سيرته
الإمام الرابع : علي السجاد عليه الصلاة والسلام
اسمه الشريف : ( علي ) ، و كنيته : ( أبو الحسن ) ، وأشهر ألقابه : (السجاد ، وزين العابدين ) .
والده : الإمام أبو عبد الله الحسين عليه الصلاة والسلام . ووالدته : شهربانويه أو شاه زنان بنت الكسرى يزدجر وسماها أمير المؤمنين فاطمة وقيل مريم .
فعرف بابن الخيرتين ، كما قال الفرزدق :
وإن غلاماً بين كسرى وهاشم
لأكرم من نيطت عليه التمائم
ولادته عليه الصلاة والسلام
الخامس من شهر شعبان سنة 38 للهجرة .
من خصائص الإمام السجاد عليه الصلاة والسلام
1- أنه سيد العابدين في زمانه لم يسبقه أحد في عباداته وزهده وورعه .
2- أنه كان يعول أكثر من مئة بيت في المدينة ولا يعلم أصحابها من أين يعيشون ، فلما مات عليه الصلاة والسلام ، فقدوا ما كان يأتيهم فعلموا بأنه هو الذي كان يُعيلهم، وقالوا ما فقدنا صدقة السر حتى فقدنا علي بن الحسين زين العابدين .
3- أنه أحد البكائين الخمسة وهم : آدم لخروجه من الجنة ، ويعقوب على ولده يوسف ، ويوسف على أبيه يعقوب ، والسيدة فاطمة الزهراء على أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإمامنا على بن الحسين على أبيه أبي عبد الله الحسين عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام .
وقد بكى على أبيه أكثر من ثلاثين سنة ، ولم يُقدم له طعام وشراب إلا وقال: ( كيف آكل وقد قُتِلَ أبو عبد الله جائعاً ، وكيف أشرب وقد قُتِلَ أبو عبد الله عطشان ) . وقد قال له أحد مواليه : جعلت فداك يا ابن رسول الله ، إني أخاف أن تكون من الهالكين . فقال : ( إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ، إني لم أذكر مصرع أبي و إخوتي وبني عمومتي إلا وخنقتني العبرة ) .
أحداث في حياة الإمام زين العابدين عليه الصلاة والسلام
ـ استشهاد جده أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام وهو ابن ثلاث سنوات .
ـ استشهاد عمه الحسن المجتبى عليه الصلاة والسلام وهو ابن ثلاثة عشر سنة .
ـ حضوره واقعة الطف واستشهاد أبيه الحسين عليه الصلاة والسلام واخوته وبني عمومته وأصحابه قتلاً وجوعاً وعطشاً ، ثم حرق خيامه وسبي نسائه وأطفاله من بلدٍ إلى بلدٍ .
ـ قيامه بالأمر بعد أبيه الحسين عليه الصلاة والسلام وله من العمر ثلاث وعشرين سنة ، ودامت خلافته أربعاً وثلاثين سنة ، وعاصر في أيام إمامته بقية ملك يزيد بن معاوية ، وملك معاوية بن يزيد ، و مروان بن الحكم ، وعبد الملك بن مروان . وتوفي عليه الصلاة والسلام في عهد الوليد وقيل في عهد هشام بن عبد الملك .
ـ دخوله عليه الصلاة والسلام الكوفة ، هو وعماته وأخواته ، وهو مقيد بجامعة من حديد حُفت بمسامير على ناقة عجفاء ، وقد احتشد الناس للتفرج عليهم فهالهم ذلك المشهد وجعلوا يبكون وينوحون ، فأومأ إلى الناس أن اسكتوا ، ووقف وهو عليل قد أنهكه المرض فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبي وصلى عليه ، ثم قال : ( أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي ، أنا على بن الحسين بن علي أبن أبي طالب ، أنا ابن من انتهك حريمه وسلب نعيمه و انتهب ماله وسُبى عياله ، أنا ابن المذبوح بشط الفرات أنا ابن من قتل صبراً وكفى بذلك فخراً … بأية عين تنظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ يقول لكم قتلتم عترتي ، وانتهكتم حرمتي ، فلستم من أمتي ) ، ومضى يذكر أهل الكوفة بكتبهم ومواعيدهم حتى ضج الناس بالبكاء والعويل . ثم خطبت عمته زينب عليها الصلاة والسلام وقالت : ( يا أهل الكوفة ، أتبكون وتنتحبون ؟! إي والله ، فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً … ويلكم أتدرون أي كبدٍ لرسول الله فريتم ، وأي كريمة له أبرزتم ، وأي دم له سفكتم ، وأية حرمة له انتهكتم … ) ، ثم أدخلوا على عبيد الله بن زياد وقد لاقاهم بالشماتة والإهانة بما ليس يوصف .
ـ ذهابه لدفن أبيه عليه الصلاة والسلام وصحبه في اليوم الثالث عشر من المحرم وقد اختفى من الأسر ، ولاقى بني أسد وأخبرهم بقبور الشهداء وأسمائهم .
ـ دخوله عليه الصلاة والسلام مع السبي إلى الشام ووقوفهم على باب الساعات ( باب توما حالياً ) ، وقد خرج أهل الشام رافعين الأعلام قارعين الطبول فرحاً بقدوم السبي ، وقد أشاع الأمويون بأن هذا السبي لخوارج هزمهم يزيد وأعلنوا ذلك اليوم عيداً ، فعُطِلت الأسواق ولبسوا لباس الزينة ودخل الركب يقدمه رأس الحسين عليه الصلاة والسلام وهو يتلو القرآن الكريم ، وأُدخِلوا على يزيد بن معاوية مُرَبَّطين بالحبال في أعناقهم ، ثم جلس يزيد وبيده كأس الخمر وبالأخرى قضيب وهو يُكَسِّر ثنايا سبط رسول الله وسيد شباب أهل الجنة وقام يتفرج على حرم رسول الله ويسخر منهم ، ثم أمر أحد أنصاره أن يصعد المنبر وينال من علي والحسن والحسين عليهم الصلاة والسلام ويثني على معاوية ، فصعد الخطيب وشتم أمير المؤمنين وأولاده عليهم الصلاة والسلام ، فقال له الإمام : ( ويلك أيها المتكلم لقد اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق فتبوأ مقعدك من النار ) .
ثم التفت إلى يزيد ، وقال : ( أتسمح لي أن أصعد هذه الأعواد وأتكلم بكلمات فيها لله رضاً ولهؤلاء الجلوس أجر وثواب ) ، فلم يأذن له يزيد ، فقال له من في المجلس : ائذن له يا أمير لنسمع ما يقول ، فرد عليهم يزيد : إذا صعد المنبر لا ينزل إلا بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان ، فألحوا عليه حتى أذن له ، فصعد المنبر وقال : ( أيها الناس لقد أُعطينا ستاً وفُضِّلنا بسبع ، أعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبة في قلوب المؤمنين ، وفُضِّلنا بأن منا النبي المختار صلى الله عليه وآله وسلم ، ومنا الصديق ، ومنا الطيار ، ومنا أسد الله وأسد رسوله ، ومنا سيدة النساء ، ومنا سبطا هذه الأمة ) ، ثم عرّف الناس بنسبه وأصله وذكر فضل جديه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين وأبيه وعمه عليهم الصلاة والسلام وما فعلته الأمة في طف كربلاء حتى ضج الناس بالبكاء والنحيب ، وانقلب المجلس على يزيد حتى اضطر لإطلاق سراحهم .
ـ رجوع الإمام زين العابدين مع عماته وأخواته إلى كربلاء لزيارة الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام وملاقاته جابر بن عبد الله الأنصاري في العشرين من شهر صفر .
ـ دخول الإمام عليه الصلاة والسلام مدينة جده صلى الله عليه وآله وسلم وقد خرج أهلها لاستقباله معزين ، فدخلها ورآها موحشة ووجد ديار أهله خالية تنعى سكانها .
ثورة المدينة المنورة
ـ قيام الثورات والانتفاضات الناقمة على ما فعله بنو أمية ، ومن أهمها :
(1) ثورة المدينة المنورة :
بقيادة عبد الله بن حنظلة الأنصاري ، الذي طرد آل أمية منها، ولما بلغ ذلك يزيد أرسل إليهم جيشاً بقيادة مسلم بن عقبة المري والتقى مع جيش المدينة في ( الحرة ) واقتتلوا قتالاً شديداً ، فكانت الغلبة لجيش الشام ، ثم دخل المدينة وأباحها ثلاثة أيام للسلب والنهب، وقتل من المهاجرين والأنصار وسائر المسلمين عشرة آلاف وسبعمائة وثمانون رجلاً ، ولم يبقَ بعدها بدري ، وقتل فيها من حملة القرآن الكريم سبعمائة نفس ، وقتل فيها من الصحابة الكثير واعتدي فيها على النساء والأطفال والشيوخ .
(2) تمرد أهل مكة :
وقد أرسل لهم يزيد جيشاً فحاصرهم بقية المحرم وصفر و شهري ربيع ، وهم يقاتلونهم ويرمونهم بالمنجنيق حتى وصلهم خبر هلاك يزيد ، وقد أصابت المجانيق البيت الحرام فهدمته بالصخور والنيران المقذوفة عليه . وقد قام الإمام بالإشراف على إعادة بنائه .
(3) ثورة التوابين :
بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي ، وقد كان سجيناً أثناء معركة كربلاء ، وبايعه أكثر من ستة عشر ألفاً من الكوفة والمدائن والبصرة الذين ندموا على خذلانهم لابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وقاموا بجمع السلاح ونادوا : يا لثارات الحسين ، ثم خرجوا من الكوفة في سنة 65 هـ إلى قبر الحسين عليه الصلاة والسلام وهم يتلون ( فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم ) ، وقالوا ربنا إنا خذلنا ابن بنت نبينا فاغفر لنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم . وغادروا القبر متجهين إلى الشام وقد بُعث إليهم جيشاً بقيادة عبيـد الله بن زياد ، فالتقى الفريقان في ( عين الوردة ) قرب الشام ، ودارت بينهما معارك طاحنة كادت تقضي على ابن زياد لولا المدد المتواصل من الشام ، ودام القتال أياماً حتى تفانوا عن آخرهم رحمهم الله .
(4) ثورة المختار الثقفي :
وقد قامت في سنة 86 هـ ، حيث قاد المختار انتفاضة في الكوفة بعد مقتل التوابين ، فاستولى على الحكم ، ونادى منادي المختار في الكوفة وأنحائها : ( من أغلق عليه بابه فهو آمن إلا من اشترك في قتل آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فكان يحضر كل من اشترك في قتل الحسين عليه الصلاة والسلام فيصنع بهم مثل ما صنعوه في سبط رسول الله . ولم ينج منهم إلا من فرّ من الكوفة والتحق بالشام أو بعبد الله بن الزبير الذي حمى قتلة الحسين . فقتل عمر بن سعد وقطع رأسه وبعث إبراهيم بن الأشتر لقتال عبيد الله بن زياد ، فدارت بينهما معركة شرسة انتهت بمقتل عبيد الله بن زياد ، ثم أرسل المختار رأسيهما إلى الإمام زين العابدين عليه الصلاة والسلام فخّر ساجداً وقال : ( الحمد لله الذي أدرك لي ثأري من أعدائي وجزى الله المختار خيراً ) .
زوجاته وأولاده عليه الصلاة والسلام
كانت له زوجة واحدة والعديد من الإماء . وكان له من الأولاد 12 ذكراً و 4 أو 7 إناث وأشهرهم :
ـ الإمام محمد الباقر عليه الصلاة والسلام .
ـ زيد الشهيد .
ـ عبد الله الباهر .
من الآثار العلمية للإمام السجاد عليه الصلاة والسلام
1- الصحيفة السجادية : ( زبور آل محمد ) وهي مجموعة أدعيته ومناجاته عليه الصلاة والسلام التي حيّرت عقول الحكماء والعلماء ببلاغتها وغزارة معانيها ، فلذا عرفت بأخت القرآن ، وهي بعد كتاب الله وكتاب أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ( نهج البلاغة ) أفضل الكتب الدينية والمؤلفات المذهبية وأعلاها وأغلاها .
2- رسالة الحقوق : وهي تشتمل على ما يجب على المؤمنين وما يجب لهم في خمسين مادة من حقوق الله سبحانه وتعالى والحقوق الإنسانية والاجتماعية .
وفاة الإمام السجاد عليه الصلاة والسلام
توفي مسموماً في الخامس والعشرين من المحرم سنة 95 هـ في المدينة المنورة، ودُفِن في البقيع عند عمه المجتبى عليه الصلاة والسلام وقد مضى من عمره الشريف 57 سنة ، وقد سمه هشام بن عبد الملك ، وقيل الوليد بن عبد الملك بن مروان .
الزِيارَة الجامعة لاَئمَّة البَقيع عَلَيهِم الصلاة و السَّلام
أي الإمام الحسن المجتبى، والإمام زين العابدين، والإمام محمّد الباقر، والإمام جعفر الصّادق (عليهم الصلاة والسلام).
إذا أردت زيارتهم فاعمل بما سبق من آداب الزّيارة من الغسل والكون على الطّهارة ولبس الثّياب الطّاهرة النّظيفة والتّطيّب والاستئذان للدّخول ونحو ذلك وقُل أيضاً:
يا مَوالِيَّ يا اَبْناءَ رَسُولِ اللهِ، عَبْدُكُمْ وَابْنُ اَمَتِكُمُ الذَّليلُ بَيْنَ اَيْديكُمْ، وَالْمُضْعِفُ في عُلُوِّ قَدْرِكُمْ، وَالْمُعْتَرِفُ بِحَقِّكُمْ، جاءَكُمْ مُسْتَجيراً بِكُمْ، قاصِداً اِلى حَرَمِكُمْ، مُتَقَرِّباً اِلى مَقامِكُمْ، مُتَوَسِّلاً اِلَى اللهِ تَعالى بِكُمْ، أَدْخُلُ يا مَوالِيَّ، أَدْخُلُ يا اَوْلِياءَ اللهِ، أَدْخُلُ يا مَلائِكَةَ اللهِ الُْمحْدِقينَ بِهذَا الْحَرَمِ الْمُقيمينَ بِهذَا الْمَشْهَدِ .
وادخل بعد الخشُوع والخضُوع ورقّة القلب وقدّم رجلك اليمنى وقُل :
اَللهُ اَكْبَرُ كَبيراً، وَالْحَمْدُ للهِ كَثيراً، وَسُبْحانَ اللهِ بُكْرَةً وَاَصيلاً، وَالْحَمْدُ للهِ الْفَرْدِ الصَّمَدِ الْماجِدِ الاَْحَدِ الْمُتَفَضِّلِ الْمَنّانِ، الْمُتَطَوِّلِ الْحَنّانِ الَّذي مَنَّ بِطَوْلِهِ، وَسَهَّلَ زِيارَةَ ساداتي بِاِحْسانِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْني عَنْ زِيارَتِهِمْ مَمْنُوعاً بَلْ تَطَوَّلَ وَمَنَحَ .
ثمّ اقترب من قبُورهم المقدّسة واستقبلها واستدبر القبلة وَقُل :
اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ اَئِمَّةَ الْهُدى، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ اَهْلَ التَّقْوى، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ اَيُّهَا الْحُجَجُ علىاَهْلِ الدُّنْيا، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ اَيُّهَا الْقُوّامُ في الْبَرِيَّةِ بِالْقِسْطِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ اَهْلَ الصَّفْوَةِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ آلَ رَسُولِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ اَهْلَ النَّجْوى، اَشْهَدُ اَنَّكُمْ قَدْ بَلَّغْتُمْ وَنَصَحْتُمْ وَصَبَرْتُمْ في ذاتِ اللهِ، وَكُذِّبْتُمْ وَاُسيءَ اِلَيْكُمْ فَغَفَرْتُمْ، وَاَشْهَدُ اَنَّكُمُ الاَْئِمَّةُ الرّاشِدُونَ الْمُهْتَدُونَ، وَاَنَّ طاعَتَكُمْ مَفْرُوضَةٌ، وَاَنَّ قَوْلَكُمُ الصِّدْقُ، وَاَنَّكُمْ دَعْوَتُمْ فَلَمْ تُجابُوا، وَاَمَرْتُمْ فَلَمْ تُطاعُوا، وَاَنَّكُمْ دَعائِمُ الدّينِ وَاَرْكانُ الاَْرْضِ، لَمْ تَزالُوا بِعَيْنِ اللهِ يَنْسَخُكُمْ مِنْ اَصْلابِ كُلِّ مُطَّهَر، وَيَنْقُلُكُمْ مِنْ اَرْحامِ الْمُطَهَّراتِ، لَمْ تُدَنِّسْكُمُ الْجاهِلِيَّةُ الْجَهْلاءُ، وَلَمْ تَشْرَكْ فيكُمْ فِتَنُ الاَْهْواءِ، طِبْتُمْ وَطابَ مَنْبَتُكُمْ، مَنَّ بِكُمْ عَلَيْنا دَيّانُ الدّينِ، فَجَعَلَكُمْ في بُيُوت اَذِنَ اللهُ اَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فيهَا اسْمُهُ، وَجَعَلَ صَلَاتَنا عَلَيْكُمْ رَحْمَةً لَنا وَكَفّارَةً لِذُنُوبِنا، اِذِ اخْتارَكُمُ اللهُ لَنا، وَطَيَّبَ خَلْقَنا بِما مَنَّ عَلَيْنا مِنْ وِلايَتِكُمْ، وَكُنّا عِنْدَهُ مُسَمِّينَ بِعِلْمِكُمْ، مُعْتَرِفينَ بِتَصْديقِنا اِيّاكُمْ، وَهذا مَقامُ مَنْ اَسْرَفَ وَاَخْطَاَ وَاسْتَكانَ وَاَقَرَّ بِما جَنى وَرَجا بِمَقامِهِ الْخَلاصَ، وَاَنْ يَسْتَنْقِذَهُ بِكُمْ مُسْتَنْقِذُ الْهَلْكى مِنَ الرَّدى، فَكُونُوا لي شُفَعاءَ، فَقَدْ وَفَدْتُ اِلَيْكُمْ اِذْ رَغِبَ عَنْكُمْ اَهْلُ الدُّنْيا، وَاتَّخَذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها.
ثم ارفع رأسك الى السماء وقل:
يا مَنْ هُوَ قائِمٌ لا يَسْهُو، وَدائِمٌ لا يَلْهُو، وَمُحيطٌ بِكُلِّ شَىْء لَكَ الْمَنُّ بِما وَفَّقْتَني وَعَرَّفْتَني بِما اَقَمْتَني عَلَيْهِ، اِذْ صَدَّ عَنْهُ عِبادُكَ، وَجَهِلُوا مَعْرِفَتَهُ، وَاسْتَخَفُّوا بِحَقِّهِ، وَمالُوا اِلى سِواهُ، فَكانَتِ الْمِنَّةُ مِنْكَ عَلَيَّ مَعَ اَقْوام خَصَصْتَهُمْ بِما خَصَصْتَني بِهِ، فَلَكَ الْحَمْدُ اِذْ كُنْتُ عِنْدَكَ في مَقامي هذا مَذْكُوراً مَكْتُوباً، فَلا تَحْرِمْني ما رَجَوْتُ، وَلا تُخَيِّبْني فيـما دَعَوْتُ، بِحُرْمَةِ مُحَمَّد وَآلِهِ الطّاهِرينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد .
ثمّ ادعُ لنفسك بما تُريد.
وقال الطّوسي (رحمه الله) في التّهذيب: ثمّ صلّ صلاة الزّيارة ثمان ركعات أي صلّ لكلّ إمام ركعتين.
وقال الشّيخ الطّوسي والسّيد ابن طاووس : إذا أردت أن تودّعهم (عليهم السلام) فقُل :
اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ اَئِمَّةَ الْهُدى وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، اَسْتَوْدِعُكُمُ اللهَ وَاَقْرَأُ عَلَيْكُمُ السَّلامَ، آمَنّا بِاِللهِ وَبِالرَّسُولِ، وَبِما جِئْتُمْ بِهِ وَدَلَلْتُمْ عَلَيْهِ، اَللّـهُمَّ فَاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدينَ.
الإمام عليه الصلاة والسلام ينطق الشاة لعمه محمد
في ثاقب المناقب عن عمار الساباطي قال : ( سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : أنه لما قتل الحسين بن علي عليهما السلام أقبل محمد بن الحنفية إلى علي بن الحسين بن علي عليهم السلام فقال له : ما الذي فضلك علي وأنا أكثر رواية وأسن منك ؟ فقال : كفى بالله شهيدا يا عمي , قال محمد بن الحنفية : أحلت على غائب , قال : وكان في دار علي بن الحسين عليه السلام شاة حلوب فقال : اللهم انطقها , فقالت الشاة : يا علي بن الحسين إن الله استودعك علمه ووحيه , فأمر سودة الخادمة تتخذ لي العلف : قال : فصعق محمد بن الحنفية على وجهه ثم قال : أدركني أدركني يا ابن أخي ثم ضرب بيده على كتفه فقال اهتد هداك الله ) .
الإمام عليه الصلاة والسلام يُخرج ولده من البئر بإشارة
عن كتاب الأنوار ( أن عليا بن الحسين عليه السلام كان قائما يصلي حتى وقف ابنه محمد عليه السلام وهو طفل إلى بئر في داره بالمدينة بعيدة القعر فسقط فيها ، فنظرت إليه أمه فصرخت وأقبلت نحو البئر تضرب بنفسها [حذاء البئر ] وتستغيث وتقول : يا ابن رسول الله غرق ولدك محمد وهو لا ينثني عن صلاته وهو يسمع اضطراب ابنه في قعر البئر فلما طال عليها ذلك قالت حزنا على ولدها ما أقسى قلوبكم يا آل بيت رسول الله فأقبل على صلاته ولم يخرج عنها إلا عند كمالها وإتمامها ثم أقبل عليها وجلس على أرجاء البئر ومد يده إلى قعرها وكانت لا تنال إلا برشاء طويل فأخرج ابنه محمد عليه السلام على يديه يناغي ويضحك لم يبتل له ثوب ولا جسد بالماء فقال هاك يا ضعيفة اليقين بالله فضحكت لسلامة ولدها وبكت لقوله يا ضعيفة اليقين بالله فقال لا تثريب عليك اليوم لو علمت أني كنت بين يدي جبار لو ملت بوجهي عنه لمال بوجهه عني أفمن يرى راحما بعده ).
رغيف ودرهم يكفيان لأربعين سنة
وعنه عن أحمد بن سليمان بن أيوب الهاشمي قال : حدثنا محمد بن كثير قال : أخبرنا سليمان بن عيسى قال : ( لقيت علي بن الحسين عليه السلام فقلت له : يا ابن رسول الله إني معدم , فأعطاني درهما ورغيفا , فأكلت أنا وعيالي من الرغيف والدرهم أربعين سنة ) .
الإمام عليه الصلاة والسلام يُري رجلا من شيعته
حقيقة أعدائه
في الهداية للحسين بن حمدان باسناده عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام عن أبيه محمد بن علي عن جده علي بن الحسين صلوات الله عليهم أن رجلا من شيعته دخل عليه فقال : يا بن رسول الله ما فضلنا على أعدائنا ونحن وهم سواء بل منهم من هو أجمل منا وأحسن زيا وأطيب رائحة فما لنا عليهم من الفضل ؟ قال : تريد أن أريك فضلك عليهم ؟ قال : نعم , قال : ادن مني فدنا منه فأخذ يده ومسح عينيه وروح بكفه عن وجهه وقال : انظر ماذا ترى ؟ فنظر إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما رأى فيها إلا قردا أو خنزيرا أو دبا أوضبا , فقال : جعلت فداك ردني كما كنت فإن هذا منظر صعب , قال : فمسح عينيه فرده كما كان ) .
الإمام لا تعوقه القيود والأغلال
في المناقب لابن شهر آشوب عن حلية الأولياء ووسيلة الملأ وفضائل أبي السعادات بالإسناد عن ابن شهاب الزهري قال : ( شهدت علي بن الحسين عليه السلام يوم حمله عبد الملك بن مروان من المدينة إلى الشام فأثقله حديدا ووكل به حفاظا في عدة وجمع فاستأذنتهم في التسليم عليه والتوديع له فأذنوا فدخلت عليه والأقياد في رجليه والغل في يديه فبكيت وقلت : وددت أني مكانك وأنت سالم , فقال : يا زهري أوتظن هذا بما ترى علي وفي عنقي يكربني أما لو شئت ما كان فإنه وإن بلغ بك ومن أمثالك ليذكرني عذاب الله ثم أخرج يديه من الغل ورجليه من القيد , ثم قال : يا زهري لاجزت معهم على ذا منزلتين من المدينة فما لبثنا إلا أربع ليال حتى قدم الموكلون به يطلبونه بالمدينة فما وجدوه فكنت فيمن سألهم عنه , فقال لي بعضهم : إنا نراه متبوعا إنه لنازل ونحن حوله لا ننام نرصده إذ أصبحنا فما وجدنا بين محمله إلا حديدة ، فقدمت بعد ذلك على عبد الملك فسألني عن علي بن الحسين عليه السلام فأخبرنه فقال : إنه قد جاءني في يوم فقده الأعوان فدخل علي ، فقال : ما أنا وأنت ؟ فقلت : أقم عندي ، فقال : لا أحب ، ثم خرج فو الله لقد امتلأ ثوبي منه خيفة ، قال الزهري : فقلت : ليس علي بن الحسين حيث تظن أنه مشغول بنفسه فقال : حبذا شغل مثله فنعم ما شغل به ) .
2/5/141119
https://telegram.me/buratha