قد يخفى على غير العارفين بنصوص العهد الجديد ( الكتاب المقدس للاخوة المسيحيين) ان هذا الكتاب , وان كان في مجمله يتضمن السيرة الشخصية ليسوع المسيح, لكنه لا يحتوي إلا النزر اليسير من اقوال وتعاليم المسيح !!
فعند جمع كل أقوال ووصايا المسيح الواردة في أناجيل ورسائل العهد الجديد, لن يخرج من هذه الأقوال سوى ما يعادل الصفحتين فقط من الحجم الطبيعي , بعد حذف المتكرر منها بالطبع.
وفي نفس الوقت نجد ان رسائل بولس الرسول ( شاول الطرسوسي) التي تحتوي على أفكاره وتعاليمه وشروحه التي أصبحت أساسا للعقيدة المسيحية ,لاحقا, تشكل ما يعادل أكثر من نصف العهد الجديد !
وعلى الرغم من قلة أقوال ووصايا يسوع المسيح ( نسبيا) في سرديات العهد الجديد, لكن تبقى هذه الأقوال والتعاليم والتوصيات على قدر كبير من الاهمية من الناحية العقدية والاخلاقية وكذلك من ناحية قراءة الواقع واستشراف المستقبل
ولعل من بين أهم الوصايا التي سردتها لنا نصوص الأناجيل والمنسوبة مباشرة ليسوع المسيح, تلك الوصايا والتحذيرات الموجهة لاتباعه وتلاميذه من الأنبياء الكذبة وضرورة الحذر منهم والانتباه لخطورتهم !
فعند قراءة الإصحاح الرابع والعشرين من إنجيل متى ,مثلا, نجد السيد المسيح, يحذر( تلاميذه) من الانبياء الكذبة والذين قد يستطيعوا ان يقوموا بآيات وعجائب ويخدعوا حتى (المختارين) لو أمكن !!
وطلب منهم ان لا يصدقوا ادعاء الكذابين بأن المسيح ظهر لهم هنا او هناك !..او انه ظهر بالبرية او اي مكان آخر ,مؤكدا لتلاميذه انه حين يظهر ,سيكون ظهوره واضحا للجميع مثل نور البرق الذي يغطي المشارق والمغارب! راجع متى 24
وفي نفس الإنجيل نجد ,يسوع المسيح, في الإصحاح السابع, يحذر بشكل لافت جدا, من الانبياء الكذبة الذين ستكون نبؤاتهم الكاذبة بأسم المسيح, وقد شبههم يسوع, بأنهم مثل الذين يرتدون ثياب الحملان ,ولكنهم ذئاب بالاصل!
ونجد المسيح يطلب مراقبة ثمار ونتائج أعمال هؤلاء الكذبة للتأكد من كذبهم وادعائهم, حتى لو كانوا يتنبؤن باسم المسيح نفسه, ويعتبرونه هو الرب !!... لانه سوف يتبرأ منهم ومن أثم أفعالهم وخداعهم للمؤمنين
(كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟ فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ!)
ان تحذيرات يسوع المسيح لتلاميذه وأتباعه من الانبياء الكذبة,هي انعكاس لاستشراف المسيح للمستقبل, وخطوة احترازية منه لتجنب اثار نتائج الدور التخريبي ,الذي قد يسببه هؤلاء الدجالون الذي قد ينجحون بحرف الإيمان كله!
وبنفس الوقت, تعتبر تحذيرات السيد المسيح, تكملة لما تضمنته نصوص العهد القديم حول الأنبياء الكذبة !
لقد حذر العهد القديم من الأنبياء الكذبة ومن خطورتهم في نصوص عديدة وبشكل مكثف, كما ورد في في سفر التثنية 18
وكذلك في سفر ارميا 14 وايضا سفر حزقيال 13 وغيرها من النصوص العديدة
ومن خلال تلك النصوص, نجد ان العهد القديم وضع علامتين أساسيتين لمعرفة وتمييز الأنبياء الكذبة وهما:
عدم الالتزام بتعاليم الرب ووصاياه التي أوجب الالتزام بها وحفظها كما ورد في الناموس (الشريعة)
والعلامة الثانية هي: ان الأنبياء الكذبة ,سوف يفتضحون من خلال ثبوت كذب نبوأتهم حول المستقبل!
