بسم الله الرحمن الرحيم
{ وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر اللّه شيئاً وسيجزي اللّه الشاكرين} ال عمران 144
الآية المباركة نزلت في معركة حنين .. وحنين واد بين مكّة والطائف ، بينه وبين مكّة ثلاث ليال , كانوا يعدون المسافات بين المدن بعدد أيام المسير .. .......سبب الغزوة :
لمّا فتح الله تعالى على رسوله{ص} مكّة ، طاعته قبائل العرب إلاّ هوازن وثقيف ، فإنّهم كانوا طغاة متكبرون لا يقبلون ان يقودهم احد.. فلمّا سمعت هوازن بفتح مكّة على رسول الله {ص}جمعها رئيسها مالك بن عوف النصري ، فاجتمع إليه مع هوازن ثقيف كلّهم ، واجتمعت معهم قبائل أخرى , وكانوا يعتقدون أنهم هم المقصودون , لان فتح مكة استخدم فيه النبي {ص} السرية التامة .. وقصة حاطب بن أبي بلتعه معروفة , الرجل الذي أرسل رسالة مع مولى له إلى أهل مكة يحذرهم ..
فاجتمعت هوازن وثقيف ,حين بلغهم خروجه من المدينة ، فظنّوا أنّه يريدهم ، فلمّا بلغهم أنّه أتى مكّة ودخلها , زاد حسدهم فعمدوا لحربه بعد مقامه بمكّة نصف شهر .أي أسبوعين فقط ..
فجاءوا حتّى نزلوا بحنين ، وصحب شيخهم معهم النساء والصبيان والأموال ، وفي ثقيف رئيسان لهم : رجل اسمه قارب بن الأسود ، وذو الخمار سبيع بن الحارث ، وجاءوا برجل معروف عند العرب بدهائه ومعرفته بالحروب هو دريد بن الصمّة شيخ كبير أعمى ، ليس فيه شيء إلاّ التيمّن برأيه ، ومعرفته بالحرب وتجربته ، وهو على هودج له يقاد به ، فلمّا نزل بأوطاس ـ وهو مكان بقرب حنين ـ قال : بأيّ واد أنتم ؟ قالوا : بأوطاس ، قال : ما لي اسمع رغاء البعير ، ونهاق الحمير ، وبكاء الصغير ، ؟ قالوا : ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم ، فقال دريد لمالك : لم فعلت هذا ؟ قال : سقت مع الناس أموالهم ونسائهم وأبناءهم ليجعل كلّ رجل أهله وماله وراء ظهره فيكون أشدّ لحربه ...!!
وبلغ رسول الله {ص} ما أجمعت عليه هوازن من حربه ، فتهيأ لقتالهم .فخرج ومعه اثنا عشر ألفاً ، عشرة آلاف من أصحابه الذين فتح بهم مكّة ، وألفان من مسلمة الفتح ، وخرج جيش العدو بثلاثين ألفاً .
وقوع الحرب :
قال جابر بن عبد الله الأنصاري : لمّا استقبلنا وادي حنين انحدرنا في واد من أودية تهامة ، أجوف حطوط ، أي عميق ننحدر فيه وكان الوقت في عماية الصبح ، فتبين ان القوم سبقونا إليه ، فكمنوا لنا في شعابه وانحنائه ومضايقه ، فما راعنا ونحن داخلون للوادي ، إلاّ الكتائب قد شدّوا علينا شدّة رجل واحد ، وانهزم الناس وهربوا عن مواقعهم , لا يلوي أحد على أحد ، وانحاز رسول الله{ص}الى اليمين
ثمّ قال : (( أيّها الناس هلمّوا إليّ أنا رسول الله محمّد بن عبد الله ، فلا يأتيه أحد )) .وقال {ص} للعباس ـ وكان صيّتاً جهوري الصوت : (( ناد القوم وذكّرهم العهد )) ، فنادى بأعلى صوته : يا أهل بيعة الشجرة ، يا أصحاب سورة البقرة ، إلى أين تفرّون ؟ اذكروا العهد الذي عاهدتم عليه رسول الله{ص} ..
وقد وصلت الهزيمة إلى مكّة ، وسرّ بذلك قوم من مكّة ، واظهروا الشماتة ، وقال قائل منهم : ترجع العرب إلى دين آبائها .وكان ابو سفيان يقول { أيه آيا اصفر} وهي كلمة تشجيع لهوازن وثقيف..
الذين ثبتوا مع رسول الله{ص} ، بعد هزيمة الناس هم : علي بن أبي طالب{ع} ، والعباس بن عبد المطلّب ، والفضل بن العباس بن عبد المطلّب ، وربيعة بن الحارث بن عبد المطلّب ، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلّب ، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلّب ، وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب ، وأيمن بن عبيد ـ وهو ابن أمّ أيمن مولاة رسول الله {ص} وحاضنته ، وقد قتل يوم حنين .
قال الشيخ المفيد : لم يبق مع النبي{ص} إلاّ عشرة نفر ، تسعة من بني هاشم خاصّة ، والعاشر أيمن ابن أمّ أيمن ....هذه المسالة بينت حقيقة الامر , لان الذي يرفع الشعارات ويتنكر لها وقت الشدة , أمر في غاية الاهيمة , وهي نتيجة تبين موقف حملة الشعارات وصدق نواياهم ...
وكانت تجربة عملية , وحصيلة حاصل علافها رسول الله {ص} بالملموس ..فانزل الله تعالى قوله : (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ* ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا) التوبة : 25 ـ 26 . قال الشيخ المفيد : يعني بالمؤمنين علياً ومن ثبت معه من بني هاشم ، أو عامّة المؤمنين الذين رجعوا بعد الهزيمة ، وكان رجوعهم بثباته {ع} وحمايته للنبي{ص} وحفظه من القتل .
لما انتهت المعركة , أخذه رسول الله {ص} إلى ناحية يناجيه , أي اختلى به يحدثه ويسره بأمور خاصة دون المسلمين , يقول جابر بن عبد الله الأنصاري : لمّا خلا بعليّ يوم الطائف ، أتاه بعض المهاجرين فقال : أتناجيه دوننا ، وتخلو به ؟ فقال : (( ما أنا انتجيته ، بل الله أنتجاه )) ، فاعرض وهو يقول : هذا كما قلت لنا قبل الحديبية لتدخلنّ المسجد الحرام إن شاء الله آمنين فلم ندخله ، وصددنا عنه ، فناداه النبي {ص} : (( لم أقل لكم أنّكم تدخلونه من ذلك العام )) .
من السبايا : وقد كان فيما سبي أُخته بنت حليمة ، فلمّا قامت على رأسه قالت : يا محمّد أختك شيماء بنت حليمة ، فنزع رسول الله {ص} برده فبسطه لها فأجلسها عليه ، ثمّ أكبّ عليها يسائلها ، وهي التي كانت تحضنه إذ كانت أُمّها ترضعه .... ستشهد في ذلك اليوم من المسلمين فقط ..
بعد استعراض هذه الاية المباركة نحن في رحاب الزهراء {ع} في يوم من أيام الفاطميات المبارة التي نستعيد فيها صفحة من حياة مولاتنا فاطمة الزهراء {ع} ...رأي آخر يقول :
الآية الكريمة: وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات او قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين وهي الآية التي نزلت على النبي (صلى الله عليه و آله ) في معركة أحد بعد انهزام المسلمين أبجمعهم الا علي{ع} الغضب الإلهي بالتعبير واضح في الآية الكريمة (انقلبتم على أعقابكم) واسماً إياهم بالانقلاب على الأعقاب والرجوع إلى أقبح الأديان إلى ما كانوا عليه من قبل من الشرك وعبادة الأوثان.
فلما ان رد الله المشركين بغيظهم وانجلى الموقف عن اميرالمؤمنين{ع} يدافع عن رسول الله{ص} كلما جاءته كتيبة قال له : يا علي اكفني إياها فيهجم عليهم ,فيقتل أماثلهم ويفر الباقون هكذا مرة بعد اخرى حتى عجبت من مواساته ملائكة السماء فقال جبرائيل للرسول {ص} : (لقد عجبت من مواساة هذا الفتى ملائكة السماء) قال رسول الله {ص} (وما يمنعه من ذلك و هو مني وأنا منه) فنادى بين السماء والأرض: (لا سيف إلا ذوالفقار ولا فتى إلا علي).
فلما ان رد الله المشركين بغيظهم و قُتل من قتل من المسلمين عاد المنهزمون فلامهم النبي{ص} على هروبهم فقالوا له نفديك بإبائنا و أمهاتنا يا رسول الله سمعنا انك قتلت فرُعِبَتْ قلوبنا وولينا مدبرين فقرأ لهم النبي{ص} ما نزل بشأنهم من القرآن فسمعوه بآذانهم وعلموه بقلوبهم..
ولكن هل اعتبر الهاربون .؟؟ هل راجعوا أنفسهم وموقفهم من ذلك من اعتبر وراجع نفسه وعاهد الله تعالى على الا يعود الى مثل ذلك مستقبلاً خاصة وان الآية الكريمة تعتبر من إعلام النبوة لأنها تقول: (أفإن مات او قتل انقلبتم على أعقابكم) ...
حينما نستقري الأحداث التي وقعت بعد وفاة رسول الله{ص}نجد ان القوم إلا نفر يسيراً منهم انقلبوا على ما عاهدوا عليه الله و رسوله في كثير من المواقف والمشاهد و ترتب على ذلك هذا الانحراف الكبير في الخط الإيماني عندهم عاشه النبي {ص} وال بيته مع هؤلاء, ولا يزالون.
تعرضت لهذه الآية المباركة لغاية معروفة عندكم ,لأننا نعيش هذه الأيام وسط أجواء إعلامية ودعايات محمومة ضد ال البيت وشيعتهم ,..!! كذلك ياتي من يكتب ,عن الجهل والغفلة وعدم الإحاطة بالزهراء {ع} على انها إمرأة عادية كسائر النساء يجري عليها ما يجري على النساء ؟؟؟ ونسوا مع شديد الأسف ما جاء في حقها من قرآن ميزّها عن سائر النساء.... نسوا ما نطق به الصادق الأمين الذي لا ينطق عن الهوى , من فضائل و مناقب في حقها حتى غدت سيدة نساء العالمين يرضى الله تعالى لرضاها و يغضب لغضبها , نسوا أنها من أهل هذا البيت الذي أراد الله تعالى له الطهارة بكل أشكالها وألوانها بيت أذن الله تعالى ان يرفع.. بيت يستأذن فيه جبرائيل{ع} الباري جلّ وعلا ان يكون لهم سادساً. فما هي الصفات التي ميزت الزهراء {ع} عن غيرها .. وبشكل مغتضب ..
مولد فاطمة يختلف عن جميع البشر : أما كيفية حملها وولادتها ففيه من الأخبار المشوِّقة ..عن الرضا{ع} قال : (قال النبيّ{ص} : لما عُرِج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل {ع} فأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلته فتحول ذلك نطفة في صلبي فلما هبطت الى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة {ع} ففاطمة حوراء أنسيه فكلما اشتقت الى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة ..
عن عائشة قالت : (قال رسول الله {ص} لما أسري بي إلى السماء أُدخلت الجنة فوقفت على شجرة من أشجار الجنة لم أر في الجنة أحسن منها فتناولت ثمرة من ثمرتها فأكلتها فصارت نطفة في صلبي فلما هبطت الى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة فإذا أنا اشتقت الى ريح الجنة شممت ريح فاطمة..
إذن ولادتها كانت لها مقدمات النطفة من ثمار الجنة , وهذا لم يحصل عليه مخلوق قبلها ولا بعدها , بما فيهم الأنبياء والأولياء ....
في يوم من الأيام دخل رسول الله {ص} سمع خديجة تتحدث وليس بجوارها احد .. فقال لها: (يا خديجة من تحدثين؟ قالت الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني قال يا خديجة هذا جبرائيل يخبرني أنها أنثى وأنها النسلة الطاهرة الميمونة وان الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها وسيجعل من نسلها أئمة ويجعلهم خلفائه في أرضه بعد انقضاء وحيه..! لا أريد أن أزيد عن صفاتها وفضلها فهي اكبر من ان تنالها اقلام الواصفين ... هذا يشهد لها به أعدائها ومحبيها .. ولم يقع فيه اختلاف عند المسلمين في جميع الفضل عنها .. ولكن الموقف السياسي للزهراء {ع} هو موضع الاختلاف عند المسلمين ..
قضية إخفاء قبرها له دلالات كبيرة .. موضوع فدك هو محور الخلاف مع السلطة الجديدة بعد النبي{ص} .قول النبي {ص} " انا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم } . وهل كان النبي {ص} يعلم ان هناك حربا ستتعرض لها ابنته ..؟ والحديث فيه صفة الجمع دون المفرد ..حاربكم .. سالمكم ..
1- فضح الزهراء للطغاة: لأنهم لم يكشفهم التاريخ بصورة واضحة .. فكانت الزهراء هي المفصل التاريخي الذي بين الطغاة والمتزلفين على حساب المباديْ......
