أعقبت ثورةَ الطفّ الخالدة ثوراتٌ عديدة منها ثورةُ المختار الثقفيّ التي كان دافعها هو الانتقام ممّن قتلوا سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، فضلاً عن الشعور السائد بضرورة التغيير في أسلوب وأسس الحكم الى الأسس الإسلامية وفق منظور أهل البيت (عليهم السلام)، فهذا الأمرُ كفيلٌ بإحقاق الحقّ وتعميم العدالة ورفع الظلم والحيف الذي لحق بالمستضعفين.
ففي مثل هذا اليوم -الرابع عشر من ربيع الآخر- من سنة (66) للهجرة اندلعت ثورة المختار بن أبي عبيد الثقفي وكان شعارها: (يا لثارات الحسين (عليه السلام) ).
نشأ المختار في أسرة عريقة، فوالده: أبو عبيد بن مسعود بن عمرو بن عُمَير بن عوف بن عُقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف الثقفيّ، وأمّه: دَومة بنت عمرو بن وهب بن معتب، وكانت من ربّات الفصاحة والبلاغة والرأي والعقل.
والمختار في صباه كان يحظى برعاية أمير المؤمنين (عليه السلام) لما كان يعلمه أنّه الآخذ بثأر ولده الحسين (عليه السلام)، فعن الأصبغ بن نباتة قال: رأيت المختار على فخذ أمير المؤمنين وهو يمسح رأسه ويقول: «يا كيّس.. يا كيّس»، وكان المختار يعلم أنّه الآخذ بثأر الحسين (عليه السلام)، فكان يصرّح بذلك ويتحدّث به أمام الناس بعد مقتل الحسين (عليه السلام)، حتّى وصل خبره إلى مسامع الحجّاج والي الأمويّين على العراق فأخذه وحبسه وحاول قتله مراراً ولكنّه لم يستطع الى ذلك سبيلاً.
وقد تعرّض للاعتقال مع أربعة عشر نفراً من وجهاء الكوفة وكان ذلك أثناء تولّي زياد بن أبيه الإمارة على الكوفة فكانت الأيام تمرّ سراعاً في سجن ابن زياد -عليه اللعنة- وكانت الأخبار لا تأتي إلّا بما يسوء، وفجأة يقرع أسماع من كان مسجوناً في زنزانة ابن زياد نبأ الفاجعة العظمى، والمجزرة الكبرى، التي ذبح فيها الحسين وآل الحسين (عليهم السلام) وأنصاره وأريقت دماؤهم الزكية على أرض كربلاء فكان ورود هذه الأخبار إلى أسماع المختار ورفاقه السجناء تزيد جروحهم عمقاً، فتشتدّ فيهم سورة الغضب على هؤلاء الجناة، ويشتدّ بهم الشعور بالتقصير تجاه آل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتأنيب الضمير لخذلانهم أهل الحقّ، وسكوتهم على جرأة الباطل.
استطاعت شخصية المختار الفذّة أن تجمع أكثر الناس المعارضين للدولة الأموية وللدولة الزبيرية وكان الجوّ مشحوناً بالتوتّر ضدّ والي ابن الزبير الذي استعان بقتلة الإمام الحسين (عليه السلام) في الإدارة لشؤون الكوفة، فاغتنم المختار هذه الأجواء للانطلاق من خلالها بالثورة، فحدّد تاريخ الرابع عشر من ربيع الآخر موعداً لإعلان ساعة الصفر.
فاستولى على قصر الإمارة وسيطر على كامل أرض الكوفة بعد أربعة أيّام من الكرّ والفرّ، وجلس في القصر، واجتمع عليه الناس للبيعة وبعد أن سيطر على الكوفة بشكل كامل، أرسل العمّال والولاة إلى نواحي الكوفة والمناطق التابعة لها وفرّق العمّال بالجبال والبلاد.
لقد منّ الله على المختار الثقفي بالأخذ بجزء من ثأر الحسين (سلام الله عليه) رغم أنّ الذين قتلهم لم يكونوا قليلين حيث كان عددهم يقارب الـ(18,000) من الذين ساهموا بقتل الحسين في تلك الواقعة.
عندما جيء برأس عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد -اللذين قتلهما المختار- إلى الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام) خرّ الإمام ساجداً لله وقال: «الحمد لله الذي أدرك ثأري من أعدائي وجزى المختار خيراً».
وعن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: «لا تسبّوا المختار، فإنّه قتل قتلتنا وطلب بثأرنا، وزوّج أراملنا، وقسم فينا المال على العسرة».
وروي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في كلامٍ له مع ابن المختار: «أخبرني أبي أنّ مهر أمي ممّا بعث به المختار إليه، ألم يبنِ دورنا؟ وقتل قتلتنا؟ وطلب بثأرنا؟ فرحم الله أباك.. رحم الله أباك.. رحم الله أباك، ما ترك لنا حقّاً عند أحدٍ إلّا طلبه».
وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «ما امتشطت فينا ولا اختضبت هاشميةٌ حتى بعث إلينا المختارُ برؤوس الذين قتلوا الإمام الحسين(عليه السلام)».
استُشهِدَ (رضي الله عنه) في الرابع عشر من شهر رمضان (67هـ)، بعدما قاتل مصعب بن الزبير وجيشه أشدّ قتال، حيث بعثه أخوه عبد الله بن الزبير إلى العراق للانتقام من المختار.
https://telegram.me/buratha