صدر مؤخراً للمؤلف الكاتب والباحث السياسي (عمار ياسر العامري) كتابه الثالث (الإبعاد السياسية والاجتماعية لفتوى الجهاد الكفائي) عن مؤسسة أديان للطباعة في السماوة لعام 2016, وقد خرج الكتاب عن (120) صفحة من القطع الصغير, وكان الكتاب يحتوي على مقدمة وثلاث مباحث واستنتاجات فضلاً عن الملاحق, معتمداً بذلك على (ثلاثون مصدر) متنوع من كتب ومراجع, وأيضا خطب ومحاضرات, ومقالات ودراسات ومراسلات.
استهل الكتاب بالمقدمة تحدث فيها عن زعامة المؤسسة الدينية الشيعية (المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف) وأسباب بقاءها بعيدة عن التجاذبات السياسية والتأثيرات الخارجية, لاسيما بعد التدخلات الأجنبية نتيجة الغزو العسكري والفكري للأمة الإسلامية, حتى تقلد سماحة المرجع الديني الأعلى الأمام السيد علي الحسيني السيستاني زعامة الحوزة العلمية في النجف الاشرف عام 1993م/1413هـ, ومرور مرجعيته بمراحل مهمة متعددة, الأولى؛ مسؤوليته بالمحافظة على الحوزة العلمية بالنجف الاشرف, والمهمة الثانية؛ مواكبة التغييرات السياسية التي حدثت بعد عام 2003, ومعالجته التحديات الخطيرة اتجاه أبناء الشعب العراقي, وكان التحدي الأول: دعوته للعراقيين كافة للمشاركة بالاستفتاء على الدستور الدائم عام 2005, والتحدي الثاني: يكمن في إخماده لنار الطائفية بعد تعرض مرقد الإمامين العسكريين"ع" عام 2006 للتفجير من قبل الزمر التكفيرية, أما المهمة الثالثة؛ عندما تعرض العراق لاجتياح العصابات الإرهابية لمدينة الموصل في10حزيران 2014, ومبادرة سماحته لإصدار فتواه (بالجهاد الكفائي) والتي لم تصدر مثيلتها في العالم الإسلامي منذ مئة عام خلت.
فيما استعرض المؤلف في المبحث الأول؛ الذي كان بعنوان (الجهاد الإسلامي والجهاد التكفيري) معنى الجهاد لغةً واصطلاحاً, ومعنى الجهاد الكفائي, وفتاوى التي أثرت في التاريخ المعاصر منها؛ فتوى السيد كاظم اليزدي, بعد نزول الجيوش الانكليزية الغازية جهة البصرة, وإصدار الشيخ محمد تقي الشيرازي, لفتوى أخرى بصدد الاستفتاء, كما تطرق إصدار الإمام محسن الحكيم الفتوى المشهورة التي حرم فيها (الأفكار الشيوعية), فيما تعرض لأصول داعش وزعامتها, وأهداف داعش التوسعية, فيما أعطى المؤلف تقديم لفتوى الجهاد الكفائي, ذاكراً ردود الفعل المباشرة للفتوى.
إما البحث الثاني فقد جاء (بالإبعاد السياسي للفتوى)؛ وقد احتوى المبحث على عشرة إبعاد مهمة هي, أغلقت فتوى كل افتعال حرب طائفية وأهلية, وكان المخطط إثارتها, كما يعتقد بوجود مخطط تقسيم المنطقة, بعد دخول داعش للموصل, ألا إن الفتوى ووقوف المجاهدين بوجه عرقل ذلك, وإن الجهد العسكري بحاجة ماسة لمساندة الفتوى سياسياً عبر التحرك الدبلوماسي, ووضعت الفتوى القادة السياسيين في العراق على محك الاختبار على أن يوحدوا كلمتهم ومواقفهم, وأيضا تطرق لولادة الحشد الشعبي الوليد الشرعي لفتوى الجهاد, وطالب المؤلف بضرورة تحرك الساسة العراقيين وانفتاحهم في العلاقات, وأيضا اتضح أن من أسباب إرباك الوضع الأمني في العراق, هو ما حصل للمؤسسات العسكرية والأمنية المتواجدة في المدن الغربية كافة, كما كشف إن العصابات الإرهابية هي المستفيدة من الاحتراب الطائفي, بسبب توفر البيئة الملائمة لنموها, ووضعت الفتوى حداً لظاهرة انتشار الإشاعات والأكاذيب, التي انتشرت في الأوساط الاجتماعية العراقية, لقد أثبتت الفتوى أن طريق الحل في العراق, ليس حلاً أحادياً فقط, أنما لابد من تكاتف الجميع, وتوحدت آراءهم.
فيما جاء في المبحث الثالث الذي كان بعنوان (الإبعاد السياسية لفتوى الجهاد الكفائي), إن صدور الفتوى تعد من علامات الممهدة للظهور الشريف, كما أفرزت الفتوى القيادة الشرعية الحقيقية العليا للمذهب داخل العراق وخارجه, والمتمثلة بالمرجعية الدينية العليا في عصر الغيبة, كما تحدث عن نية الإرهابيين السيطرة على المدن المقدسة, في محاولة تدمير العتبات المقدسة, وأيضا كشفت الفتوى أسماء قيادية لامعة في الميدان الجهادي العسكري, وأظهرت أهمية التكاتف الوطني العراقي في مواجهة الإرهاب, وساهمت الفتوى في حفظ واستمرار حضارة العراق العريقة, كما كشفت أن البناء التربوي والمعرفي في العراق, غير قادرة على بناء شخصية الفرد بناءً علمياً ومهنياً وأخلاقياً, وإن الفتوى أثبتت أن الملف الأمني من أهم الأولويات, كما أثبتت أن العشائر العراقية, هي الساعد المتين للمرجعية الرشيدة للدفاع عن العراق, والذود عن مقدساته, فضلاً عن التقبل داخل الأسرة العراقية والبيئة الاجتماعية لسقوط إعداد من أبناءها شهداء من اجل العقيدة والوطن.
كما ظهر المؤلف بالاستنتاجات أن الفتوى؛ ليست ذات بُعدٍ عسكري وأمني فقط, لصد تمدد العصابات الإرهابية, إنما كانت للفتوى المقدسة أبعاد سياسية واجتماعية متعددة, لأنها تعد من نوادر الفقه الشيعي, فطوال قرن من الزمن, ورغم صدور العديد من الفتاوى الجهادية الدفاعية؛ لم نجد هناك فتوى أوضح إبعاداً واشمل مدلولات بالشكل والمضمون, تبرز خلال فترة زمنية لم تتعد السنة, ألا فتوى الجهاد الكفائي للإمام السيستاني, ولم تقتصد الفتوى على تلك الأبعاد, وإنما قدمت بعدها المرجعية الدينية لائحة (المقاتل المثالي), وهي مجموعة من التوصيات, لتكون بمثابة مسارات وإرشادات ليس فقط لمجاهدي الحشد الشعبي, إنما تصلح أن تكون (لائحة لحقوق الإنسان) في الجانب العسكري والحربي لكل جيوش العالم.
https://telegram.me/buratha