحرب الأهلية عام 2009،كنت في يوم هزيمة التاميل في العاصمة الدنماركية ورأيت ملامح الهزيمة والذل على وجوه اللاجئين التاميل واضحة، حتى انا دخلت معهم في حوار قلت لهم التوصل لسلام افضل من الاستمرار بعقود من الحروب الدامية، الحرب أيضا كانت في غطاء ديني هندوسي، الرئيس كان بطل حرب لكنه ليس في رجل بناء اقتصاد قوي، حاول مد جسور مع الغرب والشرق،
الحكومة السيلانية حاولت تشجيع الاستثمارفي البنى التحتية، مع شركات صينية أثارت حفيظة دول غربية، الديون كانت 20 مليار دولار عام 2009، ووصلت الآن إلى نحو 60 مليار دولار، الحكومة شجعت الاستثمارات، لكن جهات دولية عملت حملات انتقادات عنيفة وممنهجة في استهداف بناء ملاعب للكريكت، والتوسع في توسعة الموانىء ، وبناء الأبراج التجارية المولات،
في انتخابات عام 2019، وعد الرئيس الشعب بتخفيض الضرائب لضمان الفوز وفعلا فاز بالانتخابات الرئاسية، وتم تخفيض الضرائب بنسبة ٢٥% وبذلك الحكومة خسرت ٢٥% من عائدات الأموال، التفجير الإرهابية في العاصمة كولومبو التي نفذها وهابية من الاقلية المسلمة تسببت في انخفاض السياح بنسبة 70 في المائة، ليتأثر بعدها القطاع السياحي الذي يشكل ما نسبته 22 في المائة من الناتج القومي لسيرلانكا، لذلك التفجيرات الوهابية الإرهابية كانت ضمن المخطط لاضعاف الحكومة واسقاطها بسبب علاقاتها مع الصين،
جائحة كرونا أيضا أثرت على الاقتصاد المتهالك، وفي أبريل (نيسان) أعلنت الحكومة عدم قدرتها على سداد ديونها، وهي بذلك أصبحت حكومة «مفلسة» رسمياً، ولأول مرة في تاريخها. بل ووصلت إلى حال لم تمكنها حتى من سداد واردات الوقود والأغذية والأدوية. بعد أن استهلكت خلال الثلاثة أعوام الماضية كامل احتياطياتها من العملات الأجنبية التي بلغت نحو 8 مليارات دولار عام 2019، لتهوي إلى 1.6 مليار عام 2021 وتصل الآن إلى الصفر.
سيرلانكا اليوم تحت رحمة التدخلات الدولية لذلك دول الغرب تنفذ إليها عبر صندوق النقد الدولي ومن خلال المنظمات المدنية للعمل لدعم ساسة يصلون للحكم يقفون ضد الصين وروسيا ،إن ما وصلت إليه سيرلانكا هو مثال حي على نتانة الصراعات الدولية التي تحاول إذلال الشعوب من خلال خلق الأزمات الداخلية والاقتصادية.
نعيم عاتي الهاشمي الخفاجي
كاتب وصحفي عراقي مستقل.
13/7/2022
ــــــ
https://telegram.me/buratha