رياض البغدادي ||
مختصر تفسير الآيات (٢٤-٢٥) من سورة (المؤمنون)
بسم الله الرحمن الرحيم « فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ . إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ ».
أورد الملأ من قوم نبي الله نوح (ع) مجموعة شبهات حول دعوته ،كما هو حال أقوام الأنبياء في كل زمان ومكان ،وقد أوردت الآيات المباركة تلك الشبهات وكانت كما يأتي :
1. الشبهة الاولى : قولهم ( مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ) وهذه الشبهة تحمل وجهين .
أحدهما : ان نوحاً (ع) لا يتميز بالقوة والغنى والصحة عن باقي الناس ،فلو كان نبياً لكان عظيماً وغنيا ،لإن الله لا يرضى لنبيه الفقر والضعف والمرض .
والثاني : ( يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ ) فهو بشر كباقي البشر ،يسعى للرياسة والسلطة ،وهذا ليس له سبيل بغير إدعاء النبوة .
2. الشبهة الثانية : قولهم ( وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلائِكَةً ) لو كان الله يريد إرشاد البشر ،لكان إرسال الملائكة أكثر ملائمة لعلو شأنهم وسطوتهم ،فالخلق سينقادون لهم ولا يشكون في رسالتهم.
3. الشبهة الثالثة : قولهم (ما سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ ) أي أنهم أقوام ساروا وفق منهج تقليد الآباء ،ولم يسمعوا سابقا بالتوحيد ولا النبوة , فحكموا بفساد دعوته عليه السلام.
4. الشبهة الرابعة : قولهم ( إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ ) والجنة : من الجنون أو الجن ،وهي شبهة يثيرها الرؤساء لثني العوام عن الإيمان به ،فادّعوا أنه ممسوس من الجن أو مجنون .
5. الشبهة الخامسة : قولهم ( فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ ) فتربصوا فيها احتمالان :
الاول . أن إنتظروا عاقبة أمره فإن كان نبياً سينصره الله ،ويقوي أمره فنحن حينئذ نتبعه.
والاحتمال الثاني . متعلق بما قبله أي أنه مجنون فنصبر عليه حتى يبرأ أو نقتله .
وأعلم ان الله سبحانه ما ذكر جواب شبهاتهم لركاكتها ووضوح فسادها ،وذلك لان النبي سواء أكان من جنس الملائكة أم من جنس البشر ،فالمعجزات التي يأتي بها هي مدار التصديق به ،بل أن النبي لو كان من جنس البشر لكان أولى ،لأن الجنسية مظنة الألفة والمؤانسة.
وما أعجب شأنهم لم يرضوا للنبوة ببشر وقد رضوا للإلٰهية بحجر.
أما أنه ( يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ ) فان أرادوا به إرادته في إظهار فضله ،ليلزمهم بطاعته فهذا واجب على الرسول ،وإن أرادوا به أنه يسعى الى التجبر والتسلط فالأنبياء منزهون عن ذلك .
وأما قولهم (ما سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ ) فهو إستدلال بعدم التقليد على عدم وجود الشيء ،وهو في غاية السقوط لأن وجود التقليد لا يدل على وجود الشيء ،فعدمه من أين يدل على عدمه ؟!
وأما قولهم إنه مجنون فهو كذب محض ،لأنهم يعلمون ضرورة بكمال عقله .
وأما قولهم (فَتَرَبَّصُوا بِهِ ) فضعيف لأنه إن ظهرت دلائل نبوءته وجب الإيمان به والا فظهور دولته لا تدل على الأحقية ،وإنما قبول أحقيته متعلق بظهور معجزته لا بظهور دولته .
ولما كانت هذه الاجوبة ظاهرة ، بينة ،ترك الله سبحانه ذكرها .
https://telegram.me/buratha