موقفها كان جهاديا مكملا لرسالة أبيها {ص} يوم وقفت في مسجده تدافع عن الحق الذي اهتضم والمواقف التي أشارت لها الآية " أفان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " قامت بفضح الجرائم المنكرة التي قام بها حكّام المدينة آنذاك وأعلنت للمسلمين كفر الغاصبين وانحرافهم عن الإسلام. وكانت أوّل خطوة لها هي الخطابة في المسجد النبويّ، وقد أورد ابن طيفور أبي الفضل أحمد بن أبي طاهر (204 ـ 280هـ) خطبتها في كتاب بلاغات النساء: وعدد كبير من المصادر تتحدث عن تلك الخطبة التي تعتبر وثيقة إدانة للحكومة الجديدة ... واذا كانت فاطمة حوراء انسية لا تقول الا الحق .. فان بيانها هذا جعل السلطة غير شرعية ومغتصبة للخلافة ..وهذه اول ثمار المواقف للزهراء {ع} .....
2- النقطة الثانية :.. البكاء ... كثير من الناس يستنكرون البكاء لأسباب ليس لها أصل في المفاهيم الدينية ولا الإنسانية .. منها ان الرجل لا يبكي " يعيب عليه البكاء " وهذا الأمر مخالف للقران وللفطرة الإنسانية , فالقران يقول عن يعقوب{ع} انه كان يبكي لفقد ولده يوسف {ع} .. وقد مدح القران الكريم اولئك الذين يبكون يقول تعالى { ويخرون إلى الأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا } وهؤلاء المؤمنون الذين يطيعون ربهم ويسجدون له ..يتفاعلون مع الآيات .. اخرون لم يجدوا ما ينفقون , فتفيض اعينهم من الدمع ..مقابل هاتين الايتين الكفار كانوا يضحكون , وفي سورة الدخان" فما بكت عليهم السماء والارض وما كانوا منظرين " هذه الاية عن جماعة فرعون لما اغرقهم الله تعالى في البحر...
لذلك استخدمت الزهراء {ع} اسلوب البكاء .. لماذا هذا الاسلوب .. وما الداعي له ..؟ : الجواب ما كان لسبب خاص بعائلتها , انما سبب بكاء الزهراء ان الامة نقضت عهد رسول الله{ص} وهذا سيؤدي الى كوارث وقتل ودماء , وانتهاك للقران .. وهذه النقطة تستحق ان تبكي عليها بحرقة , لان جهود ابيها وجهود الانبياء الذين قبله ذهبت إدراج الرياح .. بصريح العبارة سيكون الانتهاك باسم الدين .. القتل وهتك الأعراض وضياع المال والجهد , كله بسبب نقض العهد ..يقول الزجاج : قوله تعالى :وأوفوا بالعهد هو الأمر التام : كل ما أمر الله به ونهى عنه فهو من العهد ..إن العهد كان مسئولا عنه ، فحذف ; كقوله : ويفعلون ما يؤمرون به وقيل : إن العهد يسأل تبكيتا لناقضه فيقال : نقضت ، كما تسأل الموءودة تبكيتا لوائدها , واصبحت حالتها دعوةً ً للتساؤل عن سبب البكاء خصوصاً لانها حبيبة رسول الله {ص} وابنته الوحيدة التي خلّفها في اُمته، لذلك اجتهد القوم في منعها من البكاء , وسألوا أمير المؤمنين أن يصرفها عن البكاء او أن تقتصر على البكاء... وقد ذكر ابن أبي الحديد صوراً من هذا الإرهاب في شرح النهج في ج 16: 219 كيف أنهم كانوا يخبطون الناس في الأزقة ويجرونهم سحباً إلى أبي بكر للبيعة.
ولما عرض عليّ {ع} الأمر عليها، أبت ذلك، فلم يمنعها من إنفاذ إرادتها، فكانت تخرج إلى خارج المدينة , وتستظل بظل أراكه " شجرة برية " وتبكي، فعمد القوم إلى الأراكة وقطعوها ليلا، فبنا عليّ {ع} لها بيتاً من جريد النخل في البقيع سمّاه "بيت الأحزان".. وهذه الخطوة دخلت التاريخ من خلال فاطمة الزهراء{ع} وانها جسدت المعارضة من خلال الدمعة ...
والخطوة الثالثة للزهراء في تظلّمها من الغاصبين:... كانت مقاطعة الظالمين وعدم رضاها بإظهار نبأ وفاتها أو حضورهم جنازتها ... وهذه الخطوة كانت صرخة خالدة في وجه الظالمين وما لم يمكن لأي منهم إسكاته وقد عرّض به شاعر أهل البيت بقوله:
ولأي الأمور تدفن ليلا............بضعة المصطفى ويعفى ثراها
مرض الزهراء {ع}ووفاتها :بعد هذه الأحداث المؤسفة والمصائب العظيمة سقطت الزهراء{ع} طريحة الفراش. قال المجلسي: إنها بقيت ستين يوماً ثمّ مرضت. وفي رواية إن مرضها استمرّ خمسة عشر يوماً ..وفي فراش المرض كانت نساء المهاجرين والأنصار يَعُدنها وهي تعاتبهنّ على ما فعل رجالهنّ من نصرة الباطل وإخذال الحق، وعادها في مرضها أبو بكر وعمر فحوّلت وجهها عنهما إلى الحائط واحتجّت عليهما، ولكن احتجاجها لم يزدهما إلاّ إصراراً على باطلهما، فقالت في آخر اللقاء لأبي بكر: والله لأدعونّ عليك في كلّ صلاة أصليها.. ثمّ إنها لمّا ثقلت أوصت أمير المؤمنين{ع} بوصاياها ومنها: إنها أوصت ببساتينها السبعة لعليّ ومن بعده لأولادها وأوصت لأزواج النبي {ص} لكلّ واحدة منهن اثنتا عشرة أوقية، ولنساء بني هاشم مثل ذلك ولإمامة بنت أبي العاص بشيء. وأوصت لزينب ابنتها إذا بلغت ـ ما في المنزل...
وأوصت أمير المؤمنين أن يتّخذ لها نعشاً رأت الملائكة صوّرت لها صورته ..وأن لا يشهد أحد ممّن ظلمها جنازتها ولا أن يصلّوا عليها. وأن يتزوج بإمامة ابنة أختها زينب لتقوم بشئون ولدها.. وأنّه إذا أنزلها في القبر وسوّى التراب عليها , يجلس عند رأسها قبالة وجهها ويكثر من تلاوة القرآن فإنّها ساعة يحتاج الميّت فيها إلى اُنس الأحياء ... وأن لا يعلم بموتها إلاّ اُمّ سلمه واُم أيمن وعبد الله بن العباس وسلمان والمقداد وأبا ذر وعمار وحذيفة... اللهم اجعلنا ممن ترضى عنهم فاطمة الزهراء ....
وماتت شهيدة مظلومة مهضومة، مكسورة الضلع، مسودّة المتن، ناحلة الجسم صابرة محتسبة فيما بين المغرب والعشاء.. بعد خمسة وسبعين يوماً من وفاة النبيّ {ص} في 13 جمادى الأولى سنة 11هـ.
وغسّلها عليّ {ع} ليلا ـ كما أوصت ـ، وكفّنها في سبعة أثواب, وصلّى عليها، وحضر في الصلاة على جنازتها الحسن والحسين وسلمان والمقداد وأبو ذرّ وعمار وحذيفة وعبد الله بن مسعود والعباس وعقيل بن أبي طالب , ولم يحضر جنازتها أحد ممّن ظلمها ... ودفنها عليّ{ع} ليلا وعفّى موضع قبرها. وعمل صورة عدة قبور لأجل إخفاء موضع قبرها... وفي خفاء قبرها الكثير من التساؤلات التي توقظ الضمائر لتصوّر جانباً من الإرهاب والكبت الذي كان سائداً في عصر ما بعد النبيّ{ص} وإعفاء أثر القبر الشريف هو النداء الخفيّ الذي لا يزال صداه يتردد عبر التاريخ وبه تتكرّر اللعنة على الظالمين: اللّهمّ ألعن أوّل ظالم ظلم حقّ محمّد وآل محمّد وآخر تابع له على ذلك... اللّهم العنهم جميعاً ....