ومن أجل معرفة وفرز الأنبياء الكذبة, نحتاج أولا, لمعرفة ما هي النبوة؟ ومن هو الذي يصدق عليه وصف النبي؟
وحسب دائرة المعارف الكتابية المسيحية, فإن النبوة هي ( الأخبار عن الله وخفايا مقاصده، وعن الأمور المستقبلية ومصير الشعوب والمدن، والأقدار، بوحي خاص منزل من الله على فم أنبيائه المصطفين)
وبذلك يكون النبي هو (من يتكلم أو يكتب عما يجول في خاطره، دون أن يكون ذلك الشيء من بنات أفكاره، بل هو من قوة خارجة عنه - قوة الله)..لذا وحسب التعريف المسيحي, فان النبي هو الذي يدعي ان تعاليمه وكلامه وارائه هي من الله!
و نظرا لاهمية شخصية شاول الطرسوسي( بولس) في مسيرة تطور الديانة المسيحية, ومحورية آرائه وأفكاره, والتي أصبحت نصوصا مقدسة, وقاعدة اساسية يقوم عليها هيكل تلك الديانة, لذلك, نحتاج الى مقاربة تلك الشخصية من خلال المعايير التي تحدد صفات الانبياء او مدعي الرسالة.
من المفارقات الطريفة, اننا نجد بعض الاخوة المسيحيين, وحتى المتخصصين منهم, عند الحديث عن نبؤة شاول الطرسوسي, نجدهم, ينتفضون , ويعترضون, على اساس ان بولس/شاول رسول وليس نبي !!
والعجيب, انهم يدافعون بهكذا حجة مضحكة, وبنفس الوقت يعتبرون كلام واراء هذا الرجل نصوص مقدسة ,تشكل أكثر من نصف الكتاب المقدس لديهم !
ان تكثيف تكرار وصف بولس بالرسول, وتجنب وصفه بالنبي, هو تكتيك ذكي ومدروس اتبعته الكنيسة منذ القرون الاولى من اجل منع وابعاد اي محاولة لإخضاع بولس لميزان مواصفات النبي الكاذب ,التي ذكرها المسيح وكذلك العهد القديم !
وكذلك لمنع حصول اي مقارنة ذهنية لدى اتباعها, بين تحذيرات السيد المسيح من الأنبياء الكذبة ,وبين شخصية بولس!
ورغم ان التعريف المسيحي للنبي, ينطبق على بولس وعلى ادعائه ان الرب ظهر له بشكل مباشر!!, والذي يحرص في كل رسائله على التأكيد لاتباعه, انه رسول من الله ومن الرب يسوع, وهما اللذان كلفاه بان يكون رسولا للامم ,كما أعلن ذلك بنفسه !!!...مع التأكيد, دائما ,ان أفكاره هي من إلهام الروح القدس وليس منه !!
بل ويذهب الى ابعد من ذلك حيث يؤكد لاتباعه ان الله اختاره واصطفاه وهو في بطن امه !!
( و لكن لما سر الله الذي افرزني من بطن أمي ودعاني بنعمته ان يعلن ابنه في لأبشر به بين الامم للوقت لم استشر لحما و دما) غلاطية 15
ان تهرب بعض الاخوة المسيحيين, من إخضاع شاول الطرسوسي( بولس) لمعايير النبوة التي تم تحديدها بشكل صارم
بحجة ان شاول هو رسول وليس نبي!....يثير الاستغراب والتعجب والتساؤل, حيث انهم بهذه الحجة الواهية يكذبون نصوص العهد الجديد نفسه, والتي تشير الى ان شاول كان احد أنبياء العهد الجديد !! كما ورد في سفر الأعمال!
