بسم الله الرحمن الرحيم
عمران بن عبد المطلب المكنى بابي طالب سيد قريش وبن سيدها بلغ من الكمالات ما أهله للسيادة في مكة رغم فقره.
ابوه السديد عبد المطلب نال من العظمة الشيء الكبير وبخاصة بعد حفر بئر زمزم ولقب بسيد البطحاء وساقي الحجيج وحافر زمزم وكان ملجأ ومأمناً للناس في الشدائد والهزائز والقحط والمخصمة وكان له عشرة اولاد وست بنات وكان عبد الله ابرز اولاده وكانت أمه وام ابي طالب والزبير فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عبد بن عمران بن مخزوم.
مظلومية الناصر:
ادعى البعض ممن ليس له باع في التاريخ او انصاف في التحقيق اما لجهل او لعداوة لآل البيت عليهم السلام او انتصاراً لاعدائهم من الأمويين ان مؤمن قريش ابا طالب مات مشركاً مستنداً الى ادعاءات باطلة معرضاً عن البراهين الجلية التي تشهد باسلام بل بايمان ابي طالب، ومن هنا فالحق القول ان المظلومية العظمى لحقت هذا الرجل المجاهد الناصر بعد وفاته من قبل بعض المسلمين اكبر مما لحقه من المشركين.
أدلة الإيمان:
الأوّل: لَمّا حضر أبو طالب عليه السلام مجلس زواج النبيّ صلّى الله عليه وآله من خديجة رضي الله عنها، قام في الحاضرين خطيباً فقال: «الحمدُ للهِ الذي جَعَلَنا مِن ذُريّة إبراهيمَ وزَرعِ إسماعيل، عُنصرِ مُضَر، وجَعَلَنا حَضَنةَ بيتهِ وسُوّاسَ حرمهِ «جمع سائس، أي خَدَمته»، وجعل لنا بيتاً محجوباً، وحَرَماً آمناً، وجَعَلَنا الحكّامَ على الناس.
ثمّ إن محمّدَ بنَ عبد الله ابنَ أخي مَن لا يُوزَن به رجلٌ مِن قريش إلاّ رَجَح عليه، بِرّاً وفضلاً، وكرماً ومجداً ونُبلاً. فإن كان في المال قّل، فالمال ظِلٌّ زائل، ورزقٌ حائل. وقد خطبَ خديجةَ بنت خُوَيلد، وبذل لها مِن الصَّداق ما عاجِلُه وآجِلُه مِن مالي (كذا وكذا)، وهو ـ واللهِ ـ بعد هذا له نبأٌ عظيم، وخطرٌ جليل»[1].
الثاني: شعره عليه السلام في الإسلام ورسوله ما ملأ ديواناً شامخاً، وهو ممّا حُفِظ له وجُمع، حتّى وقف عنده الأدباء والمؤرّخون مُعجَبين ومُتعجّبين.. أيُقال ذلك في مِثلِ الظروفٍ تلك، على مسمع الملأ من قريشٍ والمشركين واليهود؟! وفي أشعاره التأييد الواضح والنُّصرةُ المجاهدة المتحدّية والإيمانُ الصادع والموقف الصادق الثابت! وهذه بعض أبياته:
ليعلم خيار الناس أن محمدا نبي كموسى والمسيح ابن مريم[2]
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا رسولا كموسى خط في أول الكتب؟[3]
وقال أبو طالب عليه السّلام مخاطباً رسول الله صلّى الله عليه وآله:
واللهِ لن يَصِلوا إليـك بِجمعِهِـم حتّى أُوَسَّدَ فـي التـرابِ دَفينـا
فاصدَعْ بأمرِكَ ما علَيك غضاضةٌ وأبْشِرْ بـذاك وقَرَّ منـك عُيونـا
ودَعوتَني وعلمتُ أنّـك ناصحـي ولقد دَعَـوتَ وكنـتَ ثَـمّ أمينـا
ولقـد علمـتُ بأنّ دِيـنَ محمّـدٍ مِـن خيـرِ أديـانِ البَـريّةِ دِينـا[4]
وقال أيضاً:
لقد أكـرمَ اللهُ النبـيَّ محمّـداً فأكرمُ خَلْقِ اللهِ في الناسِ أحمدُ
وشَقّ لـه مِـن إسمِـهِ لِيُجِلَّـهُ فَذُو العرشِ محمودٌ وهذا محمّدُ[5]
الثالث: جاء في الأخبار أنّ قريشاً دَفعَت بعض سفهائها إلى أن يُلقيَ سَلا الناقة على ظَهر النبيّ إذا ركع في صلاته ففعلوا، فما أن بلَغَ الخبرُ أبا طالبٍ حتّى خرج مُغضَباً مع عبيدٍ له، فأمرهم أن يُلقُوا السَّلا عن ظهر رسول الله صلّى الله عليه وآله ويَغسلوه، ثمّ أمرهم أن يأخذوا السَّلا فيُمِرُّوه على أسبِلَة القوم -أي شواربهم- وهم إذ ذاك وجوهُ قريش! وأقسم أبو طالبٍ بالله ألاّ يبرحَ أحدٌ منهم حتّى يُفعَلَ ذلك بهم، حتّى أذلّ جماعتهم وأخزاهم![6]
الرابع: ينقل ابن الأثير في أنّ أبا طالب عليه السلام قال لابنه عليٍّ عليه السّلام في رسول الله صلّى الله عليه وآله: أمَا إنّه لا يَدْعُونا إلاّ إلى الخير.. فالزَمْه[7].
