لقد عرفنا الله الجنة ترغيباً فيها ، وبّين لنا بعضاً من نعيمها وأخفى عنا بعضاً زيادة في الترغيب والتشويق !
فورد على لسان النبي الأكرم والأئمة عليهم افضل الصلاة والسلام بمقدار ما يمكن للمرء منا ان يدركه فكره أو خياله ، ثم هناك المزيد مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، فوصفها في كتابه العزيز بانها تمتد على عرض السموات والأرض (( وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ )) (ال عمران ـ 133) وهي على منازل قيل افضلها الوسيلة وقيل الفردوس وقيل عدن وجميعها تحت عرش الرحمن ولها ثمانية أبواب فيها ما لذ وطاب من الطعام والحور العين والولدان المخلدون وغيرها من الاوصاف التي لا تدركها العقول .
وبطبيعة الحال حينما وصف الله لنا طبيعة ما موجود في الجنة بما تحويه من انهار واشجار ، جعل لنا في دار الدنيا مثال يحمل شيء من ذلك الجمال ، وان كان بفارق كبير جدا وكذلك حينما وصف لنا طبيعة سكانها المنعمون بالملذات تخدمهم الحور العين والولدان المخلدون ، الامر الذي يجعلنا نبحث عن جنة نعي من خلالها وندرك ما سيلاقيه المؤمن في دار الاخرة ولعل خير مثال على ذلك جنة الحسين عليه السلام التي يمتد عاشقوها على طول وعرض الأرض والسماء بعد ان خصها الله بخصائص ومميزات تفوق ارض الجنة فقد ورد عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام : " إنّ أرض الكعبة قالت : مَن مثلي وقد بُني بيت الله على ظهري، يأتيني الناس من كلّ فجّ عميق ؟! فأوحى الله إليها أن كُفّي وقرّي، ما فضل ما فُضّلتِ به فيما أعطيت أرض كربلاء إلّا بمنزلة الإبرة غرست في البحر فحملت من ماء البحر، ولولا تربة كربلاء ما فضّلتك، ولولا من تضمّنه أرض كربلاء ما خلقتك ولا خلقت البيت الذي به افتخرتِ، فقرّي واستقرّي وكوني ذنباً متواضعاً ذليلاً مهيناً، غير مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء، وإلّا سخت بك وهويت بك في نار جهنم» وفي رواية اخرى: «حتى يجعلها الله أفضل أرض في الجنة، وأفضل منزل ومسكن يسكن الله فيه أولياءه في الجنة " .
كما ان الجنة التي تعد اعلى منزلة فيها تحت عرش الرحمن فسكانها لا يستطيعون ان يصلوا الى العرش لوجود الحجب التي تمنعهم الا ان زائر الحسين عليه السلام يزور الله في عرشه كما ورد في الحديث الشريف : " من زار الحسين كان كمن زار الله في عرشه" .
واما عن مكانة وعظمة الساكنين في جنة الله والوافدين الى جنة الحسين عليه الصلاة والسلام ، فان زيارة الأربعين تعد خير شاهدا على ذلك فعلى طول الطرق المؤدية الى كربلاء يرى الزائر موائد الاطعام تمتد لمئات الكيلومترات تضم اشهى والذ الطعام والشراب تتلقفه لها قبل ان يطلب ايادي المحبين اللذين يتباركون بغبار ملابسه ويقبلون اقدامه ويتوسلون به للمكوث عندهم وقتا أطول ليتفننوا بخدمته وهم ممتدون على الطرقات على شكل مجاميع بشرية فيهم الكهول والشباب والنساء والأطفال الذين تركوا أعمالهم وهجروا نسائهم وعيالهم ليلتحقوا بركب خدام زوار الحسين عليه السلام ، فترى البعض منهم يفترش الأرض لخدمة الزائرين والبعض الاخر يسهر ليله لراحتهم والبعض الاخر يجوع عائلته ليطعمهم ، ونساء كملائكة رحمة تطوف على مدار الساعة هّمها ان لا تسمع صوت جائع او انين مريض، وأطفال بعمر الورد هجروا ملذاتهم ونسوا العابهم ، حتى بات همهم الوحيد تقديم الخدمة بما يتناسب مع أعمارهم ، فتشاهد البعض منهم يقفون على الطرقات في البرد القارص لا يمتلكون سوى قناني عطر يعطرون بها نسائم الهواء ليستنشقها الزائر ، واخرون يحملون المناديل ، واخرون يحملون لوحات ارشاد حتى لا يسلك الزائر طريقا غير طريقه او ليستدل عن ما يبحث عنه دون ان يجهد نفسه بالسؤال ، وصور باتت لا تستوعبها العقول ولا تدركها الابصار.
فالحسين جنة الله في ارضه ليتنعم بها محبيه في دار الدنيا تمهيدا لما خصص لهم من حياة نعيم وخلد في دار الاخرة .
ولاء الصفار
https://telegram.me/buratha