حازم أحمد فضالة||
﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾
البنون في هذه الآية المباركة: جمع بناء، أي: أبنية وليس: (ابن، أبناء)
أقول للأحبة الذين يرون أنها تعني (الأبناء):
١- لنترك الفهم الشائع للكلمة، ونقلِّبها للمرة الأولى.
٢- كلمة (ابن) صحيح أنها تجمع على: أبناء، بَنون، لكن تحتاج إلى قرينة هنا حتى تدل على أنها جمع عاقل أي: ابن، والقرينة الموجودة خلاف ذلك!
٣- لو سلمنا أنها في هذه الآية تعني جمع عاقل (ابن) فأين البنات لطفًا؟!
هل الذكر هو المختص بكونه زينة، والبنت حطام الدنيا؟!
لأن هذا الجمع (بنون) عندما يعني العاقل فهو لا يشمل الإناث مطلقًا، بل هو مختص بالذكور، وهذه إحدى مشكلات الثقافة الذكورية للمجتمعات؛ إذ تُهمِل حضور الأنثى ومكانتها في القرآن الكريم واللغة العربية، ولا تهتم إلا بالذكر!
٤- لنكمل قراءة هذه الآية الكريمة محل البحث في [سورة الكهف: 46]
إذ قال سبحانه بعد عبارة (زينة الحياة الدنيا… ):
﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾
فلا يمكن أن تكون: العائلة، الإنسان، الأبناء والبنات… بهذا المستوى عند الله سبحانه!
إذ ظهرت (الباقيات الصالحات) المفضلة على (المال والبنون) التي هي ليست إلا (زينة الحياة)
لكن (الباقيات الصالحات) هي التي تمثل -عند ربك- الخير ثوابًا والخير أملًا: خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا.
٥- لنقرأ هذه الآية المباركة:
﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ﴾
[الصافات: 149].
هنا تظهر القرينة تسطع بالدلالة مثل الشمس على أنّ (البنون) هنا حتمًا تعني جمع (ابن) لأنها قُرِنَت مع (البنات).
كذلك نستفيد هنا بالبرهان لِما أشرنا إليه في النقطة (٣) بأنّ كلمة (البنون) لا تشمل الإناث، وهي مختصة بالذكور دون الإناث، فمن أين جِئنا بالتفضيل الذكوري -إن كان تفضيلًا- على حساب البنات، ووجدنا أنّ الذكر هو الذي يمثل (زينة الحياة) دون الأنثى؟!
٦- إن كانت كلمة (والبنون) المعطوفة على (المال) تعني جمع (ابن)؛ ممكن أن يخبرني أحدٌ بسعر (ابنه) لطفًا؟
يعني ابنك كم يساوي من المال؟
هل لديك الاستعداد بموازنته بالمال؟ أنت بصفتك الأب وأنتِ بصفتكِ الأم؛ هل لديكما الاستعداد لموازنة ابنكما بمبلغ من المال؟
أتبيعانه بجبلٍ من ذهب؟
ألا تفديانه بنفسكما واقعًا؟!
هنا يظهر بطلان إمكان قرينة (المال) مع (الأبناء) ووضعهما في ميزان وصفة واحدة هي (زينة الحياة)؛ لأنّ ابنك (الذي هو أغلى من نفسك) لا يمكن وضع ثمن -مهما كان الثمن يتمتع بأصفارٍ على اليمين- في قباله سعرًا أو قيمةً له، وهذا قطعًا ليس الله سبحانه الذي يفعل ذلك (حاشا لله وتعالى ربنا علوًا كبيرًا).
٧- النحو في هذه الآية المباركة يُثبت الفصل بين (المال والبنون) من جهة، وبين (الباقيات الصالحات) من جهة أخرى، كيف؟
أولًا: المالُ والبنونَ زينةُ الحياة الدنيا.
الإعراب:
المالُ: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
والبنون: الواو حرف عطف، البنون: معطوف على المال، مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه ملحق بجمع المذكر السالم.
زينة: خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره وهو مضاف.
الحياةِ: مضاف إليه مجرور.
الدنيا: صفة من الحياة مجرورة.
إلى هنا انتهت جملة المبتدأ والخبر الأولى المتعلقة (بالمال والبنون)، لتبدأ الثانية وهي:
ثانيًا: والباقياتُ الصالحاتُ خيرٌ عند ربكَ ثوابًا وخيرٌ أملًا.
الإعراب:
والباقيات: الواو حرف استئناف، الباقيات: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
الصالحاتُ: نعت للباقيات مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
خيرٌ: خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
عند: ظرف مكان مفعول فيه… وهو مضاف.
ربِّكَ: مضاف إليه مجرور…
ثوابًا: تمييز منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
وخيرٌ: الواو حرف عطف، خيرٌ: معطوف على خير التي سبقته مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
أملًا: تمييز منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
إلى هنا انتهت جملة المبتدأ والخبر الثانية المتعلقة (بالباقيات الصالحات)
ورأينا مكانة وثمن كل مفهوم أو عنصر منهما، وظهر سمو وعلو وارتقاء (الباقيات الصالحات) التي تمثل الخير والثواب والأمل (عند ربك) وليس عند أي أحد!، ورافقها في الوصف والقيمة (التمييز المضاعف: ثوابًا، أملًا)
وهذا ما تفتقر إليه الجملة الأولى (المال والبنون) التي قُرِنَت بزينة الحياة الدنيا، فهي (زينة) والزينة مادة زائلة، وهي ليست ترتقي إلى مستوى الخير والثواب والأمل عند ربك حيث الخلود والأبدية واستمرار العروج في أنوار الله جل جلاله اللامنتهية!.
ظهر تسافل ودنو (المال والبنون) وارتباطه الوثيق على وفق القانون الإلهي بهذه النشأة المتدنية الزائلة، فليس المال والبنون (الأبنية) إلا أدوات مؤقتة ظاهرية وظيفتها أنها (زينة).
وهذا ليس مذمومًا بذاته مطلقًا، بل هو وظيفته هكذا، وهو من لوازم الحياة الدنيا، ومن لوازم شهوة الناس نحو البناء والاستثمار والتطور، لكنه قطعًا لا يساوي قيمة العائلة والإنسان بنوعيه الذكور والإناث.
والله أعلم.
والحمد لله رب العالمين
https://telegram.me/buratha