روي عن النبيِّ محمدٍ(صلّى الله عليه وآله) أنهُ قال: (ستدفَنُ بضعةٌ منّي بخراسانَ ما زارَها مكروبٌ إلّا نفّسَ اللهُ كربَهُ، ولا مذنبٌ إلّا غفرَ اللهُ لهُ ذنوبَهُ). في الحادي عشر من شهر ذي القعدة الحرام عام (148) للهجرة وفي المدينةِ المنورةِ، لاحت بشائر متلألئة تهبط إلى الأرض من عوالم الغيب، لتمنّ على أهل الأرض بولادة نورٍ مقدّس من أنوار الإمامة الإلهية الساطعة، حيثُ عمَّ الفرحُ والسرورُ بيتَ الإمامِ موسى بنِ جعفرٍ(عليه السلام) وابتَهَجَ المُوالونَ لَهذا البيتِ الشامخِ الرفيع الذي أذِنَ اللهٌ أن يُرفَعَ ويُذكَرُ فيهِ اسمُه، وأشرقتِ الأرضُ وازدانتِ السماءُ بولادةِ خيرِ أهلِ الأرضِ الإمام عليّ بن موسى الرَضا وسميّ المرتضى(عليهما السلام)، وكان ذلك بعد وفاةِ جدّه الإمامِ الصادقِ(عليه السلام) بخمسِ سنينَ، وأمُّهُ أمُّ وَلَد اسمُها (تكتُمُ) وقيلَ (نجمةُ) وهي من أفضلِ النساءِ في عقلِها ودينِها، وقد سمَّاها الإمامُ الكاظمُ(عليه السلام) الطاهرةِ.
ومِنَ السائدِ والمتعارفِ عند الموالين للبيتِ العلويِّ الطاهرِ وشيعةِ أهلِ البيتِ(عليهم السلام)، أن تبدأَ حياة الإمام المعصوم بِكرامةٍ وتنتهيَ بِكرامة، أمّا بالنسبةِ إلى الإمام الرِضا(صلوات الله عليه)، فهناك كرامةٌ باطنةٌ وهي كرامةُ ما قبلَ الولادةِ الشريفةِ الطاهرة، نرى من المفيدِ الإشارةَ إليها.
عنِ الشيخِ الصَدوقِ بِسَنَدٍ ينتهي إلى علي بن مَيثَم عن أبيه، قال: سَمِعتُ أمّي تقول: سَمِعَتُ نجمةَ أمِّ الرِضا تقول: "لمّا حَمَلتُ بابني الرِضا لم أشعرْ بِثِقْلِ الحملِ، وكنتُ أسمعُ في منامي تسبيحاً وتهليلاً وتمجيداً مِن بطني، فَيُفْزِعُني ذلك ويهولُني، فإذا انتبهتُ لم أسمعْ شيئاً، فلمّا وَضَعْتُهُ وَقَعَ على الأرضِ واضعاً جَبْهَتُهُ على الأرضِ رافِعاً رَأسهُ إلى السماءِ، يُحرِكٌ شَفَتَيْهِ كأنّهُ يَتَكَلَم، فَدَخَلَ إليَّ أبوهُ موسى بن جعفر(عليه السلام) فَقالَ لي: "هنيئاً لَكِ يا نجمة، كرامةٌ لكِ من ربِّكِ". فَناوَلتهُ إيّاهُ في خِرقَةٍ بَيضاءَ فَأخذَهُ وَأذَّنَ في أُذُنُهِ اليُمنى وأقامَ في اليُسرى ودعا بِماءِ الفُراتِ فحَنَّكَهُ فيهِ، ثمّ ردَّهُ إليَّ وقالَ لي: "خُذيهِ يا نجمةُ فَإنّهُ بَقيَّةُ الله في الأرض".
فَبورِكَ مولودٌ وبورِكَ مَوْلِدٌ أبوهُ عليُّ الخيرِ والجدُّ أحمدُ
إنّ الغوص في بحر فضائل الإمام الرضا(عليه السلام) والتعرّض لزهده والإشادة بكرمه وكراماته حديثٌ يأخذ الوقت منا مأخذه ولا ينتهي بيومٍ وليلة، وطبقاً لقاعدة -خير الكلام ما قلّ ودلّ- ودفعاً للإطالة، لا يسعنا إلّا أن نقف بين يدي الإمام الرضا(عليه السلام) في يوم مولده المبارك ونتمثّل قول الشاعر أبي نؤاس الذي وقف عاجزاً عن مدح الإمام الرضا(عليه السلام) حينما طُلب منه ذلك قائلاً:
قِيلَ لي: أنتَ أَوْحَدُ النّاسِ طُرّاً في فُنُونٍ مِنَ الكَلامِ النَبيهِ
لَكَ مِنْ جَوْهَرِ الكَلامِ بَديعٌ يُثمر الدرّ في يدَيْ مُجتَنيهِ
فعلى ما تركت مدح ابن موسى والخصالَ التي تجمّعن فيهِ؟
قلت: لا أهتدي لمدح إمامٍ كان جبريلُ خادماً لأبيهِ
فكانت ولادته(عليه السلام) تجلّياً جديداً للخير والهدى وحقيقة التوحيد، وكان(عليه السلام) قائداً ربّانياً منقذاً في عواصف التسلّط والهوى والانكفاء، وإماماً أماناً هو الثامن من أئمّة أهل البيت الطاهرين المعصومين(عليهم السلام)، مباركٌ هو يومُ مولده ومباركةٌ للناس هذه الهبةُ الإلهيةُ الكبيرة، وفّقنا الله تعالى في الدنيا لزيارته وأنالنا في الآخرة شفاعته، وتلك نعمة سابغة وفوز كبير، والسلامُ عليه يومَ وُلد ويومَ استُشهد مسموماً ويومَ يُبعث حيّاً..
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha