مازن البعيجي ||
كم تعدّدت القصص وتعدّدَ من يرويها بألوان من الطرح واختلاف طرق مُتناوليها، وكم زخر التاريخ ما قبل الإسلام وبعده في بيان قيمٍ عليا متعددة تفردت بها رجال عظماء على طول خط البشرية! لكننا حينما نجد امثال هذه المُثُل والقيم تتعدى حدود ماوراء تلك القيم لتجدها في شخص كأبي الفضل العباس "عليه السلام" وقد كان في مثل العصمة الصغرى بما حوى واختزل كيانه اليقظ والواعي عنوانا لمن عرف قيمة الحسين "عليه السلام" حق المعرفة، لتصل تلك المعرفة الى درجة الذوبان والانصهار!! ليس الدافع الأخوّة النسبية التي جمعتهما ،لا، فلقد تعدى الأمر ليصبح الموت لأجله كما الشهد في فمه ، وذلك لأنه الجنديّ المطيع الذي أطاع وليّ امره بعقلٍ عارف لله ولرسوله ولأمير المؤمنين وماحكم به الشرع ووجّه له المعتقد في معرفة التكليف اتجاه المعصوم مفترض الطاعة، فكان ذلك الإنموذج العجيب والحامل لكل أنواع الفضائل، حتى اصبح عنوانا الإباء وسيد الوفاء وأمير الإخاء!!
لم يأتي ذلك كونه ابن المعصوم واخ المعصومين او لأنه تربى في بيت العصمة ، انما زيدَ على ذلك حجرُ تلك الام العظيمة البدوية التي زقّت له من عمق الفضائل والقيم ما صيّره شاخصا عليه، فزادت على فضلِ أصلهِ فرعا وكانت له دعامة فهي الوعاء الطاهر الذي كان أهل لحمل فرع الإمامة والحجر الذي ربّى، والقلب الذي غذّى، فكان العباس وسيبقى الى يوم الدين أبن البدوية عريقة الاصل كما هو ابن عليّ صنو النبوة وأصل الإمامة
العباس، منارة الفضل ومهوى العشق والغرام، ومؤسس الإباء، وحامل القِربة!
قربة لم تكن لحمل الماء، بل لحمل الحياة وكل ما يُديمها، حمل الكرامة بعنفوانٍ وحرص وحمية وشجاعة وجمال وإحساس قلّ نظيره على امتداد الوجود، لم يعرف فقهاء اللغة على مر التاريخ معاني ماوراء "القربة" لسبب بسيط. لانها ليست مفردة لغوية، إنما تجليات ملكوتية لا يفقهها إلا من عرف معاني الحب والهيام، ليكون يوم الطف شاهدا على تلك المعرفة لتعكس مرآة العباس عشق الحسين في قصة الإخاء والوفاء، لانه مضى على بصيرة من أمرهِ حتى عرف الحسين وليّ أمره قبل ان يكون أخيه، فجاءت الشهادة له صادحة كلما زاره موالٍ ومحب الى يوم القيامة
(فَنِعْمَ الصّابِرُ الْمُجاهِدُ الْمُحامِي النّاصِرُ، وَالأَخُ الدّافِعُ عَنْ أَخيهِ، الْمُجيبُ اِلى طَاعَةِ رَبِّهِ، الرّاغِبُ فيـما زَهِدَ فيهِ غَيْرُهُ مِنَ الثَّوابِ الْجَزيلِ وَالثَّناءِ الْجَميلِ، وَأَلْحَقَكَ اللهُ بِدَرَجَةِ آبائِكَ فِي جَنّاتِ النَّعيمِ)
البصيرة ان لا تصبح سهماً بيد قاتل الحسين ومنه يسدده على دولة الفقيه ..مقال قادم نلتقي..دمتم)..
https://telegram.me/buratha