وما أدراك ما الانتظار؟! الانتظار معنى إسلامي إنساني. الانتظار: عمل مستمر دؤوب، نحو هدف سامٍ وغاية عظمى. الانتظار: إيمان قلبي، مقرون بعمل جارحي، مرتكز على عقيدة قلبية راسخة. الانتظار: شوق لمعشوق، غائب حاضر، يقرنه تمهيد لمجيئه. الانتظار: قلب واله، وجوارح عاملة، وعيون دامعة. الانتظار: حماس في عمل، ونشاط في دوام، واستمرار في جهاد. الانتظار: هو ترجمة عملية للإسلام المحمّدي. فطوبى للمنتظرين. إنَّ الانتظار ليس سكوناً عن حركة، ولا ركوداً عن تغيير. إنَّ الانتظار ليس تواكلاً على الغير، ولا رأس نعامة مدفوناً في التراب. إنَّ الانتظار ليس نوماً وكسلاً، ولا إلقاء لوم على الآخرين. إنَّ الانتظار ليس تقوقعاً على الذات، ولا انطواءً على النفس. فالانتظار.. كلّه عمل، وإيمان، وورع، وتقوى. إنَّه إيمان بأُصول الدين، وعمل بفروع الدين، والتزام بمكارم الأخلاق، وتهيئة عملية للظهور، ومشاركة عملية في التغيير - على مستوى النفس أو على مستوى المجتمع -. عن جابر [الجعفي]، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنَّه قال: «يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان، إنَّ أدنى ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم البارئ (جلَّ جلاله) فيقول: عبادي وإمائي! آمنتم بسرّي وصدَّقتم بغيبي، فأبشروا بحسن الثواب منّي، فأنتم عبادي وإمائي حقّاً منكم أتقبَّل، وعنكم أعفو، ولكم أغفر، وبكم أسقي عبادي الغيث وأدفع عنهم البلاء، ولولاكم لأنزلت عليهم عذابي...» ما هي حالتك مع إمامك؟ وكم تذكره؟ ومتى؟ هل المنتظرون على درجة واحدة من الارتباط بالإمام وبعقيدة الانتظار، أم أنَّ هناك تفاوتاً بين المنتظرين في ارتباطهم بالإمام (عليه السلام)؟ هذه همسات نخاطب بها أنفسنا: إنَّ البعض لا يذكره (عليه السلام) إلَّا في يوم ولادته (عليه السلام). والبعض لا يذكره إلَّا إذا دهته نائبة من الدهر أو اشتدَّت به الريح في يوم عاصف. وثالث ذاكر له، لكن عطف الأيّام عليه وسكون الليالي عنه تلهيه عن ذكره. ورابع متألّم على فراقه، لكنَّه لا يخطو خطوة واحدة نحو الوصال. وهناك من أحرق غياب الإمام قلبه، وأقلق مضجعه، ونفى رقاده، فهام قلبه في عشقه يبحث في أرجاء السماء وأقطار الأرض عن موضع لمولاه، فلا انقطع حنينه، ولا سكن أنينه، ولا يقرُّ له قرار إلَّا برؤية طلعة مولاه البهيَّة، ولطالما ردَّد قلبه بهدوء يكاد لا يسمع همسه «لَيْتَ شِعْرِي أيْنَ اسْتَقَرَّتْ بِكَ النَّوى، بَلْ أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّكَ أَوْ ثَرى؟! أَبِرَضْوى أَوْ غَيْرِها أَمْ ذِي طُوى؟! عَزِيزٌ عَلَيَّ أَنْ أَرى الخَلْقَ وَلاتُرى، وَلا أَسْمَعُ لَكَ حَسِيساً وَلا نَجْوى، عَزِيزٌ عَلَيَّ أَنْ تُحِيطَ بِكَ دُونِيَ البَلْوى، وَلا يَنالُكَ مِنِّي ضَجِيجٌ وَلا شَكْوى...» ماذا لو . . .؟ لو.. حرف امتناع لامتناع..هكذا قالوا في اللغة العربية. ولو.. تُستَعمل اليوم، بيننا نحن أهل العرف العامّ، في الأُمور التي نستبعدها، لكنَّها ممكنة الوقوع. ومن هنا.. دعونا نتأمَّل التالي: ماذا لو كنت جالساً في بيتك، وطرَقَ الإمام المهدي (عليه السلام) بابك؟! كيف ستستقبله؟ وبأيِّ وجه ستراه؟ وبأيّة صيغة ستُرحِّب به؟ ماذا لو جاءك الإمام ضيفاً؟ ماذا ستُقدِّم له؟ هل ستطمئنُّ بما تُقدِّمه له بأنَّه حلال صريح! أو ماذا؟ ماذا لو أراد الإمام أن يُقلِّب قنواتِ تلفزيونِك! أو صفحاتِ جوّالِك! هل ستُقدِّم له ذلك بكلِّ رحابة صدر واطمئنان؟! ماذا لو رأيت إمامك اليوم في طريق عملك؟ ماذا ستقول له؟ وهل ستكون راضياً عن هندامك أمامه؟ ماذا لو كنت جالساً مع أصحابك، في خلوتكم المعتادة، ودخل عليكم الإمام، هل ستكون وتيرة الحديث واحدةً أو ماذا؟ ماذا لو خرج الإمام غداً، نعم غداً! هل ستكون مستعدّاً تماماً لتكون معه؟! ماذا لو قال لك الإمام: اُطلب ما شئت! ماذا ستطلب منه! وتذكَّر: فإنَّ طلباتك تكشف عن علاقتك بإمامك؟ ماذا لو أراد الإمام (عليه السلام) أن يأخذ أموالَك، نعم، جميعَ أموالِك! ما تعبْتَ في جمعه طول عمرك! هل ستكون مستعدّاً لذلك! ماذا لو كان أبوك أو أخوك أو ابنك أو من تُحِبُّه معارضاً للإمام، وكان مستحقّاً للقصاص، هل ستكون راضياً بما يفعله الإمام مهما كان!؟ ماذا لو..؟ أتركها لكم.. و﴿الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾ (القيامة: ١٤).
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha