تيمّناً بعادة علمائنا الأعلام بأن يشرعوا في أعمالهم العلمية في يوم الأربعاء فقد باشرت فجر هذا اليوم الأربعاء الخامس من ربيع الثاني ١٤٤٣ الموافق ١٠/ ١١/ ٢٠٢١ معاودة تحقيق وتصحيح كتاب تفسير نور الثقلين للشيخ عبد علي بن جمعة الحويزي العروسي أعلى الله مقامه، وهو من أجلّة كتبنا في التفسير بالمأثور الروائي عن أئمّة الهدى صلوات الله عليهم، والكتاب الذي يعدّه العلامة الطباطبائي قدّس سرّه من أحسن ما جمعته أزمنة المجاهدة بعواملها وخطته أيدي التحقيق بأناملها في هذا الشأن يقع في خمسة مجلدات ضخمة بخط المؤلف، ولربما يتجاوز في تقسيمنا المعاصر له الآن عشرة مجلدات.
وكنت قد بادرت في مطلع تسعينات القرن الماضي لتحقيق النسخة المطبوعة من الكتاب، وقد زيّنتها مقدمة ضافية لشهيد المحراب آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم قدّس سرّه كمدخل للكتاب وقد تجاوزت ١٢٠ صفحة، وقد سلّمت الكتاب في حينها لدار البلاغة في بيروت بعد أن أنهيت عملية تنضيد الكتاب وتصحيحه، وشاء الله وقدّر أن تبتلى دور النشر في بيروت بأزمة شديدة يومذاك، فحال ما ألمّ بها وبين طباعة الكتاب، وحينما بدأت دور النشر هناك من استعادة أنفاسها، وإذا بالعدوان الصهيوني عام ٢٠٠٦ يأتي على غالبية منشئات الضاحية الجنوبية من خلال القصف الإجرامي، وكان منها أن قصفت دار البلاغة ومخازنها في حرب تموز من قبل الطيران الصهيوني وذهب الكتاب بمعية عدد آخر من كتبي مع بقية ما ذهب من مكتنزات هذه الدار.
ولا يعرف المرء شدة وطأة الخبر على المحقق اللهم الا من يعرف ألم ذهاب جهد السنين المتمادية بليلها ونهارها وصيفها وشتائها وهو عاكف يفتش في كل شاردة ويدقق في كل واردة من أجل تكحيل ناظريه بتمامه فيأتيه ما يأتيه فلا يبقي منه عيناً ولا أثراً!
وحقيقة كنت أعتبر أن ما ابتليت به من خسارة جسيمة لا بد وأن تكمن فيه مصلحة حقيقية، فلقد اعتدت أن أرى تلك المصلحة في خاتمة كل بلاء، ولذلك خفف هذا الأمر عليّ طبيعة ما ألمّ بي، وعليه فقد بقيت أترقب طبيعة المصلحة التي أدت إلى ضياع هذا الجهد بهذه الطريقة، ومرت الأيام ووجدت أن تحقيقاً صدر للكتاب من قبل أحد الأفاضل، فحمدت الله أن أجد الكتاب يخرج من إسار عدم معروفيته من قبل المهتمين بقراءة التفاسير والمنتهلين منها، خاصة وأن الكتاب لا يضاهيه أي تفسير مماثل.
ومرّت الأيّام ووجدتني أعثر على نسخة مخطوط للكتاب بخط المؤلف أعلى الله مقامه وقد كتبه بخط النسخ وبجودة الخطاط المجيد لفنه، بمعية نسخ أخرى، وما أسرع أن صورت المخطوطات وبعضها كانت بغير خط المؤلف، وبدأت أتحيّن الفرص كي أعود للكتاب، وها أنا أجد اليوم نفسي حازت على التوفيق في أن أجد نفسي أمام الكتاب مجدداً.
وما أن شرعت حتى أحسست ببعض السبب الذي كمن وراء ضياع النسخة التي حققتها، وكانت كما أشرت سابقاً قد اعتمدت فيها على النسخة المطبوعة في قم المقدسة، لقد كان ما في نسخة المؤلف يختلف جديا عما تم تداوله في النسختين المطبوعتين في قم وفي بيروت، فالعشرات من الروايات التي توجد في نسخة المؤلف غابت عن النسخ المطبوعة، ولعل السبب يعود الى ان نسخة قم اعتمدت نسخة غير نسخة المصنّف نفسه، خاصة مع وجود أخطاء جادة في النسخة المطبوعة لما كان صحيحاً في نسخة المصنف رحمه الله. أو أن نسخة قم اعتمدت على نسخة أقدم للمصنف، فيما كانت النسخة الموجودة عندنا هي الأحدث فحمدت الله أن لم يتح المجال للنسخة التي ذهبت في العدوان الصهيوني في أن ترى النور، لأنها كانت قد اعتمدت نسخة غير قابلة للاعتماد.
إنّي في الوقت الذي أشكر الله جلّ وعلا على أن لم يكلني إلى نفسي، وأن انتهى بالأمور لما فيه الصلاح، رغم مرارة الفقدان ولوعة الضيعان، ألتمس من أحبتي ألا ينسوني من الدعاء كي أوفق لاتمام هذه الخدمة لكتاب الله العزيز وتراث علمائنا الأعلام، والحمد لله أولا وآخرا وصلاته وسلامه على رسوله واله أبداً.
https://telegram.me/buratha