رياض البغدادي ||
مختصر تفسير الآيات (٢٦-٣٠) من سورة (المؤمنون)
بسم الله الرحمن الرحيم « قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ . فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ ».
قوله تعالى ( قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ ) فيه وجوه من التفسير :
- انصرني أي طلب إهلاكهم لأن نصره يعني هلاك مكذبيه .
- انصرني أي طلب النصر سلوة له بدل غم التكذيب .
-انصرني ،بإنجاز ماوعدتهم من عذاب .
أما قوله تعالى ( فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا ) وهذه استعارة ،أي اصنع الفُلك بحيث نرعاك ونحفظك ونمنع منك من يريدك او اصنع الفُلك بأعين أوليائنا من الملائكة والمؤمنين بمعاضدتهم فلا يصل اليك من أرادك بسوء.
واختلفوا في كيفية صنعه للفُلك ،فقيل أنه كان يُحسن النجارة ،وقيل أنه كان عالماً بالصنعة ،وقيل أن جبرائيل علمه صناعة الفُلك ،وهذا هو الأقرب بدليل (بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا ) .
قوله تعالى ( فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا ) إن لفظ الأمر هو حقيقة في طلب الفعل على سبيل الاستعلاء .
قوله تعالى ( وَفَارَ التَّنُّورُ ) اختلفوا في معنى التنور على أقوال:
الاول : وعليه الأكثرون أنه تنور الخبز ،فلما نبع الماء من التنور أخبرته زوجته فركب السفينة ،وقيل أنه كان في مسجد الكوفة ،وأن نوحاً عمل سفينته وسط المسجد .
والثاني : أن التنور وجه الارض وهو مروي عن إبن عباس .
والثالث : أنه أشرف موضع على الأرض وأعلاه .
والرابع : وفار التنور أي طلع الفجر ،وهو مروي عن علي عليه السلام .
الخامس : هو مثل قولهم حمي الوطيس .
السادس : أنه الموضع المنخفض من السفينة الذي يسيل اليه الماء .
والفخر الرازي يرجح القول الاول لان العدول عن الحقيقة الى المجاز من غير دليل لا يجوز .
وعلى الاجمال فإن فوران التنور كانت علامة نوح على البدء بركوب السفينة .
قوله تعالى ( فَاسْلُكْ فِيهَا ) أي أدخل فيها ( مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ) أي الذكر والأنثى لان الذكر يسمى زوج والأنثى زوج ، وقيل من كل أمة زوجين .
قوله تعالى ( وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ ) لفظ على تدل على المضار وهذه الآية تدل على أمرين :
الاول أن الله أمر بإدخال سائر المؤمنين وإن لم يكن من أهله .
والثاني أنه قال (وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ) يعني فإنه سبحانه لما أخبر بإهلاكهم وجب أن ينهاه عن أن يسأله في بعضهم وقوله تعالى (إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ ) أي الغرق نازل بهم لا محالة .
(فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ) فلما استوى جميع من ركب السفينة على ظهرها وتأكدت النجاة قال تعالى ( فقل الحمد لله ) وهنا في هذا الفعل ( قل ) مسائل وأقوال :
المسألة الاولى - وجه الله تعالى الخطاب الى نوح لأنه إمامهم وفيه نوع من الإشعار بفضل نوح (ع ) ،ومثل هكذا خطاب لا يرتقي اليه إلا الأنبياء عليهم السلام .
المسألة الثانية - هو أمر يعلم الله فيه البشر وجوب شكره ،والإستعانه به في جميع أحوالهم.
المسألة الثالثة – هي إشارة منه تعالى لنبيه بأن الخطر قد زال ،بمجرد ركوب السفينة وإن النجاة قد تحققت فعلا .
"وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ " وفي هذا القول المبارك يُعلِم الله نبيه بأن يدعو لنفسه ومن معه ،بعد أن تأكدت النجاة .
وقيل في (مُنزَلا) قولان :
الاول – المنزل هو نفس السفينة لأنه دليل خلاصهم .
الثاني – إن المراد به هو الأرض التي سينزل بها حال خروجه من السفينة .
والرازي يرجح القول الأول لأنه أمر الله تعالى بالدعاء به حال الإستواء في السفينة .
قوله تعالى ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ ) ذلك للعبر العظيمة والآيات الواضحة في قدرته تعالى على إنجاز الوعد والإتيان بالمياه الهائلة لتغطي وجه الأرض كله فلا يكون هناك نجاة إلا بما وعدهم به نبيهم نوح (ع) .
واما قوله تعالى (وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ) ففيه ثلاث اقوال
1.أن يكون الإبتلاء للمكلفين في المستقبل .
2.أن يكون المراد به معاقبة من يسلك سلوك تكذيب الأنبياء .
3.المراد به أن الإبتلاء بالغرق حاصل للمكذب وغير المكذب ،لكي يرفع شبهة أن كل غرق هو بالضرورة عقوبة تكذيب .
https://telegram.me/buratha