مرّت على إمامنا الصادق (عليه السلام) كباقي أئمّة أهل البيت (سلام الله عليهم) منعطفاتٌ ووقفاتٌ عديدة منذ ولادته وحتى استشهاده (عليه السلام) على يد المنصور الدوانيقي، وكانت هذه الوقفات كصبابة الماء من سيرة مولانا ومؤسّس مذهبنا محقّق الحقائق الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه الصلاة والسلام).
ومن تلك المواقف هو ما أوصى به (سلام الله عليه) قبيل شهادته، فقد روى الشيخ الكليني والطوسي وابن شهر آشوب (واللفظ للكليني) عن أبي أيوب النّحوي أنّه قال: بعث إليّ أبو جعفر المنصور في جوف الليل، فأتيته فدخلت عليه وهو جالسٌ على كرسيّ وبين يديه شمعةٌ وفي يده كتاب، قال: فلمّا سلّمت عليه رمى بالكتاب إليّ وهو يبكي.
فقال لي: هذا كتاب محمد بن سليمان يُخبرنا أنّ جعفر بن محمد قد مات، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون –ثلاثاً-، وأين مثل جعفر؟ ثم قال لي: اكتب، قال: فكتبت صدر الكتاب، ثم قال: أكتب إنْ كان أوصى إلى رجلٍ واحدٍ بعينه فقدّمه واضرب عنقه.
قال: فرجع إليه الجواب أنّه قد أوصى إلى خمسةٍ وأحدهم أبو جعفر المنصور ومحمد بن سليمان وعبد الله وموسى وحميدة.
قال العلامة المجلسي (رحمه الله): كان الإمام (عليه السلام) يعلم بعلم الإمامة أنّ المنصور سيقتل وصيّه، فأشرك هؤلاء النفر ظاهراً، فكتب اسم المنصور أوّلاً، لكنّ الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) هو الذي كان مخصوصاً بالوصية دونهم، وكان أهل العلم يعرفون ذلك كما مضى في رواية أبي حمزة الثمالي، … فقد روي: ولمّا سمع ذلك علماء الشيعة مثل أبي حمزة الثمالي, قال ما معناه: أمّا الأوّلان فكانا للتقية, والأفطح كان ناقصاً إذ كان أفطحاً, والإمام لا يكون ناقصاً، وهو مع ذلك كان جاهلاً بأحكام الشريعة, والمرأة ليست بإمام, فتعيّنت الإمامة بموسى الكاظم, وهو معنى كلام أبي حمزة عندما سمع خبر الوصية: الحمد لله الذي هدانا إلى الهدى وبيّن لنا عيوب الكبير, ودلّنا على الصغير, وأخفى عن أمر عظيم.
ومن الجدير بالذكر أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) استُشهِدَ في الخامس والعشرين من شهر شوال سنة (148) للهجرة على أشهر الروايات بالعنب المسموم الذي أطعمه إيّاه المنصور، وكان عمره الشريف حين استشهاده خمساً وستين سنة، ودُفِنَ في البقيع عند أبيه وجدّه، وروى الشيخُ الكلينيّ عن الإمام موسى الكاظم(عليه السلام) أنّه قال: أنا كفّنت أبي في ثوبين شطويّين (مصريّين) كان يُحرم بهما، وفي قميصٍ من قمصه، وفي عمامةٍ كانت لعلي بن الحسين(عليه السلام) وفي بردٍ اشتراه بأربعين ديناراً.
(العتبة العباسية المطهرة)