رياض البغدادي ||
مختصر تفسير الآية (٤) من سورة (المؤمنون) ، بسم الله الرحمن الرحيم «وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ» .
وهي الصفة الرابعة من صفات المؤمنين الذين بشّرهم الله تعالى بالفلاح ، وقيل في الزكاة قولان :
1. الزكاة تعني كل فعلٍ مرضيٍّ ، كما في قوله تعالى ( .. فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ) النجم 32
2. الزكاة هو الصدقات الواجبة والمندوبة في الأموال ، قال تعالى ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) البقرة 3 .
قيل لا يقال في الكلام الفصيح إنه يفعل الزكاة ، فما سر ذلك ؟ وقد أجاب الزمخشري في تفسيره الكشاف قائلاً : " ما من مصدر إلا ويُعبّر عن معناه بالفعل ويقال لمحدثه فاعل ، يقال للضارب فاعل الضرب وللقاتل فاعل القتل وللمزكي فاعل الزكاة ".
قد يقال أن القرآن لم يفصل الزكاة عن الصلاة في كل خطاباته ، فلماذا هنا فصل بينهما بالآية المباركة ( وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ) ؟
أجاب الفخر الرازي في تفسيره عن هذا السؤال قائلاً : " إن الإعراض عن اللغو من متممات الصلاة ، فلا فصل اذن " .
ولا يخفى أن الزكاة تقال لعين ما تم فصلها من أصل المال ، وكذلك تقال لفعل الزكاة ، وهو ما قام به المزكي للأموال من عملية الفصل ، ولهذا عندما تسأل هل زَكّى زيد ماله ؟ يصح أن يكون الجواب ، نعم ، فعل .. ولهذا جاءت الآية المباركة بلفظ ( لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ) ، فكلمة ( لِلزَّكَاةِ ) هنا ليس المعني بها عين المال بل فعل التزكية ، والملفت ان الآيات المباركة كلها تتحدث عن أفعال المؤمنين ، التي هي المظهر الخارجي لإيمانهم وتقواهم ، وبها يمكن تمييز المؤمن عن غيره ، والآية هنا ترسخ مفهوم أن الأفعال هي المعبر الحقيقي والعملي ، لإلتزام المسلم وليس الأقوال والإدعاءات ..
وقد يحتمل أن يكون المراد بالزكاة ههنا ، زكاة النفس من الشرك والدنس كقوله تعالى ( قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّـٰهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّٰهَا ) فيكون للزكاة فاعلون حينها أبلغ بالقول .
وفي الخطبة ١٩٠ من نهج البلاغة يقول الإمام علي ( ع) :
" (.. وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ.. ) قَدْ أُمِنَ الْعَذَابُ وَانْقَطَعَ الْعِتَابُ وَزُحْزِحُوا عَنِ النَّارِ وَاطْمَأَنَّتْ بِهِمُ الدَّارُ وَرَضُوا الْمَثْوَى وَالْقَرَارَ الَّذِينَ كَانَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا زَاكِيَةً وَأَعْيُنُهُمْ بَاكِيَةً وَكَانَ لَيْلُهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ نَهَاراً تَخَشُّعاً وَاسْتِغْفَارًا .." . اذن فالزكاة فعل من الأفعال ..
وفقنا الله وإياكم للزكاة ولسائر الطاعات والله تعالى ولي التوفيق
https://telegram.me/buratha