نساء وأطفال اصطفّوا في زوايا الخيام المنصوبة بغير انتظام، فارّين من دوي المواجهات التي اندلعت العام 2012 بين الجيش الكونغولي وحركة التمرّد “أم 23”.. نظراتهم الواجمة تشي بعمق معاناتهم، ووجوهم الشاحبة تبعث بصرخات إغاثة، طالبة الحصول على حقّهم في حياة كريمة في هذا المخيم المؤقّت الواقع على بعد 12 كم غربي “غوما”عاصمة مقاطعة شمال كيفو، والذي يحمل اسم “موغونغا1”.
و”أم23” هي حركة مؤلّفة من عسكريين كونغوليين سابقين، وخصوصا من الناطقين بالرواندية، الذين تمرّدوا، ودعمتهم حكومتي أوغندا ورواندا بالرجال والذخيرة، بحسب جمهورية الكونغو الديموقراطية والأمم المتحدة.
وتحتشد النساء تحت الأقمشة البلاستيكية البالية بفعل الوقت والأمطار، استعدادا للإفطار.. لم يكن طبق الـ “فوفو” (خليط من دقيق الكسافا والذرة) والفاصوليا ليسدّ رمق الصائمين، بيد أنّ مرآه على الأرض كان يبعث في تلك النفوس المرهقة البعض من الأمل.. في الخارج، قامت مجموعة من اللاجئين بتشييد مشرب صغير من بقايا القماش المشمّع المستخدم في صنع الخيام.. أمّا النساء، فقد حوّلن جزء من المخيّم إلى ما يشبه السوق.
فضاء صغير يعرضن فيه أطباقا من الدقيق والكسافا، والفول السوداني، أو الكعك. سيدة في الستين من عمرها تكفّلت، من جانبها، ببيع الزيت، في حين قرّر صبي تولّي مهمة رعي بعض الماعز الهزيل.. مهمة “مؤقتة” قد تدرّ عليه القليل من الحليب، رغم شبه غياب كلّي للمرعى على امتداد البصر، في تلك الأراضي التي ما تزال حمم ثورة بركان “نياراغونغو”، والتي جدّت العام 2002، بادية على تضاريسها بشكل مثير للإحباط.
منذ التاسع والعشرين من يونيو/ حزيران، موعد حلول شهر رمضان الكريم، تغيّر وقع حياة هؤلاء اللاجئين، بما يتناسب والضيف الفضيل.. فالمثل العليا لهذا الشهر، والتي تكرّس عقيدة الإيمان والصبر، خفّفت من معاناتهم، بيد أنّ معضلة الجوع وشبح المجاعة أطبقا بثقلهما على أفئدة الأطفال والنساء والرجال.. فعلى غرار الشعوب الاسلامية قاطبة، ينقطع أولئك اللاجئون عن الطعام والشراب طيلة اليوم، إلاّ أنهم في أحيان كثيرة يضطرّون إلى الإكتفاء بالنزر القليل ممّا توفّر من خليط الكسافا والذرة عند الإفطار.
أداء فريضة الصيام يثير البهجة في نفوس لاجئي مخيم “موغونغا1”.. فالقيم الروحية والدينية غالبا ما تلقى صداها بشكل أكثر عمق لدى الناس الذين خبروا مذاق النزاعات والحروب. لكن شبح الجوع ما فتئ يخيّم على أولئك اللاجئين، نظرا لارتباطهم من الناحية الغذائية بالمساعدات الانسانية، وسرعة وصولها إليهم على وجه الخصوص.
ممثّل اللاجئين المسلمين في المخيم “مصطفى بانغالا”، وهو أيضا أب لـ 5 أطفال، قال، في تصريح للأناضول، “لم نحصل على مساعدات انسانية منذ ما يزيد عن الستة أشهر”.
وأضاف متسائلا “نحصل بصعوبة على الغذاء خلال الأيام العادية، فكيف يمكننا المقاومة لشهر كامل (رمضان)؟”.
