تعدّ الصّين من المواطن القديمة للمسلمين في العالم، والّتي يوجد فيها مساجد للنّساء فقط منذ أمدٍ طويل. وقد جاءت الدّيانتان المسيحيّة والإسلاميّة إلى البلاد في القرن السّابع الميلاديّ، ويوجد في الصّين بعضٌ من أقدم الجاليات الإسلاميّة خارج الشّرق الأدنى، بل هناك أيضاً آخر ما تبقّى من الجالية اليهوديّة في الصّين، والتي جاءت من بلاد فارس وربما اليمن، في عهد أسرة سونغ.
ومع ذلك، فإنَّ أروع شيءٍ هناك هو المساجد المخصَّصة للنِّساء فقط، وقد يكون الشّيء الأكثر إثارةً للدَّهشة، هو أنَّ هناك أئمّةً من النّساء أيضاً.
ويقع المسجد الرّئيس للنّساء بالقرب من المسجد المركزيّ للرّجال، عبر زقاقٍ تصطفّ حوله أكشاك الطّعام. وهناك مساجد شاهدة على تجذّر الإسلام في الصّين، وعلى التمسّك بإقامة العبادات وإحيائها، رغم كلّ الظّروف والمؤثّرات.
تلتقي بعددٍ من المصلّيات وإمامتهنّ الّتي كانت تعمل في السّابق في أحد المصانع، وتنحدر من عائلة ملتزمة دينيّاً، ثمّ تحوَّلت بعد خمس سنوات من الدّراسة إلى إمامة، على الرّغم من أنها ترى أنّ وظيفتها الرئيسة هي تعليم النّساء قراءة القرآن فقط
وقالت إمامة المسجد، غو جينغ فانغ، إنها ترى أنَّ المساجد المخصَّصة للنِّساء فقط هي أحد التّقاليد الصينيَّة بصفة عامّة، ومقاطعة هينان بصفة خاصَّة، فهناك 16 مسجداً في كايفنغ وعشرات المساجد الأخرى في الرّيف حولها، جنباً إلى جنب مع المدارس الصَّغيرة في مدينة تشنغتشو الكبيرة، وفي بعض المدن الصَّغيرة. وفي أماكن أبعد من ذلك، هناك العديد من المساجد في جنوب مقاطعة يونان وفي الشّمال أيضاً، ولكن ليس هناك مساجد من هذا النّوع في منطقة شينجيانغ ذات الأغلبيّة المسلمة.
أمّا عن كيفيَّة تخصيص مساجد للنساء فقط، فيتعيَّن علينا أن نعود إلى تأسيس سلالة مينغ في أواخر القرن الثالث عشر الميلادي، عندما تحوَّلت الجالية المسلمة فجأةً إلى أقليَّة مضطهدة. وردّاً على صدمة الاحتلال المغولي الأجنبيّ، شنَّ حكام مينغ الأوائل حرباً ضدّ الشّعوب الّتي لا تنتمي إلى شعب الهان، وأثارت الأقليّات العداء والشكّ، وتعرَّضت لسياسة وحشيّة من التّمييز، وقيل للمسلمين إنَّه يتعيَّن عليهم الزّواج من أبناء شعب الهان، وليس الزّواج من بعضهم البعض.
لذلك، كان القرن الخامس عشر الميلادي شبه كارثيّ على الإسلام في الصّين، لكن في أواخر القرن السّادس عشر، تحسَّنت الأمور، وبدأت حركة ثقافيّة جديدة بين المسلمين، وكان هناك نهضة للثّقافة والتربية الإسلاميّة.
وبعد قرن من الزمان، كان الفلاسفة المسلمون الصينيون قادرين على تأليف كتب تثقيفيّة حول كيفيّة أن يكون المرء موالياً للإسلام وللدّولة الصينيّة في الوقت نفسه. وعند هذه النقطة، وعلى المستوى الشَّعبيّ، أدرك الرّجال أهميّة دور المرأة في الحفاظ على الدّين والتّرويج له. لذلك، نمت المساجد المخصّصة للمرأة من حركة مزدوجة في العالم الإسلاميّ الصينيّ تمثّلت بضرورة الحفاظ على المجتمع، والرغبة في تعليم المرأة.
وقالت إحدى السيّدات المسلمات: "عندما كانت أمَّهاتنا صغيرات، كانت المساجد هي المكان الوحيد الَّذي يمكن للمرأة المسلمة الفقيرة أن تتلقَّى فيه التّعليم، والنَّساء فعلن ذلك معاً، فكانت المرأة هي الَّتي تدعم المرأة."
وفي السياق نفسه، فقد أمّت امرأة أميركيّة من أصل أفريقي الصَّلاة في الآونة الأخيرة في أول مسجد للنّساء في الولايات المتّحدة الأميركيّة في لوس أنجلوس. وفي المملكة المتَّحدة، أعلن مجلس النّساء المسلمات في برادفورد في الآونة الأخيرة، عن خطّةٍ لبناء أوَّل مسجدٍ للسيّدات في المملكة المتّحدة.
ونشير هنا إلى أنّه، وبالرّغم من أنّ الإسلام قد منح المرأة كامل حقوقها وساواها بالرّجل، فإنَّ هناك أحكاماً شرعيَّةً لا بدَّ من مراعاتها في مسألة إمامة المرأة للرّجل، فالرجل تصحّ إمامته للنّساء والرّجال، فيما المرأة تصحّ إمامتها للنّساء فقط.
https://telegram.me/buratha