✍🏻 محمد صادق الهاشمي
سؤال في قوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة : 22].
والبحث في الآية يقع في جهاتٍ:
(الأولى): فی معنى كلمة « يوادّون»، وفي معنى « يحادّون»؟.
في كتاب «الصّحاح: ج2، ص 549»: « وَدِدْتُ الرجلَ أَوَدُّهُ وُدًّا: إذا أحْبَبْتَهُ.والوُدُّ والوَدُّ والوِدُّ: المَوَدَّةُ والمحبّة». وفي كتاب «النهاية في غريب الحديث والأثر: ج 1، ص 353» ، قال: « المُحَادَّةُ: المعاداة، والمخالفة، والمنازعة ».
(الثانیة): وفي هذا الموقع قد أُثير سؤالٌ: كيف تقررُ الآيةُ هذا الميزان، ثمّ تناقضه وتأمرُ ببرّ المشركين ، فقال: {... وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا...}؟، وفی کتاب «الکافی ج2، ص 159، ح 8»، عن الرضا (ع) : قيل له أدعو لوالديّ إنْ كانا لا يعرفان الحق؟ قال: ادعُ لهما، وتصدّق عنهما، وإنْ كانا حيّين لا يعرفان الحقّ فدارِهما؛ فانّ رسول اللَّه (ص) قال: «إنّ اللَّه بعثني بالرّحمة لا بالعقوق». وفي کتاب « عيون أخبار الإمام الرضا ج2، ص 124» أنّه قال: «... وبرُّ الوالدين واجبٌ, وإنْ كانا مشركينِ, ولا طاعةَ لهما في معصيةِ الخالقِ».
(الثالثة): في مقام جواب هذه الشبهة يمكن أنْ يقال:
1. أنّ (الودّ) لا يجتمع مع (البغض) من جهةٍ واحدة؛ إذْ يلزم منه إجتماع الضدين، فلا يمكن أنْ يقول أحدٌ: أنا (أودّ) أبي؛ لأنّه كافر، وأنا (أبغض) أبي لأنّه كافرٌ؛ لأنّهما أمران ناشئان من القلب، ولكن يمكن أن يجتمع الضدان من جهتين؛ فأنا أحبّه لأنّه أبي ، وأنا أبغضه لأنّه كافر، فمع اختلاف الجهتين لا يقع التنافي، نظير أن يقال: هذه الورقةُ بيضاء وسوداء، قاصدا بذلك اختلاف المكانين والجهتين.
2. إنّ المراد من النفي في قوله تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ} هو تحریم المودّة ، والمطلوب في قوله تعالى: {... وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا...}؟، هو المصاحبة والمعاشرة معهما بالمعروف، فأنا لا أحبّ أبي الكافر، ولكنّي أتعامل معه بالاحترام، وهذا معنيان لا تنافي بينهما.
3. يمكن أن يقال: لو تنزّلنا وقلنا : أن بين الآيتين تعارضاً، وفسّرنا ( الودّ، والمصاحبة بالمعروف) بمعنى واحدٍ أمكن أن يجاب بحمل المطلق على الخاصّ، وذلك بتخصيص واستثناء الوالدين، فيقال:(لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون منْ حادّ الله ورسوله إلّا في مورد الأبوين؛ لخصوصية يجدها المولى فيهما، فأنّ الأمر بالإجلال للكافر لم يرد إلّا في الأبوين؛ وذلك لمقام الأبوّة، ولذا لا نجدُ هذا الحكم ثابتٌ للأخوة، ولا للعمّ ، ولا للخال.
(الخامسة): أن التعامل بالمعروف مع الأب الكافر لا يعني طاعته لو أمر بمعصية الله، كما فهمه المبغضون لآل رسول (ص)، ففی کتاب «المناقب لابن شهر أشوب : ج1، ص 73 »، قال: « مرّ الحسينُ على عبدِ الله بن عمرو بن العاص، فقال عبدُ الله: مَنْ أحبّ أنْ ينظر إلى أحبِّ أهل الأرض إلى أهل السماء فلينظر إلى هذا (الحسین)، و[وأنا أبغضه] وما كلّمته منذ ليالي صفين، فقال الحسينُ: أتعلم أنّي أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء وتقاتلني وتقاتل أبي يوم صفين؟ والله, إنّ أبي لخيرٌ منّي, فقال ابن العاص: إنّ النبيّ (ص) قال لي: أطعْ أباك. فقال له الحسين (ع): أما سمعت قول الله: { وإنْ جاهداك على أنْ تُشركْ بي ما ليس لك به علم فلا تُطعهما}, أما سمعت قول رسول الله (ص): «إنّما الطّاعة في المعروف»، وقوله: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».
(السادسة): أنّ الآية أعلاه تقرر معنىً هو: أنه لا يجتمع الإيمان بالله ، مع وداد أعداء الله، وعدم الاجتماع هذا عقليٌّ؛ وذلك لأنّ من أحبّ أحداً إلى حدِّ الوداد امتنع أنّ يجب مع ذلك عدوّه، فهما معنيان متضادّان، لا يمكن أنْ يجتمعا في محلّ واحدٍ، فإذا حصل في القلب ودادُ أعداء اللَّه، فلا يمکن أنْ يحلّ فيه حبّ الله ، فيكون منْ يدّعي الإيمان حينئذٍ منافقاً. وخصوصاً إذا أحبّ «محادداً» لله بالمعنى المتقدّم، فالآية تعطي معياراً وكاشفاً للمؤمن عن غيره.
ولقد تواتر الخبرُ أنّ الرسول (ص) نفى الحكم بن أبي العاص عمّ عثمان عن المدينة، وطرده عن جواره، ولعنه، ولم يزل طريدا عن المدينة ومعه ابنه مروان بن الحکم أيام الرسول (ص) وأيام آبي بكر، وأيام عمر، وهو يسمّى بطريد رسول اللّه (ص) حتّى استولى عثمان على الأمر، فردّه الى المدينة وآواه وقرّبه، وجعل ابنه مروان كاتب ديوانه، وصاحب تدبيره في داره وکان أحبّ خلق الله الیه، فهل ظن عثمان أنّ الرسول (ص) قد طرده ولعنه لأنّه مؤمن؟! وإذا لم يكن مؤمناً فما الحال الذي دعا عثمان إلى ردّه والاحسان إليه، وهو رجل كافر، فحقّت فيه الآية في وعيد اللّه عزّ وجلّ {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}.
19 / 5 / 2020 م ، الموافق: 25 / شهر رمضان / 1441 هـ
ـــــــــــــ
https://telegram.me/buratha