وبالنسبة لـ “خديجة عمري”، وهي أيضا أم لـ 5 أطفال، فالأمور - كما تراها - على قدر من الوضوح و”صيام رمضان واجب على جميع المسلمين مهما كانت الظروف”، غير أنها “لا تدري” كيف سينتهي الشهر الكريم، متسائلة عمّا إذا كان بإمكان “المعتنقين الجدد للدين الإسلامي الصمود إلى نهاية شهر رمضان”.
واستدركت قائلة “مهما يكن من أمر، علينا احترام هذا الشهر”.
حالة البؤس التي تغشى الوجوه والمخيم عموما لم تأت على بقايا أمل ما يزال يراود هؤلاء اللاجئين بدنوّ الفرج .. فهم على يقين بأنّ المسلمين عبر العالم سيهبّون لنجدتهم خلال الشهر الكريم.
”مصطفى باناغالا” قال “نحن على يقين، بل مقتنعون بأنّ إخوتنا ممّن سيصلهم نداؤنا، سيبدون تفاعلا سريعا مع وضعيتنا، لأنّ الإسلام يحثّ على التضامن وعلى حبّ الآخرين، ولأنّ رمضان يذكّرنا بكلّ تلك القيم السمحة”.
من جهتها، قالت “هاسيات موهونغو” وهي أرملة وأم لـ 7 أطفال “إنّه الوقت الملائم لنثبت للعالم أنّ حبّ المسلمين لبعضهم يفوق كلّ الحدود”.
وتابعت قائلة “ساعدونا ما استطعتم”.
”باناغالا” رأى أنّ الحصول على مساعدة لـ “ترميم” المسجد، سيكون أمرا جيّدا، ذلك أنّه “في صورة حصولنا على أقمشة مشمّعة، فسنقضي شهر رمضان في مسجد في حالة حسنة”، مضيفا “نحن نعوّل على صلاوات إخوتنا ليعمّ السلام جمهورية الكونغو الديمقراطية، وليعود جميع اللاجئين إلى ديارهم”.
في العام الماضي، سجّل المجتمع الإسلامي في “غوما” حضوره في المخيم خلال شهر رمضان، وذلك من خلال توفير قطع القماش المشمّع والسكر والأرز.
أما هذه السنة، ورغم مرور 11 يوما على حلول رمضان، إلاّ أنّه لا أحد من زعماء الدين في المخيّم تلقى برنامج زيارة أو مساعدة من قبل المجتمع المسلم في “غوما”، بحسب مراسل الأناضول.
المنظمات غير الحكومية الناشطة في المنطقة، تجد نفسها، في المقابل، مجبرة على تقديم المساعدات الإنسانية لأولئك الذين يعتبرون الأكثر تضرّرا أو ضعفا، لاسيّما ضحايا العنف الجنسي، والمعوقين والمسنين.
وأوضح الممثل الإقليمي للمسلمين بمدينة “غوما” “يوسف جومابيلي”، في اتّصال أجراه معه مراسل الأناضول، بخصوص نقص المساعدات المقدمة للاجئي “غوما” قائلا “لقد أرسلنا لائحة تضم حاجياتنا إلى شركائنا في كلّ من فرنسا والكويت. وإلى حدّ الآن، وحدها الكويت من وعدت بالتدخّل طيلة الشهر الكريم، دون تقديم المزيد من التوضيحات”.
وفيما يتعلّق بالمساعدات المحلّية، اعترف “جومابيلي” بأنّهم لا يملكون “الميزانية اللازمة لتقديم المساعدات”، مضيفا “لقد كان بودّنا التدخّل، لكنّنا لا نمتلك الموارد”.. مشهد حزين ذاك الذي يرتسم على ذلك الامتداد الجغرافي القريب من “غوما”، إلاّ أنّ قوّة إيمان المسلمين المقيمين في مخيم “موغونغا1” تغلّبت على الحاجة وعلى الجوع، والأهمّ من كلّ ذلك أنّهم لم يفقدوا بعد إيمانهم بحدوث “معجزة” تفتح أمامهم سبل الحياة الكريمة.
https://telegram.me/buratha