د. مسعود ناجي إدريس ||
هناك نقطة مهمة وهي أن يفهم الناس ما هي حقيقة الدين؟ أحيانًا أسمع الناس يقولون إني أدعو الله كيفما أردت، لا داعي للصلاة. لا أعرف من أين أتت هذه التعاليم الزائفة، وهي أن ما يراد من الصلاة التحدث مع الله، لذلك يقول الطرف الآخر إنني أتحدث إلى الله كما أريد، هذه المفاهيم صوفية. هناك أيضا نقاشات عن أفضلية العربي أو الأعجمي، وأنا متأسف جدا لهؤلاء الأشخاص الذين ما زالوا يعتقدون أن قضية العبودية هي قضية قومية.
قال الإمام الصادق علیهالسلام:( اَوَّلُ مَن قاس اِبلیس وَ استَکبَرَ وَاِلاستِکبار ، اَوَّلِ مَعصَیّة عُصِیَ الله بِها) وبسبب ذلك طرده الله من رحمته، مشكلة إبليس ليست في ربوبية الله فهو يقبل الله رب له، لكن مشكلته في العبودية هو يقول لله (رب)، والرب من أهم أسماء الله الحسنى فيقول لله: ( أعفني مِنَ السُّجُود مَنِ اَلسُّجُود لِآدَم وَ أنا أَعْبُدك عِبادَةً لَم یَعبُدکهَا مَلَك مُقَرَّب مثل جبرئیل. فقال الله تبارك وتعالی: لا حاجَة إلى عِبادَتِك)
قال الله تعالى في الحديث القدسي لعباده : ( يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئًا) هذا هو تفسير (لا جاجَة لي اِلیِ عِبادَتِك، اِنَّما اُریدُ اَن اَعبدُ مَن حَیثُ اُرید ، لا مَن حَیثُ تُرید ، فَاَبی اَن یَسجُدَ ).
مغزى الحديث الشريف أن التدين لا يقصد به أن أقول إنني أتحدث مع الله بأي طريقة أريدها، ولكن عليك أن تعبد الله، فعباد الله لا يتحقق بأي طريقة تريدها. هذا كلام الشيطان. ونسمع الكثير في المجتمع يقول سيدي أنا لا أصلي، أنا لا أرتدي الحجاب، لكني لا أكذب، من واجبك عدم الكذب والصلاة أيضا، فليس هناك علاقة بينهما من واجبك العمل بالفريضتين ولا يمكن الاختيار بينهما. هذه واحدة من أكبر المشاكل التي تواجه مجتمعنا. لا يعرف مجتمعنا ما إذا كانت الأخلاق جديرة أم ضرورية، أي هل من الجيد أن تكون لدينا أخلاق أم يجب أن تكون لدينا أخلاق؟ الأخلاق من أركان الدين، وهي من مكونات الدين، أي ليس لدينا ما هو غير أخلاقي، وأي عمل غير أخلاقي هو بالتأكيد غير ديني. لكن المجتمع تحرك في اتجاه فصل السلوك الأخلاقي عن السلوكيات الدينية، مما أدى إلى القول بأن الدين عديم الفائدة والأخلاق مفيدة. الدين أخلاق( إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ ) . مجموعة تعاليم ومفاهيم الوحي الذي أنزلها الله على خاتم الأنبياء (صلّیالله علیه وآله) هي جزء من مجال المعتقدات التي يمكن أن تكون مبادئ الدين في مجال العمل، والتي يمكن أن تكون أفعالها جزء من طقوس العبادة، وجزء من التفاعل مع المجتمع هو الأخلاق. لذلك، انتبهوا إلى حقيقة أننا لا نستطيع أن نعبد الله بأي طريقة نريدها. وبهذا الصدد، ذكر الوجود المقدس للإمام الصادق (ع): ( اَلا اُخِبرُکُم بَما لا یَقبَلُ الله عزَّ وَ جَّلَ مِنَ العِباد عَمَلاً اِلا بِه؟فَقُلْتُ : بَلَى .فَقَالَ : شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ ، وَ الْإِقْرَارُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ ، وَ الْوَلَايَةُ لَنَا ، وَ الْبَرَاءَةُ مِنْ أَعْدَائِنَا ـ يَعْنِي الْأَئِمَّةَ خَاصَّةً ـ وَ التَّسْلِيمُ لَهُمْ ، وَ الْوَرَعُ ، وَ الِاجْتِهَادُ ، وَ الطُّمَأْنِينَةُ ، وَ الِانْتِظَارُ لِلْقَائِمِ . إِنَّ لَنَا دَوْلَةً يَجِيءُ اللَّهُ بِهَا إِذَا شَاءَ . مَنْ سُرَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْقَائِمِ فَلْيَنْتَظِرْ ، وَ لْيَعْمَلْ بِالْوَرَعِ وَ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ وَ هُوَ مُنْتَظِرٌ ، فَإِنْ مَاتَ وَ قَامَ الْقَائِمُ بَعْدَهُ كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ أَدْرَكَهُ ، فَجِدُّوا وَ انْتَظِرُوا ، هَنِيئاً لَكُمْ أَيَّتُهَا الْعِصَابَةُ الْمَرْحُومَةُ ) مهما عبدنا الله لن يقبله. يجب أن نتعلم ذلك. العبودية سبيل لبلوغ الكمال وهذا حسب الأوامر التي أصدرها الله وليس حسب عقلنا. يجب أن نعمل بها لنصل إلى الكمال، ومن المستحيل على أي شخص أن يصل إلى الكمال اللائق الذي قصده حضرة حق من خلال عقله. أما معنى الورع هو اجتناب الشبهات؛ خوفًا من الوقوع في المحرمات أو اَلتَّقْوَى، وَالتَّحَرُّج، وَالْكَفّ عن المحارِم. الرغبة في ترك الخطيئة تعني أن تعيش خطوة للأمام بطريقة لا تصادف فيها حرامًا على الإطلاق. ومن الصعب جِدًّا الوصول إلى هذه النقطة، ولهذا السبب يقولون إن التدين عمل صعب جدا.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وقد مر معه بحديقة حسنة فقال علي (عليه السلام): ما أحسنها من حديقة؟ فقال: يا علي لك في الجنة أحسن منها إلى أن مر بسبع حدائق كل ذلك علي (عليه السلام) يقول ما أحسنها؟ ويقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) لك في الجنة أحسن منها، ثم بكى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بكاء شديدا فبكى على (عليه السلام) لبكائه ثم قال: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال: يا أخي يا أبا الحسن، ضغاين في صدور قوم يبدونها لك بعدي، قال علي: يا رسول الله في سلامة من ديني؟ قال: في سلامة من دينك، قال: يا رسول الله إذا سلم لي ديني فما يسوءني ذلك؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لذلك جعلك الله لمحمد تاليا وإلى رضوانه وغفرانه داعيا، وعن أولاد الرشد والبغي بحبهم لك وبغضهم منبئا، وللواء محمد (صلى الله عليه وآله) يوم القيامة حاملا، وللأنبياء والرسل الصائرين تحت لوائي إلى جنات النعيم قائدا.
يا علي إن أصحاب موسى اتخذوا بعده عجلا فخالفوا خليفته، وستتخذ أمتي بعدي عجلا ثم عجلا، ثم عجلا، ويخالفونك، وأنت خليفتي على هؤلاء، يضاهؤن أولئك في اتخاذهم العجل، ألا فمن وافقك وأطاعك فهو معنا في الرفيق الاعلى، ومن اتخذ بعدي العجل وخالفك ولم يتب فأولئك مع الذين اتخذوا العجل زمان.
عندما يسال الإمام علي (ع) سيد الخلائق بعد النبي والشفيع يوم القيامة وحلال المشاكل يا رسول الله في سلامة من ديني يعني التدين صعبا جدا. إذا لم يكن التدين صعب لم يسأل الإمام هذا السؤال.
سؤال: هل سأل الإمام هذا السؤال لأجلنا؟
الجواب: كلا، سأله لنفسه، لماذا نشعر بهذا؟
في النهاية هو في فضاء آخر. تدين الإمام لا يقارن بنا، والاجتهاد الديني، الجهاد في طريق إمام الحق، شرط أساسي لليقين.
أنتم اصلوا إلى اليقين بعدها يمكنكم الوصول إلى الركن التاسع من الدين هو اَلِانْتِظَار لِلْقَائِمِ. لذلك من الضروري أن نقوم بالبحث عن انتظار القائم (عليه السلام) والتوصل إلى النتيجة، واسمحوا لي أن أذكر عدة نقاط:
١- الأمر الأول: اِنتِظارُ قائِم علیهالسلام على أساس أوامر الإمام علي علیهالسلام :( أول الِعِبَادِة وَانْتِظَار الفَرَجَ بِالصَّبْرِ.)
۲ـ الأمر الثاني: قال علي علیهالسلام: أفضل الِعِبَادِة اِنتِظارِ الفَرجَ. ليس فقط أول العبادات بل أفضلها
۳ـ سألوا من الإمام علي علیهالسلام أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: أنْتِظَار الفَرَج، والحديث الرابع للنبي صلّیالله علیه وآله ـ أفضل جهادِ أمتي اِنتِظارُ الفَرَج.
عندنا ثلاثة أنواع من الجهاد: الجهاد بالنفس يعني تزكية وتطهير النفس وحسب أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)هو الجهاد الأكبر. والمشاركة في المعارك مع النبي أو أي معركة للدفاع عن الدين أو الامتثال لأوامر نواب الإمام هو الجهاد الأصغر، وانتظار الفرج أفضل جهاد، أفضل جهاد أمتي انتظار الفرج.
