السيد طلال الحكيم
· وبعد أن سألهم الأجر على المودة في القربى.. ضَربُ فاطمة وكَسرُ ضلعها كان اول اقساط هذا الثمن
واسترجعت الوديعة، واخذت الرهينة، واختلست الزهراء، ما اسرع اللحاق، وما اقصر الفراق، اربعون يوماً أو خمسة وسبعون أو حتى ثلاثة اشهر من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وإذا بإبنته وبضعته، وأم ابيه وريحانته، تلحق بأبيها مظلومة مهضومة، محزونة باكية، رجعت إلى ابيها وكيف رجعت! مكسورة الضلع، مسودة المتن، ممنوعة الارث، مسقطة الجنين، تنادي فلا تجاب وتستغيث فلا تغاث..
عظم الله لك الاجر سيدي امير المؤمنين، حرموك منها، أخذوها منك سريعاً، كانت لك ذلك المتنفس في هذه الدنيا، روحك التي بين جنبيك فاطمة، قرّة عينك التي تذكرّك برسول الله صلى الله عليه وآله في شبهها، في كلامها، في صوتها، في مشيتها، تلك الزوجة التي ادخرها الله عز وجل لتشارك علياً في ذلك البيت الذي اذن الله ان يرفع ويذكر فيه اسمه، في ذلك البيت الذي لطالما اطعم المسكين واليتيم والاسير، ذلك البيت الذي امر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وآله أن يستأذن للدخول فيه، البيت الذي سدّ رسول الله صلى الله عليه وآله كل الابواب إلا بابه، لكن ما نقول لمن احرق تلك الباب ودخل من دون استئذان وفرّق شمل هذا البيت.
· وماتت مظلومة مهضومة
وستنبئك ابنتك بتضافر امتك على هضمها فأحفها السؤال واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلجٍ بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلاً.. فبعين الله تدفن ابنتك سراً ويهضم حقها قهراً ويمنع ارثها جهراً، ولم يتباعد العهد، ولم يخلق منك الذكر، وإلى الله يا رسول الله المشتكى، وفيك يا رسول الله احسن العزاء.. هذه هي صرخة عليٍ، هذه هي احزان وآلام الزوج، عزيز عليك يا ابا الحسن يا امير المؤمنين ان ترى سلوتك وزهرتك ام الحسن والحسين وقد دخل الذل بيتها، وانتهكت حرمتها، وغصب حقها ومنعت ارثها، وكسر جنبها، وأُسقط جنينها، لقد اجتمعوا على ظلمها، لقد قالت لهم: أأهضم تراث أبي وانتم بمرأى مني ومسمع، توافيكم الدعوة فلا تجيبون وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون، قالت: يا أعضاد الملّة وانصار الاسلام ما هذه الغميزة في حقي والسنة عن ظلامتي أما كان ابي يقول: المرء يحفظ في ولده!.. لقد نادت ايها المسلمون أأغلب على ارثي! يا ابن ابي قحافة أفي كتاب الله ترث أباك ولا ارث أبي! لقد نادت ايها الناس اعلموا إني فاطمة وأبي محمد ، نعم عزيزٌ عليك سيدي ان تسمعها تقول: ليتني مت قبل هَنيتي، وما بين هذا الجور والظلم عليها، وما بين البكاء وبيت الاحزان فارقت بضعة النبي الحياة وهي مظلومة مهضومة، تنادي فلا تجاب وتستغيث فلا تُغاث..
وماتت شاكية إلى الله ورسوله وامير المؤمنين
وكفى بالله شهيدا بينها وبين ظالمها، وكفى برسول الله صلى الله عليه وآله شهيداً بينها وبين الغاصبين، وكفى بأمير المؤمنين شهيداً بينها وبين من كسروا ضلعها واسقطوا جنينها.. فقالت: فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر، نقبة الخف، باقية العار، موسومة بغضب الله وشنار الأبد.. فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون..اللهم أنت اشد قوة وحول.. وأشد بأساً وتنكيلاً.
أما شكواها لأبيها قائلة: شكواي إلى أبي وعدواي إلى ربي، وقالت:
قَد كانَ بَعدكَ أنباءٌ وهنبثة لَو كنت شاهدها لَم تكثر الخطبُ
إِنّا فَقَدناكَ فَقدَ الأرضِ وابِلها وَاِختلّ قومكُ فَاِشهدهم ولا تغبُ
فَلَيت قبلكَ كانَ الموتُ صادفنا لما نعيتَ وَحالت دونك الكتبُ
تجهّمنا رجالٌ فَاِستخفّ بنا مُذ غبت عنّا وكلّ الخيرِ قد غصبوا
سَيَعلم المتولّي ظلمَ حامينا يومَ القيامة أنّي كنتُ أَنقلبُ
أَبدَت رجالٌ لَنا فَحوى صدورهم لَمّا فقدتَ وكلّ الإرثِ قَد غصبوا
وَكلّ قومٍ لَهم قُربى ومنزلةٌ عِندَ الإله وَللأدنين مقتربُ
وأما شكواها لأمير المؤمنين عليه السلام فكانت شكوى مؤلمة، عتاب كبير بين الزوجة وزوجها والذي دلّ على عظم ما جرى عليها، وكأنها تقول لأمير المؤمنين الثمن كان غالياً، والضريبة كانت كبيرة، فقالت لعلي: (هذا ابن أبي قحافة يبتزني نحلة أبي وبلغة ابني! لقد أجهد في خصامي، وألفيته ألد في كلامي حتى حبستني قيلة نصرها والمهاجرة وصلها، وغضت الجماعة دوني طرفها، فلا دافع ولا مانع، خرجت كاظمة، وعدت راغمة، أضرعت خدك يوم أضعت حدك افترست الذئاب، وافترشت التراب، ما كففت قائلا، ولا أغنيت طائلا ولا خيار لي، ليتني مت قبل هنيئتي، ودون ذلتي عذيري الله منه عاديا ومنك حاميا، ويلاي في كل شارق! ويلاي في كل غارب! مات العمد، ووهن العضد شكواي إلى أبي! وعدواي إلى ربي! اللهم إنك أشد منهم قوة وحولا، وأشد بأسا وتنكيلا)..
· ونهاية الاحزان
النتيجة الطبيعية والمتوقعة لكل هذا الظلم الذي جرى على الزهراء عليها السلام وهي ترى المسلمين كيف ينقلبون على الاعقاب! وكيف يتهجمون على اهل بيت نبيهم! هذا وهي لم تزل في اجواء الحزن المخيّم على بيت النبوة لفقد رسول الله صلى الله عليه وآله وبالخصوص على تلك البنت الوحيدة التي كانت من ابيها كالبضعة منه، وكالأم التي تفقد ابنها، تلك الريحانة التي كان يستنشق رسول الله صلى الله عليه وآله منها عبق الحياة، ابنته العزيزة سيدة نساء العالمين، كل هذه المصائب، كل هذه الاحزان والآلام كانت كفيلة لأن تفارق فاطمة عليها السلام هذه الحياة وهي مثقلة بهذه التركة فكانت اول شهيدة من اهل البيت عليهم السلام رحلت إلى الرفيق الاعلى مظلومة محزونة شاكية إلى الله عز وجل ما حل بها وما جرى عليها، ورحلت إلى ابيها رسول الله صلى الله عليه وآله وكأنها تقول إليه: البضعة لا تستطيع ان تعيش من دون باقي الاجزاء ستموت البضعة، رجعت إليك بعد ان اوصيت بها وهي مكسورة الضلع، مسودة المتن، ممنوعة الارث، مسقطة الجنين، البضعة رجعت إليك وهي مقتولة مع سبق الاصرار والترصد، البضعة رجعت إليك وقد عُفيّ موضع قبرها، البضعة رجعت إليك بعد أن لم يسمحوا لها حتى بالبكاء عليك، البضعة رجعت إليك بعد ان دخلوا إلى بيتها من دون اسئذان، بعد ان ضربوها وشتموها وهمّوا بإحراق الدار، البضعة رجعت إليك بعد ان منعوا ارثها منك وقالوا افتراءً عليك: إنّك لا تورّث، البضعة رجعت إليك وقد انكروا شهادتها وهي الصديقة الطاهرة..
بئس للظالمين بدلا ألا لنعم الحكم الله والزعيم محمد والموعد القيامة وعند الساعة ما تخسرون والحمد لله رب العالمين..
19/5/150310
https://telegram.me/buratha