(وَكَانَ فِي أَنْطَاكِيَةَ فِي الْكَنِيسَةِ هُنَاكَ أَنْبِيَاءُ وَمُعَلِّمُونَ: بَرْنَابَا، وَسِمْعَانُ الَّذِي يُدْعَى نِيجَرَ، وَلُوكِيُوسُ الْقَيْرَوَانِيُّ، وَمَنَايِنُ الَّذِي تَرَبَّى مَعَ هِيرُودُسَ رَئِيسِ الرُّبْعِ، وَشَاوُلُ.
وَبَيْنَمَا هُمْ يَخْدِمُونَ الرَّبَّ وَيَصُومُونَ،قَالَ الرُّوحُ الْقُدُسُ:أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ الَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ) اعمال 13
وبعد ان تأكد لنا ومن خلال نص المقدس,وليس الاستنتاج او التخمين,ان هذا الرجل يقع ضمن تصنيف أنبياء العهد الجديد, يحق لنا ان نضع هذه الشخصية, في ميزان المصداقية, وضمن المعايير النصية الكتابية, لنرى هل كان نبيا كاذبا ام لا؟!
ان أهمية هذا التقييم ,تبرز لنا , من خلال دراستنا للفترة التي كان يعيش فيها شاول/بولس, حيث كان تراشق الاتهامات بكذب ادعاء النبوة او ادعاء الارسالية للمسيح على أشده بين متصدري المجموعات المسيحية المختلفة وقتذاك!
وقد طالت هذه الاتهامات بولس ايضا, كما اننا نجده كذلك يرمي الاخرين بنفس بالتهمة ذاتها !
و في سفر الرؤيا ,نجد في بداية الاصحاح الثاني,,اشارة الى هذا الامر والى ظاهرة الرسل الكاذبين
(أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ وَتَعَبَكَ وَصَبْرَكَ،وَأَنَّكَ لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَحْتَمِلَ الأَشْرَارَ،وَقَدْ جَرَّبْتَ الْقَائِلِينَ إِنَّهُمْ رُسُلٌ وَلَيْسُوا رُسُلًا،فَوَجَدْتَهُمْ كَاذِبِينَ)
وكما أوضحنا في صدر المقال, فان نصوص العهد القديم, قد حددت بشكل صارم و واضح معيارين مهمين , لتحديد مصداقية الشخص الذي يدعي النبوة او التواصل مع السماء
وعندما نضع بولس/شاول في منطقة المعيار الاول , الخاصة باهمية حفظ وصايا الناموس وعدم مخالفتها
سنكتشف ان هذا الرجل, ليس فقط خالف الناموس, واعتبره لاغيا ولاحاجة له, ولا الى اتباع تعاليم الشريعة, بل تجاوز هذا المدى ,واعتبر ان وصايا الناموس ضعيفة وغير نافعة !!
( فانه يصير ابطال الوصية السابقة من اجل ضعفها وعدم نفعها!!) عبرانيين 7|18
وهناك العديد من النصوص الأخرى , منسوبة لبولس, يعتبر فيها وصايا الرب التي جاءت في الناموس غير كافية وأنها غير ملزمة وضعيفة , وان الانسان لا يحتاج لاتباع تلك الوصايا ليتبرر, اذ يكفيه فقط الايمان من اجل ان يتبرر!!
وبذلك تسقط مصداقية ادعاء بولس بالتواصل مع السماء,في الاختبار الأول,المحدد من قبل نصوص العهد القديم!
وعند وضع هذا الرجل في منطقة المعيار الثاني , حيث يتم اختبار تحقق نبوءته في الواقع كما حدد الكتاب المقدس
حيث يكون عدم تحقق توقعات ذلك النبي دليل على كذب ادعائه التواصل مع السماء
(فَمَا تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ بِاسْمِ الرَّبِّ وَلَمْ يَحْدُثْ وَلَمْ يَصِرْ، فَهُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ الرَّبُّ، بَلْ بِطُغْيَانٍ تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ، فَلاَ تَخَفْ مِنْهُ) تثنية 18/22
بالنسبة لبولس الرسول, تعتبر واحدة من أهم نبؤاته, هي تلك التوقعات التي بشر فيها اتباعه, بأن قدوم المسيح الثاني هو وشيك جدا ,وان وقت رجوعه قد اقترب, وانهم سيشهدون - مع بولس- ذلك الحدث التاريخي المهم, حيث سيلتحق بولس ومعه اتباعه المؤمنين بالمسيح, حين يتم اللقاء بينهم في السماء وعلى السحاب !!!
(فَإِنَّنَا نَقُولُ لَكُمْ هذَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ: إِنَّنَا نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ إِلَى مَجِيءِ الرَّبِّ، لاَ نَسْبِقُ الرَّاقِدِينَ.
لأَنَّ الرَّبّ نَفْسَهُ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلًا.ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعًا مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ الرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ، وَهكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ) تسالونيكي الاولى 4/15
وبطبيعة الحال, توفى بولس, وانتهى جيل معاصريه, ومرت قرابة الالفين عام, ولم يأت المسيح, ولم يحصل لقاء السحاب!
وليس امامنا, والحال هذه, سوى تصنيف تلك النبوءة ضمن التوقعات الخائبة , والتي لايمكن اعتبارها وحيا سماويا, وانما مجرد كلام, بطغيان فم صاحبها كما يشير العهد القديم, لذلك فان مصداقية صاحب ذلك التنبؤ تسقط ,مجددا, في الاختبار!!
هذا المقال, سيكتفي فقط, بقياس مصداقية ادعاء بولس تواصله مع السماء والتحدث باسمها, ضمن المعايير والأسس التي وضعها الكتاب المقدس نفسه وبنصوص واضحة ومباشرة, ولن نتطرق الى التناقضات و الأكاذيب والفبركات التي اكتنفنتها اقوال وتعاليم بولس, وهي كثيرة جدا,وتحتاج الى مقال مستقل!!
ان اتهام بولس بالكذب والتلفيق, ليس موضوعا جديدا, ولا فكرة مستحدثة, وإنما هو امر مشهور وقديم منذ زمن هذا الرجل, ولذلك نجد صداه في كتاباته ورسائله التي يحاول فيها وبمواضع عديدة نفي تلك التهمة عن نفسه,والتأكيد لاتباعه بانه هو فقط, من يعطيهم الحقيقة,وان الحق في اقواله, وانه ليس كاذبا !!
(والذي اكتب به اليكم هوذا قدام الله اني لست اكذب فيه) غلاطية 1/20
ومن تتبع رسائل بولس, نلاحظ ان هذا الرجل كان يتبع تكتيك: الهجوم خير وسيلة للدفاع !!
فنجده يطلق نيران الاتهامات بالكذب والضلال,على كل المخالفين لآرائه وتعاليمه !!.خصوصا الذين كانوا يحذرون منه!
بل اننا نجد في رسالته الى غلاطية انه لم يسلم من نيران اتهاماته حتى الرسل من تلاميذ المسيح, بل واصابت حتى الرسول بطرس (كبير التلاميذ) حيث نجد بولس في الاصحاح الثاني يؤشر الى اتهام بطرس بالرياء والنفاق!
ولم يكتفي بولس, بمهاجمة الذين كانوا يحذرون الناس من هرطقاته, او الذين اختلفوا معه, لكنه اخترع طريقة مثيرة وعجيبة من اجل ان يبرر تناقضاته وعدم مصداقية دعاواه!!!
وذلك من خلال الإيحاء لاتباعه, بأنه حتى وان كان يكذب, فانه غير اثم او مدان, لان كذبه هو من اجل اثبات صدق الله!!
وبذلك يكون السيد بولس/شاول قد أسس لبدعة فريدة وعجيبة لازال البعض يتبعها, ويتخذ منها أسلوب ومنهج كرازي!
وهي بدعة الكذب المقدس !!!
(فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ صِدْقُ اللهِ قَدِ ازْدَادَ بِكَذِبِي لِمَجْدِهِ، فَلِمَاذَا أُدَانُ أَنَا بَعْدُ كَخَاطِئٍ؟) رومية 3/7
د. جعفر الحكيم
https://telegram.me/buratha