فقالوا له: ما تقول في الخلفاء بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) فأثنى عليهم جميعاً، قالوا له: فما تقول في علي بن أبي طالب(عليه السلام) قال: ما أقول في رجلٍ قال فيه رسول الله: (عليٌّ منّي بمنزلة هارون من موسى…) إلّا خيراً. فقالوا: الله أكبر لقد كفر الرجل، ثمّ شدّوا عليه فقتلوه وكانت زوجتُهُ حاملاً وقد دافعت عنه فقتلوها وشقّوا بطنها واستخرجوا جنينها وذبحوه على صدرها، وكان ذلك على نهر دجلة فسالت دماؤهم جميعاً في الماء.
فلمّا سمع(عليه السلام) بذلك خطب أصحابه ونعى إليهم عبدالله بن الخباب وبكاه وقال: لا قعود بعد قتل العبد الصالح عبدالله بن الخباب. ثمّ تجهّز للمسير وسار بعسكره حتى وصل إلى مدينة النهروان فلمّا سمع به القوم أغلقوا باب السور عليهم وتحصّنوا، فنهض إليهم الإمام(عليه السلام) ورفع صوته يخاطبهم محذّراً من الفتنة وحاججهم فألجمهم وذكّرهم ووعظهم فرجع منهم جماعةٌ عن حربه وأصرّ الباقون وأعلنوا العناد، فعند ذلك عزم الإمام(عليه السلام) على حربهم واستعدّ معه أصحابه للحرب، فقال(عليه السلام) لا ينهض لحربهم غيري وغيرُ ولدي. وكان لمدينة النهروان أربعةُ أبواب، فقال لولده الحسن(عليه السلام): بني دونك ذلك الباب وأشار للباب الشرقيّ فمضى الحسن(عليه السلام) حيث أمره أبوه، وقال للحسين(عليه السلام): وأنت عليك بالباب الغربي، وقال لمحمد: وأنت عليك بالباب الجنوبيّ فمضيا حيث أمرهما أبوهما وانغمس(عليه السلام) في وسط المدينة، فلمّا أرادوا أن يذهبوا، أحسّ الإمام بشخصٍ خلفه فلمّا نظر اليه وإذا به ولده العباس وكان له أربعة عشر عاماً، فقال له: ولدي عباس ما تصنع هنا؟ فقال العباس: مَنْ هؤلاء الذين معك؟ فقال الإمام هم إخوتك. فقال العباس: كيف يا أمير المؤمنين تخصّ كلّ واحدٍ منهم بباب وأنا ليس لي باب؟ فقال الإمام: أنت صغيرٌ يا ولدي. فقال العباس: ألَمْ تجاهدْ بين يدي رسول الله وأنت صغير يا أمير المؤمنين؟ قال الإمام: نعم، ولكن لم يتبقَّ إلّا بابُ القنطرة (الجسر المقوّس على النهر)، فقال العباس: أنا لها وهي لي يا أمير المؤمنين. فذهبوا(عليهم السلام) للأبواب. قال الراوي: ففرح وذهب مسرعًا نحو الباب المذكور، ومضى علي(عليه السلام) يحمل عليهم كلّما تجمّع منهم جَمْعٌ، ثمّ صرخ فيهم صرخته المعروفة عند الغضب فلم يجدوا بُدّاً من الفرار، قال عبدالله بن حازم الخارجي: لمّا صرخ عليٌّ صرخته المعروفة خلْنا الحيطان تتجاوب معه فلُذْنا بالفرار فلمّا صرنا إلى الباب الشرقيّ إذا بالحسن هناك فلمّا رآنا حمل علينا وصاح فينا قائلاً: أمِنْ قِبَلي تفرّون وأنا ابن أمير المؤمنين؟. فمِلْنا إلى الباب الغربيّ فحمل علينا الحسين(عليه السلام) وهو ينادي: أمِنْ قِبَلي تفرّون وأنا ابن سيّد الوصيّين؟ فصِرْنا إلى الشماليّ وإذا بفتىً أسمر اللون حَمَلَ علينا وهو ينادي: أنا ابنُ قائد الغرّ المحجّلين، فسألت عنه فقيل: هذا محمّد بن الحنفية، فعند ذلك صاح بعضُنا ببعضٍ ويلَكم عليكم بباب القنطرة الهربَ الهربَ من سيف عليٍّ وسيوف أولاده، فلمّا صرنا إلى القنطرة إذا نحنُ بغلامٍ صغير قد جثا على ركبتيه وعيناه تقدحان وبيده سيفٌ وبالأخرى فرس، فحمل علينا وهو ينادي: أمِنْ قِبَلي تفرّون وأنا ابنُ الموت الأحمر أنا ابنُ عليّ، فما ترى إلّا رؤوساً متطايرة وأجساداً متناثرة وما زال يُقاتل حتى انكسر سيفُهُ فكان يأخذ بالفارس وهو على القنطرة ويرمي به في النهر حتى أدركه أبوه علي(عليه السلام) وقد انهزم القوم، فرآه جالساً على الأرض ورؤوسهم بجانبه، فقبّله بين عينيه وحمله ووضعه على صدره وهو مبتسم، وقال له: بارك الله فيك يا بنيّ إنّي مدّخرُك ليومٍ أعظم من هذا اليوم. فأجابه(عليه السلام) قائلاً: لأنعمنّك عيناً وأنا ولدك. فقال له: كفؤٌ كريم.
فالسلام عليك يا مولاي يا سبع القنطرة يا أبا الفضل العباس ورحمة الله وبركاته.
شبكة الكفيل العالمية
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha