أن يوم الغدير قد شكّل محطة مهمة في تاريخ الرسالة الإسلامية تمثلت بانتقال الرسالة من مرحلة الولادة والوجود لمرحلة البقاء والخلود وذلك من تغيير الحامل الشخصي إلى الحامل النوعي كما يذكر ذلك المفسرون وبداية عصر جديد أضاف عمرا جديدا للرسالة لتمتد إلى يوم القيامة من خلال تنصيب من يحملها من الأولياء الصالحين بدءا بعلي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه وانتهاء ببقية الله الأعظم عجل الله له الفرج والنصرة.
وهذا هو جوهر الغدير الذي نحتفل به بإكمال الدين بأن أصبح خالدا وبتمام النعمة بأن أصبحت باقية غير زائلة وإرتضائه لنا من قبل الله لأنه أصبح ملائما لأن يمتد به العمر ويكون الدين الخاتم والذي يغطي احتياجات البشرية إلى يوم القيامة.
لكننا لو تمعنّا أكثر لوجدنا أن هناك آثار لهذا اليوم قد امتدت عبر السنين لتشكل في النفوس قواعد ثابتة وأسسا رصينة لدى الفرد الشيعي وتلك الآثار إنما ظهرت من خلال مقارنة الشيعي المؤتمر بيوم الغدير عن غيره ممن لم يأتمر.
بمعنى آخر أن الظروف العصيبة التي خاضها أتباع أهل البيت ع من بعد الغدير ليومنا هذا والعداء العجيب الذي جبهوا به والحروب التي شنت عليهم هي التي أفرزت لنا هذا الاختلاف النفسي والقيمي والأخلاقي والمبدئي ولولا ذلك العداء لربما لم يظهر ذلك التمايز بوضوح.
وبمعنى آخر أن أعداء أتباع اهل البيت ع ومن خلال تصرفاتهم قد مارسوا من حيث لا يشعرون عملية التعرية بحق أنفسهم ليكشفوا بذلك سوءاتهم وكلما توغلوا في العداء كلما اشتدت معالم غيّهم وضوحا واتضحت سوءاتهم أكثر.
حيث أن روح الولاية التي يبعثها الغدير في نفوس المؤمنين تؤسس لهم أمرين مهمين يتقوم بهما الاتجاه السياسي الإسلامي للفرد الشيعي :
الأول: لابد من موالاة أولياء الله والذين تمثل ولايتهم الإمتداد الطبيعي لولاية رسول الله والتي هي الوجه الظاهر والقريب للولاية المطلقة لله الحق { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } (سورة المائدة 55), وهذه الولاية يعتز بها الفرد الشيعي بل يعتبرها مدعاة للفخر ويتشرف بحملها ويمتلئ أملا بالنصر الدنيوي والأخروي
{ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } (سورة يونس 62 - 64)
هذه الولاية تجعل من الفرد الشيعي رافضا لكل من لا يمثل ولاية الله بل تجعله ثائرا على كل من هو عدو لله ولا يرضى بأن يتسلط عليه من لا يمثل الولاية الإلهية بل تجده يسعى لمن تطمئن نفسه بأنه أقرب إلى الله فتراه يتحرى الأعلم والأتقى في شؤونه العبادية ولا يرضى دون ذلك.
الثاني: أن موقف الغدير لم يأمر بولاية أولياء الله فحسب والذين كان يمثلهم علي بن أبي طالب ع آنذاك بل جرى اختيار الله من خلال الوحي المعصوم من خلال رسول الله المعصوم لولي الله المعصوم .
بمعنى أن حادثة الغدير قد ثبتت قواعد اختيار ولي الله ومواصفات الولي المطلوب والذي يمثل ولاية الحق سبحانه.
فأصبح الفرد الشيعي يبحث عن الأقرب شبها بعلي بن أبي طالب ع كي يتولاه وقد انعكس ذلك على التوجه الشيعي السياسي فنرى موقفه اليوم يتصف بالثبات يتصف بالاستقرار بالاتزان بالوضوح عدم التلون عدم التناقض عدم التذبذب.
التوجه الشيعي السياسي لديه أعلى درجات الدقة في تشخيص العدو ومعرفته ونواياه وحقيقته وذلك يفتقر إليه باقي المسلمين وهذا ما نراه اليوم فلان يؤيد داعش وبعد يومين يتبرأ من داعش فلان مع تركيا وبعد يومين ضد تركيا اليوم خائن الحرمين وغدا خادم الحرمين.
وكذلك نرى بالوقت نفسه عندما حاول النظام العفلقي زرع العداء بين الشعب العراقي والإيراني لمدة 35 سنة نرى أن عملا إستغرق كل هذه المدة تبدد في سنوات قلائل والسبب أن تولّي أولياء الله والتبري من أعدائهم متغلغل في صدور أبناء الشعبين فهم يعرفون العدو الحقيقي ويميزوه ويعادوه ويعرفون الصديق ويميزوه .
هذا ما فات إخواننا من المسلمين فأضحوا في تخبط مستمر فتارة لا يوالون ولي الله ويعادونه وساعة لا يعرفون كيف يميزونه
تلك هي آثار الغدير التي ربما لا نلتفت لها شكلت لنا نهجا في حياتنا السياسية إضافة للدينية ويبقى الغدير نعمة لن نوفي حق شكرها .
https://telegram.me/buratha