لمّا أصبح الصباح من تلك الليلة التي دفنت فيها السيدة فاطمة الزهراء {ع} ، أقبل الناس ليشيّعوا جنازتها ، فبلغهم الخبر أنّها قد دفنت البارحة سراً . فتوجّهوا إلى البقيع يبحثون عن قبرها ، فأشكل عليهم الأمر ، ولم يعرفوا القبر الحقيقي لسيّدة نساء العالمين ، فضجّ الناس ، ولام بعضهم بعضاً ، وقالوا : لن يخلف نبيّكم إلاّ بنتاً واحدة ، تموت وتدفن ولم تحضروا وفاتها ، والصلاة عليها ، ولا تعرفون قبرها . ... ثمّ قال بعض ممن كان سببا في موتها : هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتّى نخرجها ، فنصلي عليها ، فبلغ ذلك الإمام علا{ع} ، فخرج مغضباً قد احمرّت عيناه ودموعه تجري على خده ، وعليه قباؤه الأصفر الذي كان يلبسه في كل كريهة ، وهو متكئ على سيفه ذي الفقار ، حتى ورد البقيع .ووقف بحيث يرونه ...
وصلت أليهم الأخبار , ان عليّاً في البقيع ، وهو يرتدي ثيابه الصفراء , وبيده ذو الفقار ..فنادى مناديهم : هذا علي بن أبي طالب قد أقبل كما ترونه يقسم بالله ..لئن حول من هذه القبور حجر ليضعن السيف على غابر الآمرين ، فتلقّاه بعضهم فقال له : ما لك يا أبا الحسن ، والله لننبشن قبرها ولنصلين عليها ، فضرب الإمام {ع} بيده إلى جوامع ثوبه ، فهزّه ثمّ ضرب به الأرض . وقال {ع}: ( أما حقي فقد تركته مخافة أن يرتد الناس ، ولكن قبر فاطمة فو الله الذي نفس علي بيده لأن لمست وأصحابك شيئاً من ذلك لأسقين الأرض من دمائكم ، فإن شئت فأعرض ) . فتلقاه آخر فقال : يا أبا الحسن ، بحق رسول الله وبحق من فوق العرش إلاّ خليت عنه ، فإنّا غير فاعلين شيئاً تكرهه ، فخلّى عنه وتفرّق الناس ، ولم يعودوا إلى ذلك .....
أين قبر الزهراء {ع} ولماذ اخفي إلى يومنا هذا؟؟؟..
لماذا لم يكن حال قبر الزهراء{ع} كما كان الحال بالنسبة لقبر أمير المؤمنين {ع} الذي أظهره الإمام الصادق عليه السلام للمسلمين بعد زوال ملك بني أمية .؟ فهل زالت أسباب إخفاء قبر الزهراء صلوات الله عليها؟.... كل هذه التساؤلات جوابها ..... عند الزهراء عليها السلام إنما أرادت تعلن استنكارها وغضبها على المجموعة التي كذبت بآيات الله واستكبرت عنها وخالفت أمر نبيها صلى الله عليه و آله و سلم ووضعت الأمر في غير أهله وقال قائلها حسبنا كتاب الله !! هذه المجموعة بعينها قد ولت و أصبحت في ذمة التاريخ وأمرها بين يدي الله ، ولكن قبر الزهراء عليها السلام ما زال مجهولا
لأن بقاء قبر الزهراء (ع) مجهولا غير معروف دليل على عدم معرفة قسم كبير من هذه الأمة الإسلامية صلاح أمرها إلى اليوم . ...ودليل على استمرار خط التكذيب بآيات الله ...ودليل على الإصرار على مخالفة أمر النبي (ص)... ودليل على الرضا بعدم وضع أمر الأمة في أهله الذين ارتضى الله لهم قيادة هذه الأمة ... ودليل على استمرار المؤامرة ضد دعوة الرسول (ص) لتغييرها ليبلغونها عوجا ,و على لسان فاطمة الزهراء نفسها صلوات الله عليها من خلال وصيتها الأخيرة نكتشف سر إخفاء قبرها إذ قالت لأمير المؤمنين عليه السلام وهي توصيه :
أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني فأنهم عدوي وعدو رسول الله ولا تترك ان يصلي عليّ أحد منهم ولا من اتباعهم وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار ...إلى أن قالت عليها السلام : وصل عليّّ وليصل عليّ الأدنى فالأدنى من أهل بيتي وادفني ليلا لا نهارا , وسرا لا جهارا وعف عن موضع قبري , ولا تشهد جنازتي أحدا ممن ظلمني.....
فأول المظلومين بعد الرسول (ص) هي فاطمة (ع) .. حتى أصبحت بقبرها المخفي رمزا للمظلومين والاضطهاد وهذا الظلم وبلسان فاطمة (ع) هو من أعداءها و أعداء رسول الله (ص)
هو ليس ظلم شخصي لفاطمة (ع) بقدر ما هو ظلم لكل الأمة التي تمثل فيها فاطمة (ع) الرمز لأن العدوان الذي حصل علي الزهراء (ع) إنما يهدف إلى منعها من الدفاع عن الإمامة التي هي قوام الأمة.
وفي زيارة الإمام الصادق (ع) لجدته فاطمة(ع) يخاطبها , السلام عليك أيتها الممتحنة امتحنك الله الذي خلقك, قبل أن يخلقك فوجدك لما امتحنك صابرة,....
ــــــــــــ> إذاً فاطمة (ع) هي رمز التولي والتبري الى الله ... وهي ميزان الرضا والغضب الإلهي ..فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله فاطمة بضعة مني يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها... كما أن قبرها المخفي شاهد ودليل على انحراف هذه الأمة بعد نبيها (ص) وعدم رعاية حق رسول الله (ص) وحفظ عهده .. وسيبقى قبر الزهراء (ع) المخفي يعلن لكل المسلمين عبر الأجيال انه معارض للإجماع على الباطل، ...وكل عقيدة لا تلتقي مع رضا فاطمة (ع) فلتبحث لها عن اسم آخر غير الإسلام الذي ارتضاه الله لعباده و وعليه قبر فاطمة المخفي عليها السلام والسؤال عنه هو سؤال يفتح باب الحق ويغلق باب الشبهات عبر التاريخ ,.
هكذا أفهمت الزهراء عليها السلام بموقفها ومن خلال وصيتها بإخفاء قبرها الشريف أفهمت كل مسلم يطلع على تاريخ الإسلام والمسلمين أن القضية هي قضية اعتداء على الله ورسوله (ص) ، واعتداء على حق الأمة المتمثل بحقها، وان إخفاء قبرها الشريف هو قرار إدانة صريح لكل من رضي بفعل من ظلمها حقها إلى يوم القيامة، وان استمرار إخفاء قبرها هو قرار بعدم مسامحة من يجترئ على الله سبحانه وتعالى وعلى رسوله الكريم {ص}وان شكوى الزهراء (ع) ما زالت قائمة على الظالمين .
وطالما أن قبرها الشريف لا يزال مخفيا فلا يحق لأحد أن يسامح عدوا للزهراء (ع) أو يرضى أو يسامح من رضي بفعل أعداء الزهراء (ع) ... لانه اشراك بأمر التعدي على بضعة المصطفى صلوات الله عليها وجرأة على الله ورسوله فكما لم تسامح الزهراء (ع) فليس لنا أن نسامح لان المسامحة تعني إعطاء صك الشرعية بالعدوان بدءا من العدوان على الزهراء (ع) إلى يومنا هذا.... والزهراء (ع) رحلت عن هذه الدنيا وهي مصرة أن تشكو ظالميها لرسول الله (ص).. وعن الامام الصادق عليه السلام قال :كانت لنا امة بارة , خرجت من الدنيا وهي عليهما غضبى ,ونحن لا نرضى حتى ترضى.....
استشهاد الصديقة فاطمة الزهراء (ع)
موضوع إسقاط الجنين , والسبب في إسقاطه - قد تقدم أن المقدسي ينسب إسقاط المحسن ، بسبب ضرب عمر للزهراء ( ع ) إلى الشيعة .منها :...
1- " قال : منها ما رواه البلاذري ، واشتهر بين الشيعة : أنه حصر فاطمة في الباب ، حتى أسقطت محسنا ، مع علم كل أحد بقول أبيها : بضعة مني ، من آذاها فقد آذاني " وقال : وهو يعدد أولاد علي عليه السلام " والسقط الذي سماه النبي صلى الله عليه وآله في حياته - وهو حمل -
2- وقال عماد الدين الطبري ( من علماء القرن السابع ) ، ما ترجمته : " وقالوا : إن فاطمة ( ع ) ، أسقطت محسنا ، بسبب ضرب عمر لها على بطنها " ..
3 - وقال السيد تاج الدين علي بن أحمد الحسيني ( وهو من أعلام القرن الحادي عشر هجري ) : " سبب وفاتها هي من الضرب الذي أصابها ، وأسقطت بعده الجنين " .
4- إثبات الهداة : ج 2 ص 370 والصراط المستقيم للبياضي رحمه الله ، ج 3 ص 12 . كامل بهائي ( فارسي ) : ص 309 .
5- التتمة في تواريخ الأئمة : ص 28 ( ط سنة 1412 ه ) توزيع دار الكتاب الإسلامي بيروت . ( * ) هناك مقولة تخص مولاتنا الزهراء(عليها السلام)
هناك مقولة تقول ((على معرفتها دارت القرون الأولى )ما معنى العبارة؟هل هي جزء من رواية؟ .. الجواب :... الرواية ذكرها الشيخ الطوسي في (الأمالي 668) عن أبي عبد الله{ع} ...
ذكر في معنى الحديث أن جميع الأنبياء والمرسلين(عليهم السلام) أمروا أممهم بمعرفة الصديقة الكبرى(عليها السلام) وكلفوهم عرفان المقامات الفاطمية أي إن أحكام جميع الأمم وتكاليفهم الشرعية منوطة بمعرفة الزهراء (عليها السلام) أي أن السعادة والشقاء لأهل كل زمان تدور مدار التولي والتبري لجناب الصديقة الكبرى.و هذا الأمر ثابت في الروايات. ....
عن علي (عليه السلام) : (بينا رسول الله آخذ بيدي و نحن نمشي في بعض سكك المدينة ... فلمّا خلا لي الطريق اعتنقني ثم أجهش باكياً ، قلت : يا رسول الله ما يبكيك؟ قال : ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك الا من بعدي ، قال : قلت : يا رسول الله في سلامة من ديني ؟ قال : في سلامة من دينك) (مجمع الزوائد 9/ 118 عن أبي يعلى والبزار بسند صححه الحاكم والذهبي وابن حبان ، وراجع نفس السند في المستدرك 3 / 13).
عن الطبري بسنده : ((أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين ، فقال : والله لأحرّقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة ... ))(تاريخ الطبري 3/202 ، وقريب منه ابن أبي شيبه من مشايخ البخاري في المصنف 7/432) .
عن البلاذري بسنده : (( إن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة ، فلم يبايع ، فجاء عمر ومعه فتيلة ، فتلقته فاطمة على الباب ، فقالت فاطمة : يا بن الخطاب أتراك محرّقاً عليّ بابي ؟! قال : نعم ... ))(أنساب الأشراف 1/ 586 ، وقريب منه ابن عبد ربه في العقد الفريد 5/13 وأبو الفداء في المختصر في أخبار البشر 1/156) .
عن عروة بن الزبير : (( أنه كان يعذر أخاه عبد الله في حصر بني هاشم في الشعب وجمعه الحطب ليحرقهم ، قال عروة في مقام العذر والاعتذار لأخيه عبد الله بن الزبير : بأن عمر أحضر الحطب ليحرق الدار على من تخلّف عن البيعة لأبي بكر )) (مروج الذهب 3/86 ، شرح ابن أبي الحديد 20/147) .
الاستنصار
قال سلمان: فلما كان الليل حمل علي (عليه السلام)، فاطمة (عليها السلام) على حمار، وأخذ بيد ابنيه الحسن والحسين (عليهما السلام)، فلم يدع أحدا من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا أتاه في منزله، فناشدهم الله حقه ودعاهم إلى نصرته، فما استجاب منهم رجل غيرنا أربعة، فإنا حلقنا رؤوسنا، وبذلنا له نصرتنا، فلما أن رأى علي (عليه السلام) خذلان الناس إياه وتركهم نصرته واجتماع كلمتهم مع أبي بكر وتعظيمهم إياه لزم بيته.
وفي رواية ابن قتيبة: خرج علي (عليه السلام) يحمل فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على دابة ليلا يدور [ بها ] في مجالس الأنصار تسألهم النصرة، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله! قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به..! فيقول علي (عليه السلام): " أفكنت أدع رسول الله {ص} في بيته لم أدفنه وأخرج أنازع الناس سلطانه..؟! " فقالت فاطمة (عليها السلام): " ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له وقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم ".
وكان الإمام يزور قيها بين فترة وأخرى .. يقف على قبرها ... يبكي عندها ويبث لواعجه ..ويقول :
مالي وقفت على القبور مسلماً قَبْرَ الحَبِيْبِ فَلَمْ يَرُدَّ جَوَابِي
أحبيبُ ما لك لا تردُّ جوابنا أنسيتَ بعدي خلة الأحبابِ
قَالَ الحَبِيْبُ: وَكَيْفَ لِي بِجَوَابِكم و أنا رهين جنادل وتراب
أكل الترابُ محاسني فنسيتكم و حجبت عن أهلي وعن أترابي
https://telegram.me/buratha