عظم الله لكم الأجر أعزائنا قراء ومتابعي ومتصفحي وكالة أنباء براثا بذكرى وفاة السيد خديجة بنت خويلد عليها السلام..ونتقدم بوافر العزاء الى ولي الله الأعظم صاحب العصر والزمان الإمام الجة المنتظر عجل الله له الفرج، والى علمائنا الأعلام ومراجعنا العظام لاسيما الإمام المفدى السيد السيستاني (دام ظاه الوارف) والى الأمة الأسلامية جمعاء وشيعة أهل البيت عليهم السلام أعزهم الله بعزه وايدهم بنصرة وأمدهم بجنده وقمع عنهم عدوهم ورد كيده الى نحره..
أم المؤمنيين السيدة خديجة بنت خويلد رضوان الله عليها من أفضل نساء قريش والمكيين جميعاً، خَلقاً وخُلقاً، وكانت ذات مواهب كثيرة: عقلاً، وحكمة، وثروة واسعة حتى روى صاحب البحار أنَّ لها بيتاً يسع أهل مكة آنذاك.
كما أنَّها جمعت إلى الثروةِ: الشرفَ، والعفةَ، والكرمَ، والصيانةَ، والسمعةَ العالية حتى أصبحت محط آمال الرجال الأغنياء، فلقد تقدم لخطبتها عقبة بن أبي معيط، والصلت بن أبي يهاب، وكان لكل واحد منهما أربعمائة عبد وأمة، وخطبها أبو جهل بن هشام، وأبو سفيان، ولم ترغب في الزواج من أحدهم، بل أكثر من هذا فقد جاء في بحار الأنوار على لسان أبي طالب رضي الله عنه: (وخطبها ملوك العرب، ورؤساؤهم، وصناديد قريش، وسادات بني هاشم، وملوك اليمن، وأكابر الطائف، وبذلوا لها الأموال، فلم ترغب في أحد منهم)
ونستفيد من موقف خديجة هذا: إنَّ المرأة المؤمنة الرشيدة لا تطلب في حالة زواجها من الرجال أكثرهم مالاً، أو أعظمهم ملكاً، ولكنَّها تطلب الكمال الذي أراده الله تعالى، وهو كمال الإيمان، وسمو الأخلاق، وزكاة الأنفس، وسلامة القلوب، وإرادة الخير بتغيير الواقع الفاسد إلى واقع سليم؛ لإنقاذ البشرية من الكفر، والشرك، والنفاق، والطغيان، ونقلها من عبادة العبيد إلى عبادة الله تعالى، ولا عجب من خديجة ذلك، فهي التي وصفها عارف عصرها أبو طالب رضي الله عنه: (امرأة كاملة ميمونة فاضلة، تخشى العار، وتحذر الشنار)
وكانت خديجة أول من آمن بالله تعالى وتحملت مع رسول الله (ص) أعباء رسالة الله تعالى، وتشاركه آماله وآلامه، وتتحمل معه شظف العيش بعد غضارته، وتبذل كل ما ملكته طول حياتها؛ لتعطي المثل الأسمى للمرأة المؤمنة، وعلى كل حال فإنَّ خديجة رضوان الله تعالى عليها بعد أن تزوجها رسول الله (ص) كان لها الدور الفعال في مساندة النبي في تحمل أعباء رسالة الله تعالى، حيث كانت تخفف عليه المصاعب والتحديات التي كان يواجهها من قريش، يقول محمد بن إسحاق: (كانت خديجة أول من آمن بالله ورسوله، وصدقت بما جاء من الله، ووازرته على أمره، فخفف الله بذلك عن رسول الله |، وكان لا يسمع شيئاً يكرهه من ردٍ عليه وتكذيبٍ له، فيحزنه ذلك إلا فرَّج الله ذلك عن رسول الله (ص) بها، إذا رجع إليها تثبته، وتخفف عنه، وتهون عليه أمر الناس حتى ماتت رحمها الله)
(10/ رمضان 10 للبعثة) وفاة السيدة خديجة بنت خويلد (رضي الله عنها)
وفاة السيدة خديجة بنت خويلد(رضي الله عنها)
اسمها ونسبها(رضي الله عنها)
أُمّ المؤمنين، السيّدة خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العُزّى بن قصي القرشي الأسدي، وكانت تلقّب بالطاهرة.
تاريخ ولادتها(رضي الله عنها)
قبل عام الفيل بخمس عشرة سنة.
إسلامها(رضي الله عنها)
لا شكّ أنّ أوّل امرأة آمنت بالدين الإسلامي هي خديجة(رضي الله عنها).
فقد ورد عن ابن عباس أنّه قال: «أوّل مَن آمن برسول الله(صلى الله عليه وآله) من الرجال علي(عليه السلام)، ومن النساء خديجة(رضي الله عنها)»(1).
زواجها(رضي الله عنها)
تزوّجت(رضي الله عنها) من رسول الله(صلى الله عليه وآله) في العاشر من ربيع الأوّل، وكانت في عمر الأربعين، وكان عمره(صلى الله عليه وآله) خمس وعشرين سنة.
ولم يتزوّج غيرها في حياتها حتّى تُوفّيت(رضي الله عنها)، وقد كتبتُ عن زواجها مفصّلاً في مناسبة يوم العاشر من ربيع الأوّل، فراجع.
أولادها(رضي الله عنها)
اختلفت الأقوال في عدد أولادها من رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ولكن من المسلّم أنّ القاسم والسيّدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) منها، والقاسم قد توفّي في حياة النبي(صلى الله عليه وآله)، وبه يُكنّى.
صفاتها(رضي الله عنها)
كانت السيّدة خديجة(رضي الله عنها) امرأة حازمة لبيبة شريفة، ومن أوسط قريش نسباً وأعظمهم شرفاً وأكثرهم مالاً، وقد كانت آزرت زوجها رسول الله(صلى الله عليه وآله) أيّام المحنة، فخفّف الله تعالى عنه بها.
وكان(صلى الله عليه وآله) لا يسمع شيئاً يكرهه من مشركي مكّة من الردّ والتكذيب إلّا خفّفته عنه وهوّنته، وبقيت هكذا تسانده حتّى آخر لحظة من حياتها.
مكانتها وفضلها(رضي الله عنها)
للسيّدة خديجة(رضي الله عنها) مكانة ومنزلة عالية يغبطها عليها الملائكة المقرّبون، حتّى إنّ جبرائيل(عليه السلام) أتى إلى النبي(صلى الله عليه وآله) فقال: «يا محمّد، هذه خديجة قد أتتك فاقرأها السلام من ربّها، وبشّرها ببيتٍ في الجنّة من قصبٍ لا صخبٌ فيه ولا نَصَب»، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «يا خديجة، هذا جبرائيل يُقرئك من ربّك السلام»، فقالت خديجة: الله السلام ومنه السلام وعلى جبرائيل السلام(2).
وعن أنس بن مالك قال: «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): "خير نساء العالمين أربع: مريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد"»(3).
وعن النبي(صلى الله عليه وآله) قال: «كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلّا أربع: آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد»(4).
إنفاقها(رضي الله عنها)
قد أنفقت السيّدة خديجة(رضي الله عنها) أموالها في أيّام تعرّض المسلمين للاضطهاد والحصار الاقتصادي الذي فرضه مشركو مكّة، حتّى إنّ النبي(صلى الله عليه وآله) قال: «ما نفعني مال قطّ مثلما نفعني مال خديجة»(5)، وكان(صلى الله عليه وآله) يفكّ من مالها الغارم والأسير، ويعطي الضعيف، ومن لا والد له ولا ولد، والعيال والثقل.
وقال الزُهْري: «بلغنا أنّ خديجة أنفقت على رسول الله(صلى الله عليه وآله) أربعين ألفاً وأربعين ألفاً»(6).
حبّ النبي(صلى الله عليه وآله) لها
كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يحبّها حبّاً كثيراً، ويكفينا شاهداً على ذلك قول عائشة: «ما غِرتُ على أحدٍ من نساء النبي(صلى الله عليه وآله) ما غِرتُ على خديجة، وما رأيتُها، ولكن كان النبي(صلى الله عليه وآله) يُكثرُ ذكرها، وربّما ذبح الشاة ثمّ يقطّعها أعضاءً ثمّ يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأنّه لم يكن في الدنيا إلّا خديجة! فيقول: إنّها كانت، وكانت، وكان لي منها الأوّلاد»(7).
وفي رواية عن عائشة قالت: «كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) إذا ذكر خديجة لم يكن يسأم من الثناء عليها والاستغفار لها، فذكرها ذات يوم واحتملتني الغيرة إلى أن قلت: قد عوّضك الله من كبيرة السنّ.
قالت: فرأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) غضب غضباً سقط في جلدي، فقلت في نفسي: اللّهمّ إنّك إن أذهبت عنّي غضب رسول الله(صلى الله عليه وآله) لم أذكرها بسوء ما بقيت، فلمّا رأى رسول الله(صلى الله عليه وآله) الذي قد لقيت، قال: كيف قلت؟ والله لقد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدّقتني إذ كذّبني الناس، ورزُقت منّي الولد إذ حرمتيه منّي»(8).
وفي رواية عن عائشة قالت: «أغضبتُه يوماً فقالصلى الله عليه وآله): إنّي رُزِقتُ حُبّها»(9).
حرزها(رضي الله عنها)
كان حرز خديجة(رضي الله عنها): «بسم الله الرحمن الرحيم، يا الله يا حافظ يا حفيظ يا رقيب».
وهناك حرز آخر لها(رضي الله عنها): «بسم الله الرحمن الرحيم، يا حيّ يا قيّوم، برحمتك أستغيث فأغثني، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً، وأصلح لي شأني كلّه».
تاريخ وفاتها(رضي الله عنها) ومدّة عمرها
10 شهر رمضان سنة عشر للبعثة النبوية، أي قبل الهجرة بثلاث سنين، وعمرها 65سنة.
مكان دفنها(رضي الله عنها)
مقبرة الحَجُون في مكّة المكرّمة، ونزل رسول الله(صلى الله عليه وآله) في حفرتها، ولم تكن يومئذٍ سُنّة صلاة الجنازة حتّى يصلّي عليها.
وصاياها لرسول الله(صلى الله عليه وآله)
لمّا اشتدّ مرض السيّدة خديجة قالت: يا رسول الله اسمع وصاياي:
أوّلاً: إنّي قاصرة في حقّك فاعفني يا رسول الله. قال(صلى الله عليه وآله): «حاشا وكلاّ، ما رأيت منك تقصيراً، فقد بلغتِ بجهدك، وتعبت في داري غاية التعب، ولقد بذلت أموالكِ وصرفت في سبيل الله مالَكِ».
ثانياً: أوصيك بهذه ـ وأشارت إلى فاطمة ـ فإنّها يتيمة غريبة من بعدي، فلا يؤذينها أحدٌ من نساء قريش ولا يلطمنّ خدّها ولا يصيحنّ في وجهها ولا يرينّها مكروهاً.
ثالثاً: إنّي خائفة من القبر، أُريد منك رداءك الذي تلبسه حين نزول الوحي تكفّنني فيه. فقام النبي(صلى الله عليه وآله) وسلّم الرّداء إليها، فسرّت به سروراً عظيماً، فلمّا توفّيت خديجة أخذ رسول الله(صلى الله عليه وآله) في تجهيزها وغسّلها وحنّطها، فلمّا أراد أن يكفّنها هبطَ الأمين جبرائيل وقال: «يا رسول الله، إنّ الله يقرئك السلام ويخصّك بالتحية والإكرام ويقول لك: يا محمّد إنّ كفن خديجة من عندنا، فإنّها بذلت مالها في سبيلنا». فجاء جبرائيل بكفنٍ، وقال: «يا رسول الله، هذا كفن خديجة، وهو من أكفان الجنّة أهداه الله إليها».
فكفّنها رسول الله(صلى الله عليه وآله) بردائه الشريف أوّلاً، وبما جاء به جبرائيل ثانياً، فكان لها كفنان: كفنٌ من الله، وكفنٌ من رسوله(10).
ـــــــــــــــــــــ
1. الأمالي للطوسي: 259.
2. صحيح البخاري 4/231 و 8/197، صحيح مسلم 7/133.
3. تاريخ بغداد 9/411، سير أعلام النبلاء 2/117.
4. تفسير مجمع البيان 10/65، تفسير الثعلبي 9/353.
5. الأمالي للطوسي: 468.
6. تذكرة الخواص: 314.
7. صحيح البخاري 4/231.
8. المعجم الكبير 23/13.
9. صحيح ابن حبّان 15/467.
10. شجرة طوبى 2/234.
https://telegram.me/buratha