محمد عبدالله
الصّوم دورة تدريبيّة مهمّة للإنسان، بأن يوطّن نفسه تدريجياً على ترك ما حرّمه الله، والإقبال على ما أحلّه، وأن يسدّ فقره الرّوحيّ بالغنى العباديّ، عبر تعزيز روح التّقوى في نفسه، بما يمنعه من ارتكاب المحرَّمات، ويدفعه إلى التعوّد على فعل الخير ومعرفة ما فيه من فلاح وغنى للنّفس.
كثيرون قد يعانون من ضعفٍ في بنيتهم الأخلاقيّة والروحيّة، نتيجة أجواء وظروف كثيرة، لكنّ المشكلة الأساس تكمن في عدم التنبُّه إلى نقاط الضّعف هذه، والمبادرة إلى معالجتها وتصحيح ما يمكن تصحيحه من خلل. والخسارة الكبرى، أن يبقى البعض مصرّاً على تجاهله لنقاط ضعفه، والإمعان في الإنصات لصوت النّزوات والرغبات والانحراف عن طريق الحقّ، بحيث لا يقيم حساباً لله تعالى فيما يقول وفيما يأخذ ويترك ويفعل وفيما يمارس من رغبات.
هنا يأتي الصّوم كدورة تدريبيّة مهمّة للإنسان، بأن يوطّن نفسه تدريجياً على ترك ما حرّمه الله، والإقبال على ما أحلّه، وأن يسدّ فقره الرّوحيّ بالغنى العباديّ، عبر تعزيز روح التّقوى في نفسه، بما يمنعه من ارتكاب المحرَّمات، ويدفعه إلى التعوّد على فعل الخير ومعرفة ما فيه من فلاح وغنى للنّفس.
والصَّوم إذ ذاك يعني المواجهة المفتوحة مع الذّات في أنانيّاتها وحبّها لكلّ شيء، من شهرة واستعلاء وتسلّط وتملّك وكِبَر. وهنا، تفرض أخلاقيّات الصَّوم مجابهة كلّ ذلك، ونبذه من قاموس سلوكنا اليومي، فالصّوم لا يتوافق مع عقلية إنسان أناني تدفعه أنانيّته إلى تجاوز كل الحدود.
الصّوم أيضاً مواجهة مع الذّات لترشيد شهواتها ونزواتها نحو ما أحلَّه الله وأوضحه وبيَّنه لعباده، كي يعشوا الطّهر والنَّقاء في كلِّ شيء، ويبتعدوا عن الكبائر والخبائث، بكبح جماح النّفس وترويضها على ما جعله الله لعباده من نصيب في الدّنيا، لينطلقوا من خلاله فيشكروا الله تعالى على ما بلّغهم إيّاه من النعمة.
في الصّوم تحرّرٌ من قيود الذّات، فلا عبوديّة للمال والسّلطة والشّهوة، بل عبوديّة لله وحده، وبمقدار ما يصارع المرء ذاته ويطوّعها في سبيل الخير وسلوك سبيل الله، يحقّق الصوم فعله وفائدته وتأثيره في إيجاد إنسانٍ يتفاعل مع معنى الصّوم وغايته، ويأخذ من الصّوم ما يعينه على نفسه وتربيتها وتهذيبها.
مَن مِنَّا مستعدّ اليوم لمواجهة ذاته والاعتراف أمام الله بالضَّعف والانطلاق للإفادة من الصّوم من أجل توطين النّفس وتعويدها على التّقوى في القول والعمل، وهجران الشّرّ، ونبذ الباطل وأهله، ومناصرة الحقّ وأهله، وتقديم العون لمن يحتاجه، وزرع المحبّة والرّحمة والسّلام والطّمأنينة والسّكينة في ربوع الحياة؟!!
فلنكن من الصّائمين المخلصين لأنفسنا في اجتناب الشّرّ والظّلم والباطل، حتّى نريحها من الشّقاء في الدنيا والآخرة، وأن نكون المخلصين لربّنا، فنزداد قرباً منه واستحقاقاً لعفوه ورحمته ورضوانه..
https://telegram.me/buratha