في اليوم الثالث من صفر لسنة (121) من الهجرة كانت شهادة الثائرِ المصلوب أبي الحسين زيد الشهيد بن الإمام علي السجّاد بن الإمام أبي عبدالله الحسين بن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب(صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً)، الذي يقع مزاره المقدّس في محافظة بابل -قرية الكفل- التي تبعد عن الكوفة المقدّسة (30) كيلو متراً.
وقد ولد (عليه السلام) في سنة (57) للهجرة على رواية، وترعرع في بيت النبوّة وشبّ بين أحضان أبيه الإمام زين العابدين(عليه السلام) ليرتوي من معينه وينهل من فيض علومه وذكرت بعضُ الروايات أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله) هو من سمّاه بهذا الاسم وتنبّأ بولادته.
كان لقبه (حليف القرآن)، وقال أبو الجارود: قدمت المدينة فجعلتُ كلّما أسأل عن زيد قيل لي: ذاك حليف القرآن، ذاك أسطوانة المسجد، من كثرة صلاته.
وكان كلامه يشبه كلام جدّه عليّ بن أبي طالب(عليه السّلام) بلاغةً وفصاحة، لقد عاش ونشأ زيد(عليه السلام) في حجر وكنف والده زين العابدين(عليه السلام) خمسة عشر عاماً أو يزيد، وبعد استشهاد والده عام (95هـ) كفله أخوه الإمام الباقر(عليه السلام) فهو ربيب الباقر(عليه السلام)، عاش في رحاب عطفه وحنانه بعد استشهاد أبيه واغترف العلم والتقوى من نبعه الفياض.
بلغ درجةً علمية راقية، يقول الشيخ المفيد: كان عين إخوته بعد أبي جعفر(عليه السلام) وأفضلهم، وكان ورعاً عابداً فقيهاً سخياً شجاعاً، وظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويطلب بثارات جدّه الحسين(عليه السلام).
وبعد شهادة الإمام زين العابدين(عليه السلام) تداول زيد مع الإمام الباقر(عليه السلام) مسألة القيام بثورةٍ ضدّ الانحراف والطغيان فأيّده الإمام(عليه السلام). وكانت الأحداث في الكوفة عصيبة إبان عصر وحكم هشام الذي انتهج سياسة إغاظة الكوفيّين أشدّ غيظ، فقد كان حكمه ثقيل الوطأة على الأمصار الإسلامية.
وبعد استشهاد الباقر(عليه السلام) كانت الكوفة مهيّأة للثورة، فأهلها هيّأتهم الأحداث ونظمتهم تلك المراسلات التي جرت بينهم وبين زيد حيث بدأت مراسلات الكوفيّين لزيد بشأن الثورة. واستطاع زيد تنظيم أهل الكوفة بالقادسية فأخذ منهم المواعيد والمواثيق. فخرج زيد ليلة الأربعاء أوّل ليلة من صفر سنة (122هـ / 739م) وكان خروجه قبل موعد ساعة الصفر بسبب إجراءات والي الكوفة يوسف بن عمر، واشتبك زيد وقوّاته مع الأمويّين في معارك عدة شملت شوارع الكوفة وأزقّتها، أسفرت عن صمود قوّاته والسيطرة التامّة على معظم هذه الشوارع والأزقّة.
واستطاع رجالُ زيد رغم قلّة عددهم أن يتصدّوا لهجمات البعوث التي كان يرسلها يوسف بن عمر من الحيرة إلّا إنّ يوسف عدل عن استراتيجية مهاجمة قوّات زيد وذلك بإرسال قوّة معظمها من الرماة الذين اتّخذوا أماكنهم محاصرين لقوّات زيد، وأخذوا يمطرونهم طوال الليل بالسهام حتى تمكّن أحد الرماة من إصابة زيد برأسه، فنقل على أثر ذلك وحين انتزع الطبيبُ السهم من رأسه مات زيد شهيداً.
ودفن زيدٌ في حفرةٍ من طين ثمّ أُجري عليها الماء حتى لا يعثر عليه أحدٌ من أعدائه، وقد قام أصحابه بذلك لعلمهم بأنّ الأعداء لا يتورّعون عن التمثيل بجثمانه فيما لو عثروا عليه، وكان ذلك فقد أخبر الغلامُ السنديّ والي الكوفة يوسف بن عمر عن الموضع الذي دُفن فيه زيد، فبعث يوسف نائبه الصلت بن الحكم إلى قبر زيد فاستخرج رفاتـه وبعثـها إلى يوسف فأمر بقطع الرأس وصلبه عرياناً على جذع نخلةٍ وخشبة ووجّهوا وجهه الى جهة الفرات، وبقدرة الله استدارت الخشبة الى جهة القبلة ففعلوا ذلك مراراً والخشبةُ تستدير لجهة القبلة.
فبعث يوسف بن عمر برأس زيد إلى هشام بن عبد الملك فأمر هشام بنصبه على باب مدينة دمشق ثمّ أمر بإرساله إلى المدينة حيث نُصب عند قبر الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) يوماً وليلة، وبعد ذلك أُرسل إلى مصر فطيف به في الشوارع ثمّ أُمِر بتعليقه، فقام أهل مصر بسرقة الرأس ودفنه، أمّا جسد زيد فقد ظلّ مصلوباً حتى أيام الوليد بن يزيد (125 – 126هـ/ 743 – 744م) وكان لا يجرؤ أحدٌ على إنزاله، إذ كتب إلى يوسف بن عمر: فإذا أتاك كتابي هذا فانظر عجل أهل العراق فاحرقه وانسفه في اليمّ نسفاً، وإنّ صنيع يوسف بن عمر وسيّده بجثمان زيد بن علي هو عينُ صنيع عبيد الله بن زياد وسيّده بجثمان جدّه الإمام الحسين بن علي(عليهما السلام)
https://telegram.me/buratha