حامد كماش آل حسين
تميز الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» في حياة رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» بعدة مناقب وألقاب وقد تكلمنا عن لقب «أمير المؤمنين»، ولقب «قائد الغر المحجلين»، ولقب «يعسوب الدين»، ولقب «أبو تراب»، ولقب «إمام المتقين»، ولقب ومنقبة أنه «وليد الكعبة»، واليوم نتكلم عن لقب ووصفه بـــ«السيد».
السيد:
لقد وردت العديد من الروايات عن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» والتي تصف الإمام علي «عليه السلام» بأنه «سيد»، وقبل التطرق الى ذكر الأحاديث والروايات التي تثبت ان هذا الوصف للإمام علي «عليه السلام» لا بد من معرفة ماذا يعني هذا الوصف:
معنى السيد لغة:
السيد: هي صفة مشبهة للموصوف بالسيادة، أصله من ساد يسود فهو سيود فقلبت الواو ياء لأجل الياء الساكنة قبلها ثم أدغمت، والسيد يطلق على الرب والمالك والشريف والفاضل والكريم والحليم، ومتحمل أذى قومه، والزوج والرئيس والمقدم، والسيد على الإطلاق هو الله، لأنه مالك الخلق أجمعين، ولا مالك لهم سواه.(1)
والسيد سبحانه وهو الذي حقت له السيادة المطلقة، فالخلق كلهم عبيده وهو ربهم، وهو الذي يملك نواصيهم ويتولاهم، وهو المالك الكريم الحليم الذي يملك نواصيهم ويتولى أمرهم ويسوسهم إلى صلاحهم.(2)
وقد ذكرت معاني متعددة للفظ «السيد» منها:
– قال الشيخ الصدوق: السيد: المَلِك، ويقال لملك القوم وعظيمهم: سيّدهم، وقد سادهم ويسودهم.(3)
– قال عكرمة: السيد الذي لا يغلبه غضبه.(4)
– وقال قتادة: السيد العابد الورع الحليم.(5)
– وقال أبو خيرة: سمي سيداً لأنه يسود سواد الناس أي عُظْمَهُمْ.(6)
– وقال الأصمعي: العرب تقول: السيد كل مقهور مغمور بحلمه ، وقيل السيد الكريم.(7)
– وقال الفراء: السيد المالك، وفلان أسود من فلان أي أعلى سودداً منه.(8)
– وقال أبن شميل: السيد: الذي فاق غيره، ذو العقل والمال والدفع والنفع، المعطي ماله في حقوقه، المعين بنفسه.(9)
– قال أبن الأثير: «والسيد يطلق على الرب والمالك والشريف والفاضل والكريم والحليم ومتحمل اذى قومه والزوج والرئيس والمقدم»(10)
ويظهر مما تقدم أن معاني لفظ «السيد» محمودة كلها، وهي مناسبة تماماً إلى ما يتصف به الإمام علي «عليه السلام» من صفات محمودة، حتى إن بعض اللغويين ذكر من معاني «السيد» هو «الإمام»، فقد قال أبن الأنباري في «تهذيب اللغة»:
«إن قال قائل: كيف سمى الله، عز وجل، يحيى سيداً وحصوراً، والسيد هو الله، إذ كان مالك الخلق أجمعين، ولا مالك لهم سواه، قيل له: لم يرد بالسيد هاهنا المالك، وإنما أراد الرئيس والإمام في الخير، كما تقول العرب فلان سيدنا، اي رئيسنا والذي نعظمه».(11)
ويقول ابن القيم:
«السيد اذا اطلق عليه تعالى فهو بمعنى المالك والمولى والرب لا بالمعنى الذي يطلق على المخلوق».(12)
فإن سيد الناس انما هو رأسهم الذي اليه يرجعون، وبأمره يعملون، وعن رأيه يصدرون، ومن قوله يستهدون، وعليه يجوز إطلاق هذا الاسمِ على المخلوق، وهناك أدلة متعددة على جواز إطلاق لفظ «السيد» على المخلوقين، خلافا لما ذهب إليه بعض العلماء.
فقد ذهبت طائفة من العلماء إلى القول بمنع إطلاق لفظ «السيد» على المخلوقين، مستنداً الى بعض الأحاديث، ومنها حديث مطرف بن عبد الله بن الشخير، عن أبيه قال:
(قال أبي: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: فقلنا: أنت سيدنا، فقال: «السيد الله تبارك وتعالى»، قلنا: وأفضلنا فضلاً وأعظمنا طولاً، فقال: «قولوا بقولكم، أو بعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان»).(13)
وفي هذا الأختلاف يقول ابن القيم:
(اختلف الناس في جواز إطلاق السيد على البشر، فمنعه قوم، ونقل عن مالك، واحتجوا بأنه «صلى الله عليه وآله وسلم» لما قيل له: يا سيدنا قال: «إنما السيد الله»، وجوزه قوم واحتجوا بقول النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» وسلم للأنصار: «قوموا إلى سيدكم» وهذا أصح من الحديث الأول.
قال هؤلاء: السيد أحد ما يضاف إليه، فلا يقال لتميمي: إنه سيد كندة، ولا يقال لمالك إنه سيد البشر، قال: وعلى هذا فلا يجوز أن يطلق على الله هذا الاسم، وفي هذا نظر، فإن السيد إذا أطلق عليه تعالى فهو بمعنى: المالك والمولى والرب لا بالمعنى الذي يطلق على المخلوق، والله سبحانه وتعالى أعلم).(14)
وعليه فمن أدلة جواز إطلاق لفظ «السيد» على المخلوقين:
- ما جاء في القرآن الكريم من استعمال ذلك:
- قال سبحانه وتعالى عن نبيه يحيى «عليه السلام»: (وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين).(15)
قال الجصاص: )وقوله تعالى: «وسيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين» يدل على أن غير الله تعالى يجوز أن يسمى بهذا الاسم، لأن الله تعالى سمى يحيى سيداً).(16)
- قال الله تعالى عن نبيه يوسف «عليه السلام» وامرأة العزيز: (وألفيا سيدها لدى الباب).(17)
– وورد على لسان رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» بحق الإمام الحسن والحسين «عليه السلام» عندما قال: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة).(18)
اضافة الى الأحاديث التي ذكرت لفظ «السيد» في حق الإمام علي «عليه السلام» والتي سنذكرها لاحقاً.
– وروي: عن أبى سعيد أن أهل قريظة نزلوا على حكم سعد فأرسل النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» إليه فجاء فقال: (قوموا إلى سيدكم ....).(19)
– وفي حديث ابن عمر أن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» قال: (العبد إذا نصح سيده وأحسن عبادة ربه، كان له أجره مرتين).(20)
فكذا الإمام علي «عليه السلام» سماه الرسول «صلى الله عليه وآله وسلم» سيداً في كثير من الاحاديث منها:
«سيد المسلمين - سيد العرب - سيد الوصيين - سيد في الدنيا والآخره - سيد الاتقياء - سيد الصادقين - سيد الصديقين - سيد الشهداء ...».
وغيرها الكثير ونحن هنا سوف نقتصر على بعض هذه الصفات وشواهدها من الاحاديث ...
الأحاديث:
سيد المسلمين:
1. قال رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: (أوحي إلي في علي ثلاث ، أنه سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين).(21)
2. قال رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: (يا علي، أنت إمام المتقين، وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين، ويعسوب الدين).(22)
3. عن الإمام علي «عليه السلام»: قال رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: (مرحباً بسيد المسلمين ، وإمام المتقين، فقيل لعلي: فأي شيء كان من شكرك، قال: حمدت الله عزّ وجل ما آتاني ، وسألته الشكر على ما أولاني ، وأن يزيدني مما أعطاني).(23)
سيد العرب:
4. روي عن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»، قال: (ادعوا إلي سيد العرب، «يعني عليّاً»)
قالت عائشة: ألستَ سيد العرب ..؟
قال: أنا سيد ولد آدم ، وعلي سيد العرب.
فلما جاء أرسل إلى الأنصار فأتوه.
فقال لهم: يا معشر الأنصار، ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً ..
قالوا: بلىٰ يا رسول الله.
قال: هذا علي فأحبوه بحبي وأكرموه بكرامتي ، فإن جبرئيل «عليه السلام» أخبرني بالذي قلت لكم عن الله عزّ وجل).(24)
5. عن سلمة بن كهيل قال: (مر علي بن أبي طالب على النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» وعنده عائشة، فقال لها: إذا سرك أن تنظري إلى سيد العرب، فانظري إلى علي بن أبي طالب، فقالت: يا نبي الله ، ألست سيد العرب، فقال: أنا إمام المسلمين، وسيد المتقين، إذا سرك أن تنظري إلى سيد العرب، فانظري إلى علي بن أبي طالب).(25)
سيد الوصيين:
6. قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: (إذا كان يوم القيامة نصب لي منبر فيقال لي: إرق فأرقاه فأكون أعلاه، ثم ينادي مناد أين علي فيكون دوني بمرقاة فيعلم جميع الخلائق ان محمداً سيد المرسلين وأن علياً سيد الوصيين).(26)
7. قال الامام الصادق «عليه السلام»: (ان رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال لعلي: لو لا أني خاتم الأنبياء لكنت شريكاً في النبوة، فان لا تكن نبياً فإنك وصي نبي ووارثه، بل أنت سيد الأوصياء وإمام الأتقياء).(27)
سيداً في الدنيا والآخرة:
8. عن عمران بن حُصين قال في حديث طويل: (قال النبي «صلى الله عليه و آله وسلم»، لفاطمة «عليها السلام»: والذي بعثني بالحق، زوجتكِ سيداً في الدنيا وسيداً في الآخرة، لا يبغضه إلّا منافق).(28)
9. عن ابن عباس، قال: (قال: إن النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» نظر إلى علي بن أبي طالب «عليه السلام»، فقال: أنت سيد في الدنيا وسيد في الآخرة، من أحبك فقد أحبني، وحبيبك حبيب الله، ومن أبغضك فقد أبغضني، وبغيضك بغيض الله ورسوله، والويل لمن أبغضك).(29)
سيد الشهداء:
10. قال رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: (علي سيد الشهداء وأبو الشهداء الغرباء).(30)
11. قال رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: (علي سيد الشهداء، وأبو الشهداء).(31)
سيد الصديقين:
12. قال رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: (يا علي، أنت حجة الله، وأنت باب الله، وأنت الطريق إلى الله، وأنت النبأ العظيم وأنت الصراط المستقيم، وأنت المثل الأعلى، وأنت إمام المسلمين، وأمير المؤمنين، وخير الوصيين، وسيد الصديقين).(32)
سيد الخلائق:
13. قال رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: (أنا سيد الأولين والآخرين، وأنت يا علي سيد الخلائق بعدي، وأولنا كآخرنا وآخرنا كأولنا).(33)
نكتفي بهذا العدد بالرغم من ان هناك العديد من الالقاب التي مضمونها صفة «السيد» ولكن فيما ذكرنا كفاية لإثبات وصف الامام علي «عليه السلام» بـ«السيد» ...
فائدة:
مصطلح السيد اليوم يطلق على سلالة رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» من ولد الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» والسيدة فاطمة الزهراء «عليها السلام» وهم الإمام الحسن «عليه السلام» والإمام الحسين «عليه السلام» وأولادهم، فكل مولود من هذه الذرية الطاهرة للإمام علي وللسيدة فاطمة «عليهما السلام» فهو سيد، سواء كان من العلماء أم العوام، كما ويطلق على المرأة المولودة من هذه الذرية الطاهرة لقب شريفة نسبة للنسب الشريف أو عَلوية.
وأما من كان من بقية أولاد الإمام «عليه السلام» يعني من ذرية محمد ابن الحنفية، أو من ذرية العباس بن علي، أو من ذرية عمر الأطرف، فأنه يقال لهم: عَلوي، لأنه ينتهي في النسب إلى طرف واحد من جهة الأب إلى الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام»، فهو علوي طالبي وليس فاطمي.
وأما من كان من ذرية جعفر بن أبي طالب، فهو طالبي هاشمي، ولا شك أن الزينبين من ذرية عبد الله بن جعفر الطيار تشملهم السيادة والشرف لما لهم من الفخار من جدتهم زينب بنت علي وفاطمة «عليهما السلام»، وأبوهما جعفر الطيار اخو الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» فأولادهما كان لهما حظ في ذلك من تلك الجوهرتين.
وأما من كان من ذرية بني عبد المطلب بن هاشم القرشي، جد رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» فينسبوا إلى أبيهم الأعلى هاشم، ويقال له: هاشمي.
والقول الفصل في هذا المصطلح يكون من جهتين:
1. من حيث الإطلاق الفقهي:
لقب السادة يطلق على الهاشميين، أي لمن انتسب إلى هاشم جد النبي «صلى الله عليه وآله وسلم»:
– ذكر السيد الطباطبائي في العروة الوثقى، قال: «فلو وقف على السادات إختص بمن انتسب إلى هاشم».(34)
– وفي جواهر الكلام ذكر صاحب الجواهر: أن لقب أبو السادة العشرة كان يطلق على عبد المطلب جد النبي «صلى الله عليه و آله وسلم».(35)
– وفي مستند الشيعة للنراقي ذكر بشكل واضح وصريح: بأن السادة هم الهاشميون المنتسبون إلى هاشم جد النبي «صلى الله عليه وآله وسلم»، ثم ساق دليله في المقام.(36)
2. أما من حيث الإطلاق العرفي:
اما عرفاً فينصرف لخصوص ذرية رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» من فاطمة «عليها السلام» والإمام علي «عليه السلام» فيختص بأبناء الحسن والحسين «عليهما السلام».(37)
واليوم العلماء من السادة يتميزون بالعمامة السوداء وغيرهم من العلماء يتميزون بالعمامة البيضاء وهم الشيوخ.
شبهات وردود:
حاول بعض أهل الظلال معارضة أحاديث السيادة الصحيحة الواردة بحق الإمام علي «عليه السلام» بأحاديث موضوعة لا تصمد امام التحقيق، ومنها:
الشبهة ( 1 ):
مفادها أن أبا بكر هو «سيد كهول العرب»، قال أبن كثير في تاريخ مدينة دمشق:
(... حدثنا خلف بن خليفة عن إسماعيل بن أبي خالد قال سمعت قيساً، قال: نظرت عائشة إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: فقالت: يا سيد العرب، فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: أنا سيد ولد آدم وأبوك سيد كهول العرب وعلي سيد شباب العرب).(38)
الجواب:
هذا الحديث الذي ذكره ابن كثير وتشبث به القوم ساقط سنداً ومتناً، فقد روي من طرق قليلة لا يخلو جميعها من الضعف والطعن، ويكفي أنه لايوجد أحداً من الصحابة يروي هذا الحديث إلا عائشة «وهي متهمة بوضعه» او وضع على لسانها، والطريق إليها ضعيف، وتفصيل هذه الطرق كما يلي:
أولاً: طريق عائشة:
– أورده ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق «ج30 ص182» من طريق أيوب بن عتبة.
وهذا الحديث لا يصح لوجوه منها:
- ضعف السند بأيوب بن عتبة فقد ضعفه كل علمائهم.(39)
- ضعف السند بجهالة أو ضعف (عمرو بن محمد بن الحسن).
- أفضل الطرق لعائشة: هو ما رواه ابن أبي شيبة الكوفي في مصنفه(40)، قال: حدثنا خلف بن خليفة عن إسماعيل بن أبي خالد عن عائشة، والذي أورده ابن عساكر في تاريخ دمشق وابن حنبل في فضائل الصحابة، وهذا الحديث لا يصح أيضاً لأسباب منها:
- خلف بن خليفة: قال ابن حجر العسقلاني: صدوق اختلط في الآخر.(41)
- اسماعيل بن أبي خالد: ثقة وذكره بالتدليس النسائي وغيره.(42)
- إرسال الحديث من قبل إسماعيل بن أبي خالد وهو مدلس لم يسمع من عائشة(43)، ومرسلاته ليست بشيء(44) ومنها كما ذكرنا إن (خلف بن خليفة) اختلط في آخر عمره.
اضافة الى ذلك أن أبا بكر وقت قول الحديث (أي بعد الهجرة) لم يكن كهلاً بل كان شيخاً تجاوز الخمسين من عمره، كما لم يقم أي شاهد من التاريخ أن أحداً لقب أبا بكر أو مدحه بسيد كهول العرب، وحتى أتباعه ومريدوه لم نسمع منهم هذا الوصف مما يؤكد اختلاق الحديث وكذبه، بينما وردت عدة شواهد من كتب التاريخ أن الإمام علي «عليه السلام» لقب بسيد العرب كما في إعلام الورى بأعلام الهدى لأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي، الموفق الخوارزمي في المناقب، ابن عابدين في حاشية رد المختار(45)... وغيرها.
ثانياً: مرسلة قيس بن أبي حازم:
– أوردها ابن عساكر في موضعين في تاريخ دمشق من طريق (عبد الملك بن عبد ربه الطائي) وهو منكر الحديث.(46)
- وفي سنده قيس بن أبي حازم:
وهو من النواصب الذين أعرض الكوفيون عن الرواية عنهم لأنه كان (يحمل على علي)(47) ، فهو متهم بالترويج له وشهادته مجروحة عند كل عاقل.
وعلى غرار هذه الأحاديث الضعيفة اوردوا أحاديث أخرى ....
الشبهة ( 2 ):
مفادها أن أبا بكر وعمر هما «سيدا كهول أهل الجنة»، ففي صحيح إبن حبان:
(... عن عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه ، قال: قال رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: أبوبكر وعمر سيداً كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلاّ النبيين والمرسلين).(48)
الجواب:
هذه الحديث وغيره الكثير من خزعبلات القوم وذلك:
1. هذا حديث موضوع في مقابل قول رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: « الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما» ، وهذا واضح لكل متأمل.
2. لقد صرح عدد من علماء أهل السنة بصحة حديث رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» الوارد في حق الإمامين الحسنين «عليه السلام»، وضعف الحديث الوارد في أبي بكر وعمر.(49)
3. ان الجنة فيها فقط الشباب وليس فيها كهول وهذا معلوم لأنهم قد رووا:
(... عن أبي هريرة ، عن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»، قال: أهل الجنة شباب جرد مرد كحل ، لا تبلى ثيابهم ، ولا يفنى شبابهم)(50) ، فكيف يكون فيهم كهول.
(وروي أن المأمون بعدما زوج ابنته أم الفضل أبا جعفر الإمام محمد الجواد «عليه السلام» كان في مجلس وعنده الإمام الجواد «عليه السلام» ويحيى بن أكثم وجماعة كثيرة فقال له يحيى بن أكثم:
قال يحيى: وقد روي أيضاً أنهما – يعني بكر وعمر - سيدا كهول أهل الجنة، فما تقول فيه ؟
فقال «عليه السلام»: وهذا الخبر محال أيضاً لان أهل الجنة كلهم يكونون شباباً، ولا يكون فيهم كهل، وهذا الخبر وضعه بنو أمية لمضادة الخبر الذي قال رسول الله «صلى الله عليه وآله» في الحسن والحسين بأنهما سيدا شباب أهل الجنة ..).(51)
4. يقول الشيخ الطوسي في تلخيص كتاب الشافي:
(وأما الخبر الذي يتضمن أنهما سيدا كهول أهل الجنة، فمن تأمل أصل هذا الخبر بعين انصاف علم أنه موضوع في أيام بنى أمية معارضة لما روى من قوله «صلى الله عليه وآله» في الحسن والحسين: انهما سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما.
وهذا الخبر الذي ادعوه يروونه عن عبيد الله بن عمر، وحال عبيد الله في الانحراف عن أهل البيت معروفة، وهو أيضا كالجار إلى نفس.
على أنه لا يخلو من أن يريد بقوله «سيدا كهول أهل الجنة» انهما سيدا كهول من هو في الجنة، أو يراد أنهما سيدا من يدخل الجنة من كهول الدنيا.
فإن كان الأول فذلك باطل لان رسول الله قد وقفنا - وأجمعت الأمة - على أن جميع أهل الجنة جرد مرد، وأنه لا يدخلها كهل.
وإن كان الثاني - فذلك دافع ومناقض للحديث المجمع على روايته من قوله في الحسن والحسين «عليهما السلام»: أنهما سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما.
لان هذا الخبر يقتضى أنهما سيدا كل من يدخل الجنة إذ كان لا يدخلها الا شباب فأبو بكر وعمر وكل كهل في الدنيا داخلون في جملة من يكونان «عليهما السلام» سيديه والخبر الذي رووه يقتضى أن أبا بكر وعمر سيداهما من حيث كانا سيدي الكهول في الدنيا وهما «عليهما السلام» من جملة من كان كهلا في الدنيا.(52)
5. ورغم ضعف ودلائل وضعه الا انهم مصرون على ايراده في مؤلفاتهم فتجده مثلا على سبيل المثال وليس الحصر في المؤلفات التالية:
مسن احمد ج1 ص80 ، سنن ابن ماجة ج1 ص36 ، سنن الترمذي ج5 ص272 ، مجمع الزوائد للهيثمي ج9 ص53 ، المصنف لأبن ابي شيبة ج6 ص350 ، السنة لأبن ابي عاصم ج2 ص617 ، المعجم الصغير للطبراني ج2 ص173، المعجم الاوسط للطبراني ج2 ص91 ، المعجم الكبير للطبراني ج22 ص104 ، مسند ابي يعلى ج1 ص405 ، صحيح ابن حبان ج15 ص330 ، اسد الغابة لأبن الأثير ج2 ص145 ، كنز العمال للمتقي الهندي ج13 ص10 ... وغيرها.
الشواهد الشعرية:
1. حسان بن ثابت:
فأنت الـــذي أعطيت إذ أنت راكع ...
فدتك نفوس القـوم يا خــــــــــــــير راكع
بخاتمك الميــــــمون يا خــــــــــــــــــــــــــير سيد ...
ويا خير شار ثم يا خــــــــــــــــــــير بــــايــع
2. أبي يعقوب النصراني:
يا حبــــذا دوحــة فــي الخلد نابتة ...
ما في الجنان لها شبه من الشجر
المصــطفى أصلها والفرع فاطمة ...
ثــــم اللقاح عــــلي سيــد البــــشر
3. القاضي ابن قادوس:
يا سيد الخلـــــــــــــــــــــــــــــــفاء طراً ... بدوهم والحـــــــــــــــــــــضر
إن عظموا ساقي الحجيج ... فأنت ساقـي الكوثر
4. أبو الفتح كشاجم:
فجـــــدهم خـــــاتم الأنبـــــيــــــاء ... ويعـــــرف ذاك جــــــــميـع الملـل
ووالـــــدهم سيــــد الأوصياء ... ومعطي الفقير ومردي البطل
والحمد لله رب العالمين
الهوامش:
(1). النهاية لأبن الأثير 2ج ص417 ، لسان العرب لأبن منظور ج3 ص228 ، الفائق للزمخشري ج2 ص207.
(2). بدائع الفوائد لابن القيم ج3ص730 ، شرح النووي على صحيح مسلم ج15ص6 ، وانظر: فتح الباري ج5 ص180.
(3). التوحيد للشيخ الصدوق ص٢٠٦.
(4). عمدة القاري للعيني ج ٢ ص٥٥ ، انظر: تهذيب اللغة للأزهري ج13ص26 ، لسان العرب لأبن منظور ج3 ص229، وتاج العروس للزبيدي ج8 ص225 .
(5). عمدة القاري للعيني ج ٢ ص٥٥ ، انظر: تهذيب اللغة للأزهري ج13ص26 ، لسان العرب لأبن منظور ج3 ص229، تاج العروس للزبيدي ج8 ص225 .
(6). لسان العرب لأبن منظور ج3 ص229 ، تاج العروس للزبيدي ج8 ص225.
(7). عمدة القاري للعيني ج ٢ ص٥٥ ، انظر: تهذيب اللغة للأزهري ج13ص26 ، لسان العرب لأبن منظور ج3 ص229، تاج العروس للزبيدي ج8 ص225.
(8). عمدة القاري للعيني ج ٢ ص٥٥.
(9). تاج العروس للزبيدي ج8 ص225 ، وانظر: تهذيب اللغة ج13 ص26.
(10). النهاية في غريب الحديث لأبن الاثير ج2 ص417.
(11). تهذيب اللغة لأبن الأنباري ج13 ص27 ، وينظر: لسان العرب لأبن منظور ج3 ص230 .
(12). بدائع الفوائد لأبن القيم ج3 ص730.
(13). سنن أبي داود ج 4 ص254 ، والأسماء والصفات للبيهقي ص22 ، أحمد في المسند ج4 ص24.
(14). بدائع الفوائد لأبن القيم ج3 ص730.
(15). سورة آل عمران: الآية/ 39.
(16). أحكام القرآن للجصاص ج2 ص292.
(17). سورة يوسف : الآية/ 25.
(18). مسند أحمد ج17 ص31 ، وسنن ابن ماجة ج1 ص86 ، وسنن الترمذي ج5 ص656.
(19). صحيح البخاري ح(3043) ، صحيح مسلم ح(1768).
(20). فتح الباري شرح صحيح البخاري ج5 ص207.
(21). المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري ج3 ص137.
(22). تاريخ دمشق ج٢٣ ص ٢٣0 ، ذخائر العقبى ص70 ، شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج٩ ص169.
(23). نظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص١٥١، حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني ج١ ص٤٣.
(24). الرياض النضرة ج٢ ص١٣٧، حلية الأولياء ج١ ص٦٣، المستدرك للحاكم ج٣ ص١٢٤.
(25). تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج١١ ص٨٩ ، المناقب لابن مغازلي ص٢١٣.
(26). فرائد السمطين ج1 ص134.
(27). شرح نهج البلاغة ج13 ص210.
(28). حلية الأولياء ج١ ص٦٣ ، مجمع الزوائد ج٩ ص١٨٠، المناقب للخوارزمي ص٣٣٩.
(29). تاريخ دمشق ج٢٣ ص٢٦٦ ، شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج٩ص ١٧١ ، مسند أحمد ج٢ ص١٧٥.
(30). ملحقات إحقاق الحق للقاضي التستري ج٢٠ ص٥٥٣.
(31). مناقب آل أبي طالب لأبن شهر آشوب ج٣ ص322 ، المناقب للخورزمي ص٤١.
(32). ينابيع المودّة للقندوزي ج٣ ص ٤٠٢.
(33). كمال الدين وتمام النعمة للصدوق ص٤٠٩.
(34). السيد الطباطبائي في العروة الوثقى ج6 ص332 مسألة 17.
(35). جواهر الكلام ج1 ص104.
(36). مستند الشيعة للنراقي ج10 ص93.
(37). شبهات وردود: راجع مركز الرصد العقائدي التابع للعتبة الحسينية.
(38). تاريخ مدينة دمشق لإبن عساكر ج٣٠ ص١٨٢.
(39). راجع: تهذيب التهذيب 1ج ص357.
(40). المصنف لأبن أبي شيبة الكوفي ج7 ص474.
(41). تقريب التهذيب لأبن حجر ج١ ص٢٧١.
(42). التبيين لأسماء المدلسين لأبو الوفا الحلبي الطرابلسي ص43.
(43). طبقات المدلسين لأبن حجر العسقلاني ص28.
(44). تهذيب التهذيب لأبن حجر العسقلاني ج1 ص255.
(45). إعلام الورى للطبرسي ج1 ص307 ، مناقب الخوارزمي ص40.
(46). تاريخ مدينة دمشق أبن كثير ج30 ص182 و ج42 ص304.
(47). تهذيب التهذيب لأبن حجر ج8 ص347.
(48). صحيح إبن حبان ج15 ص330.
(49). راجع: كشف الخفاء للعلجوني ج۱ ص۳۲۰ و ج۲۳ ص۳۱۰ ، الضعفاء للعقيلي ج۲ ص۳٤٥ ، الموضوعات لابن الجوزي ج۱ ص۳۹۸ ، الكامل لابن عدي ج۲ ص۳۸۱ ، العلل للدارقطني ج۳ ص۱٤۲.
(50). سنن الدارمي ج۲ ص۳۳٥ ، سنن الترمذي ج4 ص۸٦ ،
(51). بحار الأنوار للمجلسي ج٥٠ ص٨٠.
(52). تلخيص الشافي للشيخ الطوسي ج۲ ص۲۱۹.
https://telegram.me/buratha