محمّد صادق الهاشميّ ||
قد وقع في هذين الكلمتين من القرآن تساؤلاتٌ كثيرةٌ، قد ذكرنا بعضها في الحلقة السابقة، وفي هذه الحلقة نكملُ ما فيها من التساؤلات.
السّؤال : كيف وُصِفَ القرآنُ كلُّه بـ (أنّه هدى) مع أنّ في القرآن ما هو متشابهٌ لقوله: {... وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}، فالجملُ والكلماتُ التي تكون معانيها معقّدةً، وتنطوي على احتمالاتٍ متعددةٍ توصف بأنّها «متشابهة»، فالآيات المتشابهة لا يمكنُ أن تكونَ هاديةً إلى طريق الحقّ، ففاقد الشيء لا يعطيه؟ ، ولعلّ هذا هو السبب في ما نُقل عن أميرِ المؤمنين (ع) في « نهج البلاغة: 465» في وصية له (ع) لعبد الله بن عبّاس لمّا بعثه للاحتجاج على الخوارج أنّه قال له : « لا تخاصمْهم بالقرآن؛ فإنّ القرآن حمّالٌ ذو وجوهٍ, تقولُ ويقولون...».
الجواب: لا شكّ أنّ ألفاظ القرآن على قسمين: محكمٍ، ومتشابه، والمتشابه من القرآن يرجع في بيانه وتوضيحه إلى المحكم؛ ولكنّ الذين في قلوبهم مرض يتمسّكون بالمتشابه من دون الرجوع إلى المحكم، وما قاله أميرُ المؤمنين (ع) لابن عبّاس قد قاله القرآنُ : {منه آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ، هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} أي: هنّ المرجع للكتاب في بيان وتوضيح وكشف ما أغلق منه وتشابه،{ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ؛ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}، فكأنه قال: يا ابن عبّاس إنّ الخوارج سيجادلونك بالآيات المتشابه، ولا يقبلون منك توضيحها، فقد يتمسّكون بالمطلقات ويغفلون عن المخصصات، ولا يقبلون منك تفسيرها، فلا تُوقعْنا في هذه الجدليات العقيمة؛ لأنّ القوم لا يبحثون عن الحقّ، بل هم طلّابُ باطل، يريدون أن يدافعوا عنه، فهم يقولون: إنّ بعض القرآن متناقض كقوله: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ}، وقوله:{ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ}، ولا يقبلون البيان ، فالكلام معهم في القرآن عقيم.
23/ 5 / 2020 م ، الموافق: 29 / شهر رمضان / 1441 هـ
ــــــــــــ
https://telegram.me/buratha