فيما كتب ابن الأثير: أنّ أبا طالب رأى النبيَّ وعليّاً يُصلّيان، وكان عليٌّ عليه السّلام على يمين رسول الله، فقال أبو طالب لولده جعفر: صِلْ جَناحَ ابنِ عمّك، وصَلِّ عن يساره. قال: وكان إسلام جعفر بعد إسلام عليٍّ بقليل[8].
الخامس: جاء في «الطبقات الكبرى لابن سعد 78:1/ باب ذِكر أبي طالب وضمّه لرسول الله ـ طبع سنة 1325هـ»، أنّ أبا طالب رضوان الله عليه لَمّا حضَرَته الوفاة، دعا بني عبد المطّلب فقال لهم: «لن تزالوا بخيرٍ ما سِمِعتُم مِن محمّد، وما اتّبَعْتُم أمرَه، فاتَّبِعُوه وأعِينُوه ترشدوا».
رحيل في الظرف الصعب:
ذكر الشبلنجيّ الشافعيّ في كتابه «نور الأبصار في مناقبِ آل بيتِ النبيِّ المختار ص 27 ـ 28 / فصل في تعاهد قريش على قتله صلّى الله عليه وآله وموت عمّه أبي طالب ـ ط 1 سنة 1405 هـ»، عن الإمام عليّ رضي الله عنه أنّه قال: لمّا مات أبو طالبٍ أخبرتُ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله بموته، فبكى ثمّ قال: اذهَبْ فاغسِلْه وكفِّنْه ووارِه، غَفَر اللهُ له ورَحِمَه. قال: ففعلت، وجعل رسول الله صلّى الله عليه وآله يستغفر له أيّاماً.
.. قال ابن عبّاس: عارضَ رسولُ الله جَنازةَ أبي طالب وقال: وَصَلْتَ رَحِمَك، وجزاك اللهُ خيراً يا عَمّ.
فيما كتب الشيخ المفيد: لَمّا قُبض أبو طالب رحمه الله، أتى أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام رسولَ الله صلى الله عليه وآله، فآذَنَه بموته، فتوجّع لذلك النبيّ وقال: إمضِ يا عليّ فتَوَلَّ غُسْلَه وتكفينه وتحنيطه، فإذا رفعتَه على سريره فأعلِمْني.
ففعل ذلك أميرُ المؤمنين عليه السّلام، فلمّا رفعه على السرير اعترضه النبيّ فَرَقّ له وقال: وَصَلتَ رَحِماً، وجُزِيتَ خيراً؛ فقد رَبَّيتَ وكَفَلتَ صغيراً، وآزَرتَ ونَصرتَ كبيراً. ثمّ أقبل على الناس فقال: أمَا واللهِ لأشفَعنّ لعمّي شفاعةً يَعجَبُ منها أهلُ الثَّقَلَين![9]
[1]ـ المستطرف في كلّ فنٍّ مُستظرف للأبشيهي 249:2/ في النكاح وفضله والترغيب فيه، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
[2]ـ المستدرك على الصحيحين للحاكم النَّيسابوري 623:2 / كتاب الهجرة إلى الحبشة، طبع دار المعرفة ـ بيروت.
[3]ـ السيرة النبويّة لابن هشام 289:1/ خبر الصحيفة، ط 1 سنة 1416 هـ ـ القاهرة.
[4]ـ تاريخ أبي الفداء 120:1/ ذكر وفاة أبي طالب، الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني 198:7/ الترجمة 10175.
[5]ـ تاريخ الخميس للدياربكري254:1/ كفالة أبي طالب لرسول الله، طبع بيروت.
[6]ـ إيمان أبي طالب للشيخ المفيد ص 22 ـ طبع المؤتمر العالميّ لألفيّة الشيخ المفيد / سنة 1413هـ.
[7]ـ الكامل في التاريخ 38:2 ـ طبع بيروت سنة 1387هـ.
[8]ـ أُسد الغابة في معرفة الصحابة 542:1/ الترجمة 759ـ طبع بيروت.
[9]ـ إيمان أبي طالب ص 25 ـ 26.
8/5/140527
https://telegram.me/buratha