حسن الهاشمي
الصراع بين الحق والباطل كان ومازال وسيظل إلى أن يرث الله تعالى في آخر الزمان الأرض ومن عليها عباده الصالحون قال تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ). (الأنبياء105) واقتضت ارادة الله بأن يرفع الحق ويدمغ الباطل ويركمه فيقع في حضيض الدنيا وما ينتظره من خزي في الآخرة أشد وأقسى، ربما هذه القاعدة العقلية والنقلية تتجلى في زمن الرسول وخلفائه الأصلاء أكثر من غيرها من الأزمنة والأمكنة التي تعيش فسحة الأمل ببزوغ الفجر وانبلاج الصبح، وها هي كربلاء تستصرخنا مرة أخرى بأنها عقرت على طريق الحق، ذبحت وما تزال أوداجها تقطر دما عبيطا ولكنها بقيت شامخة تناطح السحاب وتتعالى عن كل أفك وجور وظلم.
الصراع مرير ودوافعه عقائدية نفعية، عقائدية لمن يخاف الله واليوم الآخر، يتصرف بحنكة وهمة عالية من أجل القيم والتسامح ولا يحمل في قلبه سوى المحبة ليس لعشاقه فحسب بل للذين خرجوا لقتاله وشهروا السلاح بوجهه، نعم هكذا علمنا الإمام الحسين بأن المحبة تشمل الجميع لأن الاسلام جاء للبشرية قاطبة وعمره لا يحسب لفئة أو جماعة دون أخرى، فالعقائد الحقة التي تريد إرجاع نصاب الحق إلى التواقين للحرية والكرامة، هي ذاتها التي هددها يزيد وأتباعه بحرابه وبطيشه وبمجونه ايغالا منهم بالترف الدنيوي، وهكذا بقيت العلاقة بين العقيدة ومآثرها وحب الدنيا ومخاطرها هي السائدة وقتذاك والآن وغدا، إلى أن يظهرها صاحبها الذي ادّخره الله تعالى لإنقاذ الدنيا من ظلمهم وجورهم وجبروتهم وطغيانهم الذي كانوا وما زالوا فيه يعمهون، ولكن عدالة السماء لهم بالمرصاد وإن طال النوى.
ولكشف الحقائق ووضع النقاط على الحروف وإماطة اللثام عما كان مستورا من زيف الوعاظ وطيش الحكام الذين ما انفتأوا إلا ويحيكون المؤامرات تلو الأخرى للنيل من قداسة ثورة الإمام الحسين، وإنهم يعلمون قبل غيرهم إن من وقف معها حفر اسمه في الشرفاء الكرماء ومن وقف بالضد منها ارتكس في وحل الخيبة والخذلان، ومثلما كانت نهضة كربلاء صافية ولا صفاء اللجين، ومثلما صرح سيد الشهداء: لعمري ما الامام إلا العامل بالكتاب، والآخذ بالقسط، والدائن بالحق، والحابس نفسه على ذات الله، ومثلما جسد بحركته الخالدة كل صفات الخير والنبل والشهامة والكرامة، فإننا نرى على النقيض من ذلك موقف يزيد واتباعه الموغل في الإسفاف والرذيلة والفساد والانحطاط الخلقي والقيمي والانساني، وثنائية القيم والرذيلة ما زالت في صراع ما بقي الدهر ولكن العاقبة دائما لأهل التقوى وإن كان لأهل الهوى جولة هنا ودولة هناك، والأمور تنظر بخواتيمها (وأما الزبد فيذهب جفاءً وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).
وكما قيل في محله الكفر ملة واحدة، أهدافهم واحدة مخططاتهم واحدة نواياهم واحدة، ولا غرابة من يخرج علينا اليوم للدفاع عن الطاغية يزيد وأتباعه ومناصريه الذين ارتكبوا أبشع جريمة في تاريخ البشرية بقتلهم الحسين عليه السلام سبط الرسول وقرة عين البتول، لا غرابة من يخرج اليوم ويحاول تبرئة يزيد وبطانته من تلك الجريمة النكراء ويحاول لاهثا دون دليل قاطع أو حجة دامغة إلا من ترهات وتبسيط شديد لحركة التاريخ أن يرمي كرة الجريمة بساحة الشيعة وبالذات الكوفيين منهم، باعتبار أن الصفة الغالبة عليها أنها شيعية في حقب زمنية متعددة! ويستنتج من وهم الخيال أنها هي التي دعت امامها الحسين وغدرت به! وتغافل او استغفل أن الكوفة كانت آنذاك على مذهب أهل السنة والجماعة وينقل التاريخ إن الإمام علي عليه السلام عندما أنكر في المسجد إقامة صلاة التراويح بإمام انبرى له المصلون هاتفين "وا سنة عمراه"! والقول الفصل في خطاب الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء للذين تجمعوا لقتاله، قال الخوارزمي في مقتله فصاح بهم: ويحكم، يا شيعة آل أبي سفيان! إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارا في دنياكم هذه، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عربا كما تزعمون.
مواقف سجلها التاريخ لطرفي المواجهة تنطق أيهما على حق وأيهما على باطل، ليتعرّف كل إنسان منصف له قلب نابض على الحقيقة ولا شيء غيرها لأنها تبقى مبتغانا دائما وأبدا، فأين التقى الذي يمثله الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه من الخنى الموغل فيه يزيد وأتباعه؟! وهذه هي سنة الله تعالى في الكون حيثما يوجد حق يوجد باطل، ولا يمكن للإنسان أن يتكامل ما لم توجد فيه مبررات الكمال، ولا يستطيع الانسان أن يتسافل ما لم توجد فيه موجبات التسافل، وكلما ظهر مصلح انبرى له طاغ يعارضه، كلما وجد ابراهيم وجد أمامه نمرود وكلما وجد موسى وجد بالضد منه فرعون، وكلما وجد الحسين عليه السلام وجد بالتضاد معه يزيد، هكذا اقتضت سنة الكون كلما وجد الحق وجد الباطل، والصراع بينهما هو الذي يحدد انسانية الانسان أو حيوانيته.
ومن خرج لقتال الحسين عليه السلام إنما خرج لقتل الفضيلة والقيم
https://telegram.me/buratha