علينا أن نذهب ونرى من هو السيد الذي علينا أن ننتظره؟ من أي سلالة؟ الآن هو ليس هنا، فلماذا ليس هنا؟ الآن وهو ليس هنا هل لوجوده فائدة؟ أم عديم الفائدة؟ هذه هي نفس المناقشات التي نجريها، لذا ضع في اعتبارك أن التدين لا يسري على مزاجنا ، وغالبًا ما يتصرف أولئك الذين يقولون مثل هذه الأشياء بشكل أخلاقي.
· الإنسان مخلوق له أربع مسؤوليات:
۱ـ مسؤوليته تجاه نفسه الذي يجب أن يطهر روحه وعقله وقلبه، نحن فقط نعتني بجسدنا. نحن نعتني بالجسد جيدًا، لكن لا علاقة لنا بالنفس، لا علاقة لنا بالقلب، لم نفعل شيئًا للعقل، لم نصل بعقلنا إلى الكمال والنمو، لم نطهر أرواحنا، ولم ننجح بأن نجعل قلوبنا بيت الله.
۲ـ المسؤولية تجاه العالم والطبيعة، يجب أن نكون حذرين. علينا أن نهتم بالبيئة. في بعض الأحيان تقولون يجب عدم الإسراف في استخدام الماء لأن هناك جفاف لكن هذا الكلام هو إرادة بشرية، وهذا خطأ، يجب عدم الإسراف في استخدام الماء حتى لو كانت جميع السدود ممتلئة لأنها باهظة، وهذا هو العبودية.
۳ـ المسؤولية الثالثة هي لنفس النوع الذي ينتج الأخلاق، أي لا يجب خيانتك. لا يجب أن أكذب عليك. هذا هو الفرق بين الأخلاق المادية والأخلاق الإلهية. الأخلاق الإلهية هي مسؤوليتي تجاهك، سواء كنت تستطيع التعامل معها أم لا. لكن في الأخلاق المادية، فإن أداة الأخلاق وممارسة الأخلاق هي أداة نفعية. أنا لا أكذب عليك، لا تكذب عليّ، أنا لا أخون لأنك لا تخون، لكن أوصى الإسلام عكس ذلك وأمر بَصَل مَن قَطَعَك، أنت بادر وأسأل عنه، العبودية أن تفعل الخير لمن أساء إليك، أي لا تكون منتقما وتعامل الآخرين بالمثل. أنت لا تفعل ذلك من أجلي، أنت تتحمل المسؤولية المعطاة إليك.
٤- المسؤولية الرابعة هي تجاه الله، فيجب أن أكون عبدا لله يجب اداء عبادتي بالصورة الصحيحة. حتى إن كان أخلاقكم عالية وحافظتم على بيئتكم فهذه المسؤولية لا تلغي مسؤوليتنا تجاه الله لكل واجب مكانه الخاص.
عندنا شيئين: 1- أن نعيش حياة خالية من الهموم لأن الله سبحانه وتعالى كريم، وهذا مدخل اللعبة، وهذا تشبيه ليس تشبيها إسلامياً. يقول المسيحيون لأن عيسى (عليه السلام) قد صلب يجب ألا نحمل الهموم وعلينا أن نشعر بالراحة. قال اليهود: لماذا نحارب مع موسى؟ اذهب أنت وربك وحارب فرعون. هذا ما يقولونه. هذا لا يعني أننا نريد أن نعيش بالطريقة التي نريدها، لأن الله الذي يواجهنا كريما. (یا أيها اَلنَّاس ما غَرَّك بِرَبِّك الکرِيم) قال الإمام علي علیهالسلام في خطبة له عن هذه الآية:
أدحض مسؤول حجة ، وأقطع مغتر معذرة. لقد أبرح جهالة بنفسه يا أيها الإنسان ما جرأك على ذنبك، وما غرك بربك، وما آنسك بهلكة نفسك. أما من دائك بلول . أم ليس من نومتك يقظة.أما ترحم من نفسك ما ترحم من غيرك. فربما ترى الضاحي لحر الشمس فتظله ، أو ترى المبتلي بألم يمض جسده فتبكي رحمة له، فما صبرك على دائك، وجلدك على مصابك، وعزاك عن البكاء على نفسك. وهي أعز الأنفس عليك.
يقول الإمام الباقر عليه السلام: قال الشيطان: إني سأنزل البلاء على الناس حتى تسهل عليهم أمر آخرتهم، أي سيقولون إن الله سبحانه وتعالى كريم سوف يحل كل شيء. هذا استهزاء بالله، يجب أن نقول سأحاول قدر المستطاع أن أفعل الصواب. حينها سيقول الله يا عبدي أسعى والبركة من عندي ( أن تَنضُرو الله يَنْظُرکُم) أنت أخطو خطوة واحدة وأنا ساخطو إليك عشر خطوات. إن المحاولة بكل قوتي مصحوبة بالتأكيد بالانزلاق، والخطأ، لكن الله يقول أنا عليّ إصلاحه، وسأصلحه...
ــــــ
https://telegram